افتتاحية قاسيون 1202: كيف سيتحرك الصراع لاحقاً؟
تتبلور بشكلٍ تدريجي، وحتى قبل دخول ترامب البيتَ الأبيض، الملامحُ العامة للتعديلات التي سيتم إدخالها على الاستراتيجية الأمريكية ضمن الصراع الغربي المتواصل ضد ولادة عالم جديد، ومن أجل التمسك بالهيمنة والأحادية القطبية المتداعية.
بين هذه الملامح الأساسية، يمكن الإشارة إلى ما يلي:
أولاً: الصراع سيستمر في الساحات المختلفة؛ وسيأخذ في بعضها أشكالاً جديدة، وربما تقل حدّته في بعض الأماكن، وتشتد في أماكن أخرى، ولكن محصلته الإجمالية ستكون درجات أعلى من تصعيد الحرب الهجينة بأشكالها المختلفة.
ثانياً: في الإطار الاقتصادي، ستجري عملية مراجعة كبرى لسياسة العقوبات التي أنجزت جزءاً من مهامها، ولكنها في الوقت نفسه دخلت مرحلة باتت فيها نتائجها السلبية على الدولار الأمريكي أكبر من الإيجابية، وأصبح الاستمرار فيها تحفيزاً وتسريعاً لعمليات تاريخية يتم من خلالها تنحية الدولار عن عرشه العالمي، بينها العمليات المتدرجة التي تقوم بها بريكس... وقد عبر ترامب عن هذا الخطر بشكلٍ واضح بقوله: إن خسارة الدولار كعملة عالمية تعني «تحول الولايات المتحدة إلى دولة عالمٍ ثالث»... وستتم الاستعاضة عن العقوبات بجملة من الإجراءات الحمائية الاقتصادية، ورفع الرسوم بما يشبه الحرب التجارية التي بدأها ترامب في ولايته السابقة، ولكن بدرجات أعلى وأشد ضد الصين خصوصاً.
ثالثاً: ستجري محاولة جديدة لاستحضار روح كيسنجر عبر محاولة الفصل بين الصين وروسيا، ولكن بشكلٍ معكوس هذه المرة؛ أي عبر استمالة روسيا ضد الصين عبر اتفاق معها حول أوكرانيا، مع بعض الإغراءات بما يخص رفع العقوبات وغيرها، بالتوازي مع استمرار العمل على الفوضى الهجينة الشاملة داخل روسيا نفسها، وبالاستناد إلى الطابور الخامس الذي يرى في حصول صفقة مع الأمريكان تسمح بدخولها المفترض إلى «النادي الإمبريالي»، ذروة أحلامه.
رابعاً: في منطقتنا، وبعد أن أنجز العدوان المستمر على غزة ولبنان مهمة رفع درجة حرارة المنطقة ككل، ووضعها على صفيح ساخن، وظيفته تهيئة الظروف المناسبة لانتشار الفوضى الهجينة الشاملة، من المحتمل أن يتم الوصول إلى أشكالٍ من وقف إطلاق النار، خاصة مع تراكم الاستنزاف على جبهة الصهيوني، لتحل محل النار الحالية نارٌ أوسع وأكثر تدميراً، مصدرها التناقضات الداخلية، التي سيتكثف العمل على تفجيرها في مجمل منطقتنا، بما في ذلك في سورية وتركيا ولبنان والعراق ومصر والسعودية؛ أي إن «السلام» الذي يقدم ترامب نفسه حاملاً له، ستتم ترجمته عملياً بالدفع نحو حرائق داخلية كبرى على أسس قومية بالدرجة الأولى، وطائفية ودينية بالدرجة الثانية.
في هذا السياق، تتضح الأهمية القصوى لما يجري العمل عليه من تسوية تاريخية في تركيا، عبر اتفاق يجري العمل عليه بين عبد الله أوجلان من جهة، والسلطات التركية من جهة أخرى. وهو اتفاق إنْ اكتمل من شأنه أن ينزع فتيل تفجير هائل، ربما يكون الأخطر في اللحظة الراهنة في عموم منطقتنا. أضف إلى ذلك أن الظرف الدولي والإقليمي الراهن، هو بالفعل كما تم وصفه من أطراف متعددة، فرصة تاريخية لم تأت منذ مئة عام لإنجاز حلٍ ديمقراطي عادل للقضية الكردية، في تركيا (حيث مركز هذه القضية الجغرافي والسكاني) ابتداءً، ومن ثم في عموم المنطقة، وعلى أساس أخوّة الشعوب والتوافق فيما بينها.
بالتوازي، فإن نزع فتائل التفجير، يتطلب السّير حتى النهاية في موضوع التسوية السورية التركية برعاية أستانا، وتحييد العوائق كلها في وجهها، لأنها في جوهرها ستكون مفتاحاً أساسياً، ليس للتصدي للتخريب الصهيوني المتراكم في مجمل المنطقة فحسب، بل وأيضاً لتطبيق كامل للحل السياسي استناداً للقرار 2254 بمفرداته كلها، بما يقود نحو استعادة وحدة سورية أرضاً وشعباً، ونحو خروج القوات الأجنبية منها، والوصول بها إلى حالة استقرار فعلية تستند إلى حق الشعب السوري في تقرير مصيره بنفسه، بأبعاد هذا المصير كلها، بما في ذلك طبيعة النظام السياسي والاقتصادي-الاجتماعي الذي يريده...
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1202