افتتاحية قاسيون 1192: هل يمكن تطبيق 2254 دون الغرب؟
ينبغي- قبل النظر إلى ما يجب فعله لإخراج سورية من أزمتها، ولاستعادة وحدتها ووحدة شعبها وسيادتها- النظر فيما يجري فعله حقاً على الأرض، وفي السياسة.
إن متابعة جملة «التغييرات» التي يقودها المتشددون من الأطراف المختلفة، ومعهم الغرب، والتي جرت خلال السنتين الماضيتين في سورية، يؤكد أن هذه «التغييرات» تصب بالضبط في مشروع «خطوة مقابل خطوة» الأمريكي؛ الذي يتضمن بدوره تحويل اللجوء المؤقت خارج سورية إلى لجوء دائم، يخفض عدد سكان سورية المطلق، ويخفض وزنها الإقليمي بما يتناسب مع المشروع القديم الجديد «مشروع الشرق الأوسط الجديد» كما صاغه شمعون بيريز، ويتضمن تعميق الليبرالية المتوحشة في سورية باتجاه مزيد من الخصخصة، وإنْ تحت مسميات وأقنعة متعددة، ونحو إعدام الدعم الاجتماعي، ونحو تغييرات قانونية ومؤسساتية متعددة تتناسب مع الوضع اللاحق المطلوب لسورية من الجهات الغربية، وبما يصب في اقتلاعها من دورها الوظيفي التاريخي، وضمناً عبر الدفع لتحويل مؤسسة الجيش إلى مؤسسة «احترافية»، على الطريقة اللبنانية مثلاً، وبما يبعده عن وظيفته التاريخية...
إن سير المخطط الغربي في سورية، لا يعني أنه سيصل إلى نهاياته بالضرورة؛ النهايات التي لن تقف عند إطالة أمد الأزمة وتعميقها، بل تسعى لتقسيمها بشكل نهائي وشرعنة ذلك التقسيم، بالتوازي مع نقلها- وبالأحرى نقل أجزائها- من ضفة إلى ضفة على المستوى الدولي والإقليمي.
الخطوة التي باتت ضرورية من وجهة نظر الغرب في استكمال هذا المخطط، هي: النسف النهائي للقرار 2254 ولفكرة الحل السياسي من أساسها، وإبدالها بجملة صفقات جزئية تدريجية، وهو ما بدأت علاماته الواضحة تظهر للسطح مع اللاورقة الأوروبية، التي اشتركت فيها ثماني دول تعمل بالإمرة الأمريكية في نهاية المطاف.
على الضفة المقابلة، فإن مسار أستانا، ومعه الصين ودول عربية أساسية، بات صاحب المصلحة الأساسية، والمسؤول الأساسي عن تطبيق القرار 2254، وبالضرورة دون موافقة الغرب ودون اشتراكه، لأن نوايا الغرب باتت واضحة وشبه معلنة... ليبرز هنا السؤال المنطقي: هل يمكن لهذه الدول، أي لأستانا بالدرجة الأولى، أن تحتضن تطبيق القرار دون اشتراك الغرب؟
والجواب هو: نعم، وليس ذلك فحسب، بل وإن هذا الطريق هو الطريق الوحيد الذي يمكن لأستانا وللصين، ولكل دول المنطقة الساعية للنجاة من الفوضى الشاملة الهدامة الأمريكية أن تتبعه. ولعل التعثر المستمر في التسوية السورية التركية، والذي تقوده واشنطن في نهاية المطاف، ومعها المتشددون من كل الأطراف، هو خير مثالٍ على عدم إمكانية استعادة وحدة سورية، ودفعها نحو الاستقرار الحقيقي، طالما بقي هناك تعويل من أي نوع على مساومات ما مع الغرب.
القرار 2254 في نهاية المطاف، هو قرار شرعية دولية، وتنفيذه مسؤولية قانونية على الدول الأعضاء كلها، مجتمعةً ومنفردة، وعدم اتخاذ زمام المبادرة في تطبيقه من قبل الدول صاحبة المصلحة في استقرار سورية، ونعني دول أستانا بالدرجة الأولى، لا يعني المراوحة في المكان، بل يعني بالضبط السير خطوات إضافية بالمشروع الغربي في سورية وفي منطقتنا، باتجاه التفتيت الشامل والفوضى الشاملة.
الانعكاس الحقيقي لميزان القوى الدولي الجديد، لن يتم بشكل أوتوماتيكي ودون جهود ذاتية، ويتطلب اتخاذ زمام المبادرة سريعاً، على مستوى الدول صاحبة المصلحة في استقرار سورية، وعلى مستوى الوطنيين السوريين، بغض النظر عن اصطفافاتهم الآنية...
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1192