افتتاحية قاسيون 1183: الانتخابات وقانونها والحل السياسي

افتتاحية قاسيون 1183: الانتخابات وقانونها والحل السياسي

تجري يوم غدٍ الإثنين، 15 تموز، انتخابات جديدة لمجلس الشعب السوري. وتحوز هذه الانتخابات، أسوةً بانتخابات عديدة جرت في سورية خلال الأزمة وحتى قبلها، بقدرٍ متواضع من الاهتمام الإعلامي، ناهيك عن الاهتمام الشعبي المنخفض تجاهها.

تفسير انخفاض الاهتمام هذا، لا يقتصر على مسائل النزاهة والشفافية، وقوائم الجبهة، والغياب شبه الكامل للبرامج السياسية للقسم الأكبر من المرشحين، والمعرفة التقريبية المسبقة للنتائج، بل يتعدى ذلك إلى أسباب أكثر جوهرية، على رأسها:
أولاً: الصلاحيات الدستورية المحدودة لمجلس الشعب، والتي تجعل منه في معظم الحالات امتداداً للسلطة التنفيذية. ولعل بين الأمثلة الواضحة على ذلك، أنّ مجلس الشعب ليست لديه صلاحية إعطاء الثقة للحكومات، في حين لديه صلاحية حجب الثقة عنها... إلى غير ذلك من التفاصيل الكثيرة المتعلقة بفترات انعقاده، وقدرة السلطة التنفيذية على ممارسة دوره بشكلٍ مباشر في فترات عدم الانعقاد... وإلخ.
ثانياً: قانون الانتخاب الذي ما يزال سارياً هو نفسه من حيث الجوهر منذ عقودٍ طويلة، والذي يقوم على أساس أكثري، وعلى أساس أنّ الدائرة الانتخابية هي المحافظة؛ والذي يُحوّل مجلس الشعب إلى تمثيلات محلية أشبه بالتمثيلات البلدية، بعيداً عن دوره كتمثيل سياسي للشعب السوري بأكمله. إضافة إلى أنّ هذا القانون الانتخابي، وبالتجربة الحية، يُطلق عملياً يد قوى المال، وقوى السلطة للتحكم المسبق بالنتائج.
ثالثاً: الغياب المزمن لفعالية مجالس الشعب المتتالية، وعجزها عن لعب دورٍ واضحٍ في مصلحة عامة السوريين، يُراكم من حالة العزوف عن الاهتمام الشعبي به، ليتحول بتركيبته وأدائه، وإلى حد بعيد، إلى جزء أساسي من فضاءٍ سياسي قديم انقطعت صلته مع الناس.

إنّ الانتقال إلى مرحلة جديدة في سورية، يتطلب في جوهره، إفساح المجال لولادة فضاءٍ سياسي جديد متصلٍ بالناس، ويعبر عنها بشكلٍ حقيقي.
هذا الأمر، بوصفه جزءاً أساسياً من الحل السياسي السوري وفق 2254، لا يمكن أن يجري إلّا على أساس قانون انتخابات عصري من نوع مختلفٍ تماماً عن السائد حالياً؛ قانون انتخابات يكون فيه البرلمان مكوناً من غرفتين. الأولى: يتم انتخابها على أساس سورية دائرة واحدة نسبية، أي على أساس قانون انتخاب نسبي شامل، يفتح الباب أمام تنافس البرامج السياسية الوطنية، وليس تنافس الصور والشعارات. الثانية: أشبه بمجلس شيوخ، يتم انتخابها على أساس دوائر فردية صغيرة، تسمح بالربط الإداري للبلاد ضمن صيغة متطورة للعلاقة بين المركزية واللامركزية، وتكرس سلطة الشعب على الأرض في المناطق، استكمالاً وامتداداً لسلطة الشعب في المركز عبر الغرفة الأولى السياسية.
أهم ما ينبغي أن ينص عليه قانون انتخابات قادم كجزء من الحل السياسي الشامل في سورية، وإلى جانب ما ذكرناه آنفاً، هو الآليات العملية التي تمنع تدخل قوى المال والسلطة في الانتخابات، وضمناً ينبغي أن تتيح تلك الآليات رقابة على تكافؤ فرص الظهور والدعاية الإعلامية للمرشحين، كتلاً وأفراداً.

(English Version)

معلومات إضافية

العدد رقم:
1183
آخر تعديل على الأحد, 14 تموز/يوليو 2024 22:56