«صفقة بايدن» ... والمسافة بين الإعلام والساسة «الإسرائيليين» وبين الواقع...
أعلن الرئيس الأمريكي بايدن يوم الجمعة الماضي عن مقترح لإنهاء الحرب في غزة، وقال: إنه مقترح «إسرائيلي»، ولم يتبق إلا أن توافق حماس عليه بعد أن تم إرسال المقترح إليها من خلال الوسطاء في قطر. يتكون المقترح من ثلاث مراحل، تبدأ بوقف إطلاق نار يستمر لمدة ستة أسابيع تقوم قوات الاحتلال خلالها بالانسحاب من المناطق المأهولة بالسكان في غزة، والسماح بدخول المزيد من المساعدات الإنسانية، وستشمل كذلك تبادل بعض الأسرى «الإسرائيليين» بأسرى فلسطينيين، ومن المفترض أن تؤدي الصفقة في نهاية المطاف إلى «وقف دائم للأعمال العدائية» وخطة إعادة إعمار واسعة النطاق في غزة.
وأضاف بايدن في كلمته التي أعلن فيها عن المقترح: «أعلم أن هنالك في إسرائيل أشخاصاً، بما في ذلك في الائتلاف [الحكومي]، لن يوافقوا ويريدون مواصلة الحرب – والمختطفون ليسوا مهمين بالنسبة لهم. أقول لشعب إسرائيل، كمؤيد منذ فترة طويلة لإسرائيل، والرئيس الوحيد الذي زار إسرائيل أثناء الحرب، أطلب منكم الرجوع خطوة إلى الوراء والتفكير فيما سيحدث إذا فقدنا هذه الفرصة».
وقبل أن نلقي نظرة على ما ورد في الإعلام «الإسرائيلي» حول المقترح، من الجدير بالذكر أن بايدن «حث» حماس على القبول بالصفقة وعلى «ألا يضيعوا هذه الفرصة لإنهاء الحرب»، وكأن حماس هي التي عرقلت الوصول إلى اتفاق يؤدي إلى وقف إطلاق للنار وتبادل للأسرى بين الطرفين، وكأنه نسي أن «إسرائيل» هي التي كانت قد رفضت الصفقة الأخيرة، والتي قدمتها واشنطن قبل أسابيع ووافقت عليها حماس، وكان الطرف «الإسرائيلي» هو الذي رفضها على الرغم من أنه من المفترض أنها لم تصل إلى حماس إلا بعد التشاور مع الكيان، وتذرع الطرف «الإسرائيلي» آنذاك بذريعة لغوية حول «ال» تعريف لم تكن في النسخة التي وافق عليها!
ردود فعل الكيان الرسمية والإعلامية
بينما قال بايدن بأن الطرف «الإسرائيلي» وافق على المقترح قبل إرساله إلى حماس، وقال في مكان آخر من كلمته: إنّ المقترح «إسرائيلي»، إلا أنه أقر بأن بعض أعضاء حكومة الكيان قد لا يقبلونه وقد يحاولون عرقلته، ما يستوجب التساؤل حول من الذي قبل أو أطلق المقترح من الطرف «الإسرائيلي»، ومن الذي رفض، وهل الباب مفتوح أمام عرقلة جديدة تأتي بالذات من حكومة الكيان... أم أن بايدن يعرض المقترح من جهة، ويهيئ الجميع من جهة أخرى لانسحاب الكيان مرة جديدة من الوصول إلى اتفاق؟
طرحت مقالة نشرها موقع ماكو «الإسرائيلي» الأسئلة ذاتها، حيث قالت: «يقول بايدن: إن هذا اقتراح إسرائيلي، أي اقتراح طرحته إسرائيل على الطاولة. ومع ذلك، فهو يدعو إسرائيل إلى «تبني الصفقة». وهذه مفارقة لأنه إذا طرحت إسرائيل الصفقة فمن المفترض أن تقف وراءها وتدعمها. ونلاحظ أن نتنياهو نفسه أصدر بياناً في اليوم التالي للخطاب، وقال: إن إسرائيل لن تقبل بصفقة تتضمن إنهاء الحرب طالما أن حماس تشكل تهديداً أمنياً، وإذا لم يتم استيفاء شروط إسرائيل».
ووفق مقالة أخرى نشرها موقع ماكو، فإن المقترح كان مفاجئاً للكيان، حيث تدعي المقالة أنه «لم يتم إبلاغ مكتب رئيس الوزراء بخطاب بايدن إلا قبل حوالي 3 ساعات من إلقائه... وتفاجؤوا بالإنذار الذي وضعه الرئيس بايدن بين السطور».
ورأت مقالة نشرها موقع «إسرائيل هيوم» الإخباري أن «رئيس الولايات المتحدة وجّه كلماته تحديداً إلى مواطني إسرائيل وحثّهم على قبول اقتراح حكومتهم. ربما لأن الحكومة نفسها قد انسحبت من الاقتراح بالفعل، ربما لأنه يدرك أنه بمجرد موافقة حماس، ستحرص إسرائيل على الرفض... لا يوجد ولم يكن هناك رئيس أكثر ودية تجاه إسرائيل من جو بايدن... إسرائيل معزولة أكثر من أي وقت مضى، وتسير على خطى جنوب أفريقيا... لا يمكننا أن نعيش بمفردنا. ليس لدينا حتى الصين... لذلك، ومن أجل تأمين مستقبلنا في المنطقة، تقدم إدارة بايدن لإسرائيل عرضاً أكثر سخاءً. إنهم يريدون أن تندمج إسرائيل في النظام الجديد الذي يجلبه بلينكن وبايدن إلى مناطقنا. إنهم يريدون إنشاء محور من الدول السنية الصديقة والحلفاء، بما في ذلك مصر والأردن وقطر والإمارات والآن المملكة العربية السعودية، وربط إسرائيل بهم... بايدن يسعى إلى إنقاذ إسرائيل من نفسها».
عودة إلى احتمالية تراجع الكيان – مرة أخرى – عن العرض الذي أتى أساساً من طرفه من خلال واشنطن، فإن عدة جهات إعلامية تحدثت عن «مسؤول إسرائيلي قال اليوم الجمعة: إن اقتراح وقف إطلاق النار في غزة، الذي قال الرئيس الأمريكي جو بايدن إنه حصل على ضوء أخضر من تل أبيب حوله، يعد بمثابة «انتصار لحركة حماس»، حسبما ذكرت وكالة الأناضول. وبحسب القناة 12 الإسرائيلية، قال المسؤول، الذي تم حجب اسمه في التقرير: إن بايدن يفتقر إلى فهم حقيقة الصراع».
ويتفق ذلك مع ما أوردته صحيفة «تايمز أوف إسرائيل» في مقالة يوم السبت، والتي ذكرت أن «رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو قال يوم السبت: إنه لن يكون هناك وقف دائم لإطلاق النار في غزة إلا بعد تدمير القدرات العسكرية والحكومية لحماس»، ووفق المقالة، قال نتنياهو: «شروط إسرائيل لإنهاء الحرب لم تتغير: تدمير قدرات حماس العسكرية والحكمية، وإطلاق سراح جميع الرهائن وضمان أن غزة لم تعد تشكل تهديداً لإسرائيل... وسوف تستمر إسرائيل في الإصرار على استيفاء هذه الشروط قبل التوصل إلى وقف دائم لإطلاق النار. إن فكرة موافقة إسرائيل على وقف دائم لإطلاق النار قبل استيفاء هذه الشروط هي فكرة غير مقبولة». وكان حساب رئاسة الوزراء للكيان على منصة تويتر قد نشر الكلام ذاته في تغريدة يوم السبت.
تظاهرات عائلات الأسرى «الإسرائيليين»
بحسب المقالة المذكورة أعلاه، فإن عائلات الأسرى «الإسرائيليين» المتواجدين لدى حماس، «دعوا جميع الأطراف إلى القبول الفوري لاقتراح بايدن لإنهاء الحرب المستمرة منذ ما يقرب من 8 أشهر وإعادة أقاربهم... ويلقي العديد من عائلات الأسرى اللوم في وفاة العديد منهم في الأسر على افتقار الحكومة إلى الإرادة للتوصل إلى اتفاق». وقالت واحدة من أقارب الأسرى: «نحن نعلم أن حكومة إسرائيل فعلت الكثير لتأخير التوصل إلى اتفاق، وقد كلف ذلك حياة العديد من الأشخاص الذين نجوا في الأسر لأسابيع وأسابيع وشهور وشهور».
وذكرت المقالة ما ورد في التصريح المنسوب لحماس حول المقترح والذي قالت حوله: إنها «تؤكد استعدادها للتعامل بشكل إيجابي وبنّاء مع أي طرح يقوم على الوقف الدائم لإطلاق النار والانسحاب الكامل من قطاع غزة وإعادة الإعمار وعودة النازحين إلى أماكنهم، مع تنفيذ صفقة تبادل أسرى حقيقية إذا أعلن الاحتلال بوضوح الالتزام بهذه الصفقة».
وحول عائلات الأسرى «الإسرائيليين»، ذكر موجز إخباري على موقع كالكاليست «الإسرائيلي» أن «الآلاف تظاهروا ليلة السبت... ودعت الحشود إلى الترويج لصفقة إطلاق سراح المختطفين»، وأنهم كانوا يهتفون «نعم للصفقة». ووفق مقالة نشرها موقع معاريف الإخباري «الإسرائيلي»، فاق عدد المتظاهرين في أنحاء الأراضي المحتلة 120 ألفاً، طالبوا «بالموافقة على الصفقة وإنقاذ من يمكن إنقاذهم... ودعت العائلات جميع وزراء الحكومة وأعضاء الائتلاف إلى عدم التخلي عن الصفقة، وتقديم التزام علني وبذل كل ما في وسعهم للبدء بها على الفور».
ووفق مقالة على موقع «يديعوت أحرونوت» مساء يوم السبت، فإن عائلات الرهائن قالت في بيان لها: إن «الأهالي أطلقوا عملية طارئة للحصول على أغلبية في الحكومة والكنيست لتنفيذ صفقة نتنياهو لإطلاق سراح كافة المختطفين. ويطالب الأهالي بعودة كافة المختطفين، بعضهم لإعادة تأهيلهم والبعض الآخر لدفنهم، وعدم تفويت الفرصة التي أتيحت لإعادتهم إلى ديارهم، وخلال الساعات المقبلة سيصل أهالي المختطفين إلى كافة أعضاء مجلس الوزراء، الحكومة، والكنيست وسيطالبون بالموافقة على صفقة نتنياهو»، وفي تصريح للإعلام، قالت العائلات: «ندعو الجماهير للنزول إلى الشوارع لدعم الصفقة».
وقالت إحدى السيدات من عائلات الأسرى: «بعد فترة طويلة من اليأس في البلاد، يقدم خطاب بايدن لأول مرة أملاً حقيقياً بعودة جميع المختطفين واستعادة الأمن في إسرائيل. لكن لا ينبغي أن يكون هناك أي لبس: لقد تحدث بايدن لأنه يعلم أن نتنياهو قد ينسف هذه الصفقة، كما أراد بايدن أن يعرف الجمهور ما هو مطروح بالفعل على الطاولة. نحن قلقون من أن نتنياهو سيحاول تخريب الصفقة. وسمعنا الليلة الماضية مصدراً مجهولاً يهاجم بايدن، وقبل يومين الحكومة لن توقف الحرب مقابل عودة المختطفين. ولم تؤكد إعلانات نتنياهو الخطوط العريضة علناً أيضاً».
تضارب واسع في الأقوال
معظم الجهات الإعلامية «الإسرائيلية» ذكرت أن المقترح الذي عرضه بايدن كان على أساس مقترح «إسرائيلي»، أو على الأقل على أساس تكليف نتنياهو «الفريق المفاوض بتقديم الخطوط العريضة لتحقيق هذا الهدف، مع إصراره على أن الحرب لن تنتهي إلا بعد تحقيق جميع أهدافها، بما في ذلك عودة جميع مختطفينا والقضاء على قدرات حماس العسكرية والحكومية»، حيث إن الهدف وفق مقالة نشرتها «معاريف» هو «إنهاء الحرب والبدء في اليوم التالي».
كما ربطت بعض الآراء المقترح بالجهود الأمريكية الكثيفة للدفع باتجاه تحقيق المزيد من التطبيع مع الكيان في المنطقة، وبالأخص مع السعودية. ووفق مقالة نشرها موقع معاريف «الإسرائيلي»، فإنه «يبدو أن نشر الخطوط العريضة للمقترح يهدف إلى إحراج نتنياهو وإيصال رسالة له بأن زمن التردد والتأجيل قد انتهى وعليه اتخاذ القرار الآن، وإلا فإنه سيضيع الفرصة التاريخية لتحقيق حلم التطبيع... ويدرك بايدن أن الساعة الرملية السياسية للمضي قدماً في صفقة التطبيع الكبيرة مع المملكة العربية السعودية قد بدأت تنفد... ومن وجهة نظر بايدن، فإن الصفقة هي المفتاح لتغيير الواقع الإقليمي... وستسمح التطورات الناتجة عن الصفقة بتعزيز صفقة التطبيع التي ستؤدي إلى إقامة تحالف إقليمي بين إسرائيل والدول العربية ضد التهديد الإيراني المتصاعد، وستخفف التوترات بين إسرائيل ومصر والأردن، وستسمح ببدء عمليات استعادة القطاع والتغييرات المطلوبة في النظام الفلسطيني ككل. هذا، مع تحقيق التكامل بين الدول العربية والخليجية، التي ستكون بدورها مستعدة لاستثمار الموارد المالية المطلوبة، والتي تقدر بعشرات مليارات الدولارات».
أما القناة 14 «الإسرائيلية»، فقد نشرت موجزاً حول الموضوع على موقعها يوم السبت، وقد يكون العنوان وحده مؤشراً كافياً: «بايدن كشف عن الخطوط العريضة للاستسلام لإنهاء الحرب، ولم يرفضها نتنياهو بشكل قاطع»، وأضاف الموجز، أن «مسؤولاً كبيراً» قال للقناة حول اقتراح بايدن: إن «الجزء الأول متفق عليه من قبلنا، طالما أن الإرهابيين المسلحين لن يعودوا إلى شمال قطاع غزة».
القناة السابعة «الإسرائيلية» وفي مقالة على موقعها حول الموضوع قالت: إنه «مقترح إسرائيلي لحماس»، ونقلت عن بايدن أنه قال: إن «إسرائيل قدمت خريطة طريق لوقف إطلاق النار وإطلاق سراح المختطفين».
أما موقع والا «الإسرائيلي» فأضاف بعض التفاصيل في مقالة يوم السبت، قد يكون أهمها هو تسليط الضوء على رد فعل نتنياهو، حيث ورد في المقالة أن «مكتب رئيس الوزراء نشر، مساء الجمعة، إعلاناً غير عادي باللغة العبرية لم ينكر فيه التفاصيل التي قدمها بايدن في خطابه، وشدد على الشروط التي وردت في الاقتراح الإسرائيلي. وصباح السبت، نشر مكتب نتنياهو إعلاناً آخر، هذه المرة باللغة الإنجليزية، أكد فيه، أن إسرائيل لن توافق على وقف دائم لإطلاق النار دون تدمير القدرات العسكرية والحكومية لحركة حماس في غزة». وحول حماس، قالت المقالة: إنها «لم ترفض خطاب بايدن أو اقتراحه، وأشارت إلى أنها ستتعامل معه بشكل إيجابي».
سموتريتش وبن غفير
بحسب مقالة نشرها موقع معاريف «الإسرائيلي»، هدد الوزيران الأكثر تشدداً في حكومة الاحتلال – سموتريتش وبن غفير – هددا نتنياهو بحل الحكومة في حال الموافقة على المقترح. ووفق المقالة، قال سموتريتش: «لقد تحدثت مع رئيس الوزراء وأوضحت له أنني لن أكون جزءاً من حكومة توافق على الخطوط العريضة المقترحة وتنهي الحرب دون تدمير حماس وعودة جميع المختطفين. لن نوافق على إنهاء الحرب قبل تدمير حماس، ولا على إلحاق ضرر جسيم بإنجازاتنا... نطالب باستمرار القتال حتى القضاء على حماس وعودة كافة المختطفين وخلق واقع أمني مختلف تماماً في غزة ولبنان، وعودة كافة السكان إلى منازلهم في الشمال والجنوب واستثمار ضخم في التنمية المتسارعة لهذه المناطق من البلاد».
ووفق المقالة ذاتها قال بن غفير: «الصفقة كما أعلنت تفاصيلها اليوم، تعني نهاية الحرب والتخلي عن حماس. هذه صفقة غير شرعية، وهي انتصار للإرهاب وخطر أمني على دولة إسرائيل. إن الموافقة على مثل هذه الصفقة لا تمثل النصر المطلق، بل الهزيمة المطلقة. ولن نسمح بانتهاء الحرب دون القضاء التام على حماس. إذا نفذ رئيس الوزراء الصفقة غير الشرعية بموجب الشروط المنشورة اليوم، والتي تعني نهاية الحرب واستسلام حماس، فإن عوتسما يهوديت (الحزب اليميني المتطرف) سيحل الحكومة».
كما تطرقت المقالة إلى ردود أفعال عدد من أعضاء حكومة الاحتلال وبعض أعضاء «الكنيست»، وكانت الفكرة الأساسية لكل ردود الأفعال هذه أن المقترح يشكّل انتصاراً لحماس واستسلاماً لـ«إسرائيل».
ما هو جوهر المسألة؟
إعلان بايدن كان المرة الأولى منذ 7 أكتوبر التي يعلن فيها الرئيس الأمريكي عن تفاصيل الصفقة المفترضة، والتي تقول بثلاث مراحل تمتد كل منها لستة أسابيع، وتتضمن تبادلاً للأسرى وعودة لأهالي القطاع إلى كل الأماكن التي تمّ تهجيرهم منها، ولكن كالعادة، دون أي حديث واضح عن وقف كامل لإطلاق النار، وأيضاً دون حديث عن انسحابٍ كامل للجيش «الإسرائيلي» من كامل قطاع غزة، وعوضاً عن ذلك تم استخدام مصطلحات «وقف الأعمال العدائية»، وكذلك «الانسحاب من المناطق المأهولة بالسكان»، ما يعني ضمناً عدم الانسحاب الكامل من القطاع. رغم ذلك، وبغرض التضييق على نتنياهو -كما جرى حين قبلت حماس المقترح قبل بدء عملية رفح ورفضه من الكيان- فإنّ حماس أصدرت بياناً تقول فيه: إنها ستتعاطى إيجاباً مع المقترح، وستناقش تفاصيله، وبالمقابل، فقد خرجت عدة تصريحات «إسرائيلية» منسوبة إلى مسؤولين كبار، يُعتقد أنّ وراءهم نتنياهو نفسه، تقول: إنّ «بايدن لا يفهم الواقع هنا» وتدعو إلى «استمرار الحرب حتى تحقيق أهدافها».
حجم الانفصام في المؤتمر الصحفي الذي عقده بايدن، مثيرٌ للتفكُّر حقاً؛ ففي الوقت الذي قدم بايدن المقترح على أنّه «مقترح إسرائيلي»، وطالب حماس بالموافقة عليه، فإنّ جلّ وقت المؤتمر قد تمّ صرفه على توجيه خطاب بايدن للداخل «الإسرائيلي» لإقناعه بالموافقة على المقترح، الذي من المفترض أنّه مقترحٌ «إسرائيلي»! بل وذهب بايدن حدَّ التصريح بأنه يعرف بأنّ هنالك أطرافاً في الحكومة «الإسرائيلية» غير موافقة على هذا المقترح وستعمل ضدَّه، ما فتحَ الباب على أسئلة حول مَن هو صاحب المقترح الفعليّ، وهل أنّ بايدن أطلقَ هذا المقترح دون موافقة نتنياهو المسبقة؟
مع أنه لا يمكن -نظرياً على الأقل- نفي احتمال أنّ واشنطن تقوم بخطوة منفردة تحاول إجبار الكيان على السير فيها، إلّا أنّ التجربة السابقة مع المقترحات المختلفة لإنهاء الحرب وطريقة التعاطي الأمريكي معها، وواقع أنّ واشنطن لم توقف دعمها ولو يوماً واحداً عن الكيان، بل زادته، وذلك رغم كل الكلام والتهديدات الإعلامية التي تظهر من حين إلى آخر... كل ذلك، يسمح بوضع جملة من الاستنتاجات الأولية حول هذا المقترح، وتوقيته والهدف منه:
أولاً: التبني الأمريكي العلني لمقترحٍ بعينه يتضمن اعترافاً بالمقاومة الفلسطينية، وبحماس خاصة، وبأنها الطرف المفاوض، يعني ضمناً- وأياً تكن التصريحات المصاحبة للمقترح- أنّ واشنطن تعترف بعدم إمكانية تحقيق هدف القضاء على حماس، وأنها تتعامل معها كأمر واقعٍ سيبقى قائماً وقتاً طويلاً قادماً.
ثانياً: يحاول بايدن، وفي إطار التحضير المستمر للانتخابات الرئاسية الأمريكية القادمة، أنْ يكسب نقاطاً باعتباره «رجل سلام» وباعتباره ساعياً لوقف الحرب، بالتوازي مع إعادة التأكيد المستمرة على صهيونيته.
ثالثاً: تحاول النخبة الأمريكية استعادة الموقع الحصري للحَكَم والقاضي بما يخصّ القضية الفلسطينية، عبر الإيحاء بدور الوسيط، خاصة بعد دخول دولٍ عديدة على الساحة، بينها في الأشهر الأخيرة الصين التي دخلت على خط المصالحة الفلسطينية.
رابعاً: ربما أهم ما في الأمر أنّ «المقترح» سواء أكان صاحبه «إسرائيلياً» أم أمريكياً، فإنّه يأتي في ظل تعمق أزمة الكيان الداخلية، وأزمته العسكرية على كل الجبهات، ابتداءً من وقوع أسرى جدد في غزة، مروراً بارتفاع مستوى المقاومة المسلحة في الضفة الغربية إلى مستوى ربما غير مسبوق تاريخياً، وأيضاً ارتفاع مستوى التصعيد على الحدود الشمالية لفلسطين المحتلة، وزيادة عمق الهجمات التي ينفذها حزب الله وحجمها، وصولاً إلى نشاط الحوثيين الذي وصل حد توجيه ضربة إلى حاملة الطائرات الأمريكية أيزنهاور، وهو أمر لم يحدث منذ الحرب العالمية الثانية... كلّ هذه الوقائع، تجعل من البحث عن مخرجٍ سريعٍ قدر الإمكان، مصلحة أمريكية-«إسرائيلية».
خامساً: رغم هذا كلّه، لا يمكن الركون إلى أنّ واشنطن قد عَدَلَتْ فعلاً عن استراتيجيتها القائمة على استخدام النار واستمرارها في غزة، كأداة في تفعيل الفوضى الشاملة الهجينة في كل المنطقة. ما يعني أنّه من غير الممكن الركون للقول: إنّ واشنطن تريد فعلاً إنهاء الحرب على غزة. وليس مستبعداً أن نكون أمام محطة جديدة من النفاق المشترك الأمريكي/الصهيوني الهادف إلى إطالة الحرب، ولكن مع العمل على ضبط درجة انتشارها... (مع أنّ هذا الأمر نفسه، وبحكم تجربة الشهور الماضية، لم يعد مضموناً بحال من الأحوال).
أخيراً: في الوقت الذي يبدو فيه تأخير إنهاء الحرب على غزة محاولة أمريكية صهيونية لمنع إعلان الهزيمة، ومحاولة لتغيير مجمل الإحداثيات، بحيث تتحول الهزيمة الفعلية إلى نصر (خاصة عبر المحاولات الفاشلة لبث الروح في اتفاقات أبراهام وتوسيعها)، أو على الأقل إلى نصف هزيمة، فإنّ كلّ تأخير إضافي، من شأنه أن يعزز تلك الهزيمة، وأنْ يحوّل الملف الفلسطيني إلى محورٍ أساسي من محاور الهزيمة الأمريكية الشاملة إلى جانب أوكرانيا وتايوان وأفريقيا الوسطى وغيرها من ساحات الصراع الدولي...
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1177