افتتاحية قاسيون 1178: إعدام الدعم؟

افتتاحية قاسيون 1178: إعدام الدعم؟

تجدد خلال الأيام الماضية، الحديث عن استبدال «الدعم العيني» أو «الدعم الاستهلاكي»، بما تجري تسميته «بدلاً نقدياً» أو «دعماً نقدياً».

يأتي ذلك، بعد أن حقق شعار «إعادة توزيع الدعم على مستحقيه» غايته الحقيقية عبر السنوات الماضية، وهي تخفيض إجمالي الدعم الحكومي، وتكريس توزيع الثروة المتوحش السائد في البلاد، وزيادته توحشاً؛ حيث بلغت حصة الأجور من الدخل الوطني عام 2021 وفقاً لإحصاءات المكتب المركزي للإحصاء، أقل من 15% مقابل 85% للأرباح. وكان ذلك في 2021، أي في أيامٍ أقل سواداً وسوءاً بكثير مما يعيشه السوريون اليوم، على مستوى قيمة عملتهم وقيمة أجورهم، وتكاليف مستوى المعيشة.

إنّ جوهر فكرة الدعم كان طوال الوقت قائماً على أنّ الأجور غير كافية لأصحاب الأجور لكي يتمكنوا من الوصول إلى الحد الأدنى ليس من مستوى المعيشة، بل الحد الأدنى اللازم لإعادة تجديد أنفسهم كقوة عمل. ولذا فإنّ وجود الدعم نفسه، كان دائماً تعبيراً عن اختلال التوزيع بين الأجور والأرباح من جهة، وعن اختلال العلاقة بين الأجور والأسعار من جهة ثانية.

إنّ أي خطوةٍ اقتصادية تخص الأجور في سورية، ينبغي أن تبنى على ثلاثة منطلقات أساسية:
أولاً: الحد الأدنى للأجر يجب أن يؤمن الحد الأدنى لتكاليف المعيشة، وأن تكون الأجور مربوطة بالأسعار تتحرك بتحركها ضمن دورٍ لا يزيد عن ثلاثة أشهر.
ثانياً: تحريك الأجور مع كل ارتفاعات جديدة في الأسعار بحيث يكون الفرق بين أدنى أجر وأعلى أجر، سبعة أضعاف.
ثالثاً: أن تكون كل زيادةٍ للأجر زيادةً حقيقية من مصادر حقيقية، وليست تضخمية، أي ليس عبر طباعة أوراق وتوزيعها على الناس... والزيادة الحقيقية تأتي من أحد مصدرين أو من كليهما، الأول: هو أن تأتي على حساب الأرباح، أي بإعادة توزيع الثروة لمصلحة منتجيها، والثاني: هو وجود نمو اقتصادي حقيقي ينتج فوائض تستطيع تغطية رفع الأجور رفعاً حقيقياً.

بالعودة إلى فكرة «الدعم النقدي»، فإنّ المقصود منه في نهاية المطاف، هو إعدام الدعم بشكلٍ نهائي؛ لأنّ البدل النقدي الذي سيجري تحديده، وأياً يكن حجمه، فإنّ قيمته الفعلية سرعان ما ستتبخر عبر التضخم وارتفاعات الأسعار... خاصة وأنّ هذا البدل نفسه غالباً ما ستتم تغطيته كالعادة عبر مصادر تضخمية، أي ببساطة عبر طباعة مزيد من العملة.

محقون تماماً الاقتصاديون الذين يعرّفون التضخم بأنّه عملية نهبٍ منظمةٍ تُنفذ ضد من هم تحت ولمصلحة من هم فوق؛ عملية نهب لمصلحة أصحاب الأرباح وضد أصحاب الأجور... وفكرة تبديل الدعم المباشر على أسعار سلعٍ بعينها، إلى «بدل نقدي»، هي شكل من أشكال تعظيم التضخم، وبالتالي شكلٌ من أشكال تعميق النهب الممارس على أكثر من 90% من السوريين.

تأمين زيادات حقيقية للأجور، وتأمين موارد فعلية للموازنات الحكومية في الوقت نفسه، يمران عبر طريق واحد هو النمو الحقيقي، والذي لم يعد له مدخل غير إعادة توزيع للثروة على المستوى الوطني... وهذه الأخيرة لا ممر لها إلا بحل سياسي شامل على أساس القرار 2254، يضع القرار النهائي بيد الشعب السوري، في كل شؤونه، وفي مقدمتها معيشته وكرامته...

(English version)

معلومات إضافية

العدد رقم:
1178
آخر تعديل على الأحد, 09 حزيران/يونيو 2024 19:35