افتتاحية قاسيون 1206: هل «انتهت الثورة»؟
يحاول كثيرون أن يقولوا للسوريين: «انتصرت الثورة، يعطيكم العافية، انتهت مهمتكم، عودوا إلى بيوتكم وناموا قريري العين»!
هنالك نصرٌ كبيرٌ جرى تحقيقهُ، نعم. هنالك فرحةٌ عارمة في قلوب السوريين وقد رفعوا عن صدورهم سلطةً مستبدةً كانت جاثمة فوقها على مدى عقود طويلة، نعم. هنالك آمالٌ كبيرة بمستقبل مشرق، كريمٍ، عزيزٍ، آمنٍ، نعم... ولكنْ...
الثورة تنتصر وتنتهي حين تحقق أهدافها كلها، وما تحقق حتى الآن، ورغم أهميته الكبرى، إلا أنه مرحلة أولى يجب أن تتبعها مرحلة ثانية تستكملها، ضمن عملية ثورية متواصلة، حتى بلوغ الهدف: «السلطة للشعب، الكرامة للوطن، الثروة للجميع».
ما تغير حتى الآن، هو السلطة وليس النظام؛ فالنظام ليس مجموعة أشخاص فقط، بل وهو أيضاً وفي جوهره، طريقة توزيع الثروة والسلطة؛ حين تكون السلطة والثروة محصورةً بيد أقل من 10% من السوريين، فالنظام القديم ما يزال مستمراً، حتى لو كان ذلك بأشكال وأسماء جديدة. ولنا في المثالين المصري والتونسي عبرة، حيث مضى أكثر من 14 عاماً على ما قيل: إنه «انتصار الثورتين المصرية والتونسية»، ومع ذلك، ما يزال النظامان في هذين البلدين، كما هما من حيث الجوهر، أي من حيث توزيع الثروة والسلطة.
إنّ استمرار وتعميق العمل المنظم للسوريين، هو الوصفة الوحيدة التي يمكنها أن تحقق انتصاراً فعلياً متكامل الأركان. ما نحن فيه الآن هو وضع ثوري، ويحتاج انتظام الناس وحشدها لصفوفها وقواها للدفاع عن مصالحها، لكي نصل من وضع ثوري إلى ثورة مكتملة؛ وبهذا المعنى فالثورة ما تزال أمامنا وليست وراءنا
ولنتذكر دائماً، أن «السلطة مظنة فساد»، أياً تكن هذه السلطة، ولا يقوّم ويصحح سلوك أي سلطة من السلطات، إلا وضعها تحت رقابة شعبية مستمرة، وهذه الرقابة تعني انخراط الناس بالعمل السياسي المباشر على المستويات كلها، دفاعاً عن مصالحهم.
طوى السوريون صفحة «الحزب القائد» و«القيادة الحكيمة»، ولا يريدون العودة للوراء؛ الآن ينبغي فتح صفحة الشعب اليقظ المستعد دائماً للمراقبة والمحاسبة والمشاركة وانتزاع زمام المبادرة، والمتمتع بديمقراطية حقيقية وبحرية تعبير حقيقية.
ولِنفتح هذه الصفحة، ما نزال بحاجة لانتقال سلس نحو وضع مستقر، وهذا يتطلب اشتراكاً واسعاً للسوريين كلهم، ليس على أساس انتماءاتهم القومية والدينية والطائفية فحسب، بل وأهم من ذلك، على أساس انتماءاتهم السياسية والاقتصادية، لأن المواطنة المتساوية تعني أن السوري أخو السوري أياً تكن قوميته ودينه وطائفته وجنسه، وبالذات أن المنهوب أخو المنهوب، وكلاهما ضد الناهب والفاسد والمستبد...
الخطوة الأولى هي تطبيق جوهر القرار 2254، لفتح باب مشاركة حقيقية للجميع؛ فسورية لا يمكن أن يحكمها حزب واحد، حتى لو جاء بديكور شكلي حوله على الطريقة التي سبق للسلطة وللبعث أن استخدمها.
أمامنا مهمات كبيرة وكثيرة، وعلى رأسها تحديد الاتجاه الاقتصادي الاجتماعي الذي يخدم الناس، وما يجري الإعلان عنه تحت مسمى «اقتصاد السوق الحر»، هو استمرار واستكمال لما كان يقوم به النظام عبر أكثر من 20 عاماً الماضية... وأمامنا أيضاً مهمة وقف التغوّل «الصهيوني» وإعادته كخطوة أولى نحو حدود فض الاشتباك لعام 1974.
الهدف التالي هو التغيير الجذري الشامل، الذي يتضمن وضع أساسٍ حقيقي لحل أزمات الفقر والبطالة والتوزيع غير العادل للثروة، ولاستعادة أراضينا المحتلة...
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1206