افتتاحية قاسيون 1201: وحدة سورية في خطر!
أسست المرحلتان الطويلتان اللتان عاشتهما سورية منذ 2011 حتى الآن، ونقصد مرحلة الاقتتال والاستنزاف العسكري، وبعدها مرحلة الاستنزاف الاقتصادي المستمرة حتى اللحظة، لوضعٍ شديد الخطورة والهشاشة في آنٍ معاً، جعل من الحفاظ على وحدة سورية ومنع تحويل تقسيم الأمر الواقع فيها إلى تقسيم دائم، على رأس أولويات العمل الوطني.
هاتان المرحلتان كانتا متوازيتين ومتكاملتين مع تعمق عمليات اللبرلة المتوحشة التي سارت بها الحكومات السورية المتعاقبة، ومع تغوّل وتمدد الفساد الكبير بأشكاله كلها بما فيها الإجرامي، لتتحول هذه العمليات السلبية إلى الوجه الآخر لعملية التدمير الشامل لسورية.
بعد 7 أكتوبر، تمت إضافة عوامل جديدة إلى المعادلة المعقدة أساساً، وهذه العوامل هي عوامل إيجابية وسلبية في آنٍ معاً؛ فهي إيجابية لأنها تعبير عن تقدم ونمو الخط المعادي قولاً وفعلاً للأمريكي والصهيوني في منطقتنا، وهو الخط الوحيد الذي يمكن التعويل عليه للعب دورٍ أساسي في استعادة سورية واحدة موحدة، بالاستفادة من التوازنات الدولية والإقليمية الجديدة، وعلى أساس عملية تغيير جذريٍ شاملٍ تبدأ بالتطبيق الكامل للقرار 2254، بما يُعيد توحيد الشعب السوري والأرض السورية.
الجانب السلبي ضمن العوامل المستجدة، أنها تضع سورية في عين عاصفة جديدة من الأخطار، وتكشف عن حالها الموضوعي كخاصرة ضعيفة في التصدي للصهيوني والأمريكي، ومركز هذا الضعف هو عدم تبلور إرادة سياسية واضحة باتجاه الوقوف في وجه الأمريكي قولاً وفعلاً، بل وأسوأ من ذلك الوقوع في أوهام محاولات الوصول إلى تسويات معه عبر «خطوة مقابل خطوة» وما شابهها من مشاريع، والتي يلتقي في العمل عليها من الأطراف السورية كل من المتشددين في النظام والمعارضة على حد سواء، والذين ربطوا مصيرهم بمصير الأمريكي في منطقتنا منذ عدة سنوات، على أقل تقدير.
السعي الأمريكي والصهيوني الواضح المعالم في الاشتغال على سورية، هو سعي عنوانه الأساسي كما قلنا مراراً: الفوضى الهجينة الشاملة، والتي باتت مركز ثقل العمل الأمريكي مع استمرار أشكال التخريب الأخرى عبر الحروب النقطية وغيرها. وضمن هذه الفوضى الشاملة، يشكل اللعب بمسائل القوميات والأديان والطوائف، أداة أساسية.
ضمن هذه الإحداثيات يمكن فهم ما ظهر مؤخراً من عمل تركي-كردي، عبر السلطة التركية وعبد الله أوجلان، باتجاه تحقيق تسوية تاريخية تنتزع أحد أهم فتائل التفجير من المنطقة. وهذا العمل لا يمكن له أن يكتمل ويصل إلى غاياته دون أن يوازيه عمل على تسوية سورية تركية تقطع الطريق أمام ما يحضره «الإسرائيلي» خصوصاً، ومعه الأمريكي، لسورية في إطار الفوضى الهجينة الشاملة.
ضمن هذه الإحداثيات، يصبح من غير المفهوم أن تخرج أصوات من داخل ثلاثي أستانا، لتصب فعلياً في الطاحون الأمريكي في تعقيد الوصول إلى التسوية، ومنها تلك التي تحاول دفع روسيا خارج دور الوساطة بين سورية وتركيا، وهو الدور المهم جداً بوصفها وسيطاً حيادياً بين الطرفين، كما وصفه بالفعل وزير الخارجية التركي. ومن هنا تثير الاستغراب حقاً تصريحات من هذا النوع، تضع روسيا في إطار الانحياز الشكلي لأحد الطرفين عبر تصريحات مغرقة في التشاؤم من جهة، وعبر استخدام لغة سياسية محددة من شأنها تعقيد التسوية، وتعقيد إخراج القوات التركية من سورية، الأمر الذي من شأنه أن يسهل على الأمريكي تحقيق مهماته في منع استقرار المنطقة.
إن المضي نحو تسوية سورية تركية بالتوازي مع تنفيذ كامل للقرار 2254 بات ضرورة وجودية بالنسبة لسورية، ولوحدتها. وهذا الأمر ينبغي أن يضطلع بالدفع نحوه ثلاثي أستانا بشكلٍ متكافل ومتضامن، وبغض النظر عن رأي الأمريكان، ودونهم إن تطلب الأمر، وبالضد من العمل «الإسرائيلي» الذي يستهدف دول وشعوب المنطقة كلها دون استثناء... وفي سبيل تحقيق هذه الغاية، ينبغي تذليل أنواع العقبات كلها، بما فيها تلك التي تبرز من داخل مسار أستانا نفسه!
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1201