هل من جديد في القمة العربية بما يخص سورية؟
عماد طحان عماد طحان

هل من جديد في القمة العربية بما يخص سورية؟

انتهت القمة العربية بدورتها الثالثة والثلاثين في العاصمة البحرينية المنامة، يوم الخميس الماضي 16 أيار، وتضمن بيانها الختامي نقطة تخص الوضع السوري.

في البند السادس من البيان الختامي، والذي تم تخصيصه لسورية، جاء ما يلي:
«نؤكد من جديد على ضرورة إنهاء الأزمة السورية، بما ينسجم مع قرار مجلس الأمن رقم 2254، وبما يحفظ أمن سورية وسيادتها ووحدة أراضيها، ويحقق طموحات شعبها، ويخلصها من الإرهاب، ويوفر البيئة الكفيلة بالعودة الكريمة والآمنة والطوعية للاجئين. ونرفض التدخل في شؤون سورية الداخلية، وأي محاولات لإحداث تغييرات ديمغرافية فيها.
ونؤكد أهمية دور لجنة الاتصال العربية والمبادرة العربية لحل الأزمة وضرورة تنفيذ بيان عمّان. كما ندعم جهود الأمم المتحدة في هذا السياق. ونؤكد ضرورة إيجاد الظروف الكفيلة بتحقيق العودة الكريمة والآمنة والطوعية للاجئين السوريين إلى بلدهم، بما في ذلك رفع التدابير القسرية الأحادية المفروضة على سورية، وضرورة استمرار المجتمع الدولي في تحمّل مسؤولياته إزاءهم ودعم الدول المستضيفة إلى حين تحقيق عودتهم الكريمة والآمنة والطوعية إلى سورية، وفقاً للمعايير الدولية. ونحذر من تداعيات تراجع الدعم الدولي للاجئين السوريين وللدول المستضيفة لهم».
وربما من المفيد مقارنة ما قاله البيان الختامي لقمة المنامة منذ أيام مع ما قاله البيان الختامي للقمة السابقة في جدة قبل عام، والتي كانت القمة الأولى التي استعادت فيها سورية مقعدها في الجامعة بعد سنوات من تعليق عضويتها.
في بيان جدة، وحول سورية، جاء ما يلي:
«نرحب بالقرار الصادر عن اجتماع مجلس الجامعة على المستوى الوزاري، الذي تضمن استئناف مشاركة وفود الحكومة السورية في اجتماعات مجلس الجامعة والمنظمات والأجهزة التابعة لها.
ونأمل أن يسهم ذلك في دعم استقرار الجمهورية العربية السورية، ويحافظ على وحدة أراضيها، واستئناف دورها الطبيعي في الوطن العربي، وأهمية مواصلة وتكثيف الجهود العربية الرامية إلى مساعدة سورية على تجاوز أزمتها اتساقاً مع المصلحة العربية المشتركة والعلاقات الأخوية التي تجمع الشعوب العربية كافة».

المقارنة بين القمتين

توقف كثيرون عند مسألة واحدة بما يخص سورية في القمة الأخيرة، وهي عدم إلقاء الرئيس السوري لكلمة خلال القمة، وهو أمر لم تتضح أبعاده ومعانيه بعد، وإنْ كان يحمل ضمنياً إشارة إلى درجة من عدم التوافق.
بما يخص المقارنة بين البيانين الختاميين، فإنّ من الواضح تماماً أنّ بيان جدة قد اقتصر عملياً على الترحيب بعودة سورية للجامعة العربية، ولم يقرن ذلك بالحل السياسي بأي شكل من الأشكال.
بالمقابل، فإنّ البيان الأخير أعاد التأكيد على الحل السياسي وفق القرار 2254، مع إشارة للجنة الاتصال العربية، ومع غيابٍ للحديث الذي كان متداولاً أيام قمة جدة حول «خطوة مقابل خطوة» و«مبادرة أردنية».

الاستنتاج الأولي

عادةً ما تكون بيانات القمة العربية مختصرة بما يخص كل نقطة من النقاط على جدول الأعمال، ولذا ليس من السهل الخروج باستنتاجات نهائية انطلاقاً من نصوص البيانات وحدها...
ولذا يصبح من الضروري فهم السياق المحيط بكل نص، في محاولة للوصول إلى نتائج وتفسيرات صحيحة.
إذا نظرنا إلى سياق قمة جدة، على الأقل بالمعنى الإعلامي، يمكننا القول: إنّه كانت هنالك محاولة ما لتقديم دورٍ عربي يبدو على الأقل مستقلاً عن الأدوار الدولية الأساسية بما يخص الوضع السوري؛ رغم أنّ مركز الدور العربي في حينه كان يدور- شكلياً على الأقل- في فلك مبادرة أردنية-إماراتية، وخاصة حول مشروع «خطوة مقابل خطوة»، الذي تقوده واشنطن من خلف الستار، والمستند بشكلٍ صريحٍ تقريباً إلى مصالح الكيان الصهيوني. المشروع الذي تكشفت مفرداته على التوالي خلال العام الماضي، والذي يتمحور حول اتفاق مع الغرب (من تحت الطاولة أو من فوقها)، يجري على أساسه تخفيف أو رفع العقوبات، مقابل جملة من الإجراءات جوهرها هو استكمال تنفيذ توصيات صندوق النقد والبنك الدوليين، وتعميق عمليات تقسيم الأمر الواقع في عموم الخارطة السورية.
المستجدان الأساسيان بما يخص سورية خلال عامٍ مضى، هما عدم تحقيق أي تقدمٍ جدي في الساحة الداخلية السورية باتجاه أي تحسن في الأوضاع وفي إدارتها، من جهة، ومن الجهة الثانية طوفان الأقصى وما تلاه من تغيرات كبرى كان من نتيجتها حصول تراجع إضافي في وزن كل من الصهيوني والأمريكي في عموم منطقتنا.
هذا المستجدان معاً، أحدثا فرزاً إضافياً في الاصطفافات العربية بما يخص الوضع السوري، اصطفافات أضعفت دول التطبيع وأضعفت مبادراتها، (بما في ذلك خطوة مقابل خطوة)، وأضعفت العلاقة بين بقية الدول والولايات المتحدة الأمريكية، خاصة مع عمليات الابتزاز المكشوف التي تمارسها واشنطن، وخاصة على الرياض والقاهرة.

اللوحة العامة

إذا أخذنا مقياساً زمنياً أوسع بقليل من العامين الماضيين، سيصبح من السهل القول: إنّ اصطفاف الدول العربية الأساسية كان في بداية الأزمة السورية اصطفافاً غربياً خالصاً؛ تمّ التعبير عن هذا الأمر بشكل واضح عبر ما سمي «المجموعة المصغرة» التي ضمت الدول الغربية الأساسية، ومعها كل من السعودية ومصر والأردن كحواشي لتلك المجموعة.
بالتوازي، كانت هنالك مجموعة أستانا الثلاثية التي ضمت روسيا وتركيا وإيران، وجرى تقديم الصراع في سورية كشكلٍ من أشكال الصراع بين المجموعتين.
ضمن تطورات الأعوام القليلة الماضية، يمكن أن نذكر التسوية السعودية الإيرانية بوساطة صينية، والتي أمنت مخرجاً للسعودية من التهديدات الأمنية في الجنوب، في اليمن، والتي لم تتمكن واشنطن ولم تحاول حتى المساهمة الجدية في إنهائها، بل حاولت استخدامها في إطار ابتزاز السعودية ودفعها نحو مشروع «الناتو العربي»، ونحو تطبيع مع الكيان، ناهيك عن نهبها عبر صفقات الأسلحة الضخمة.
يمكن كذلك الإشارة إلى جملة التسويات التي حصلت بين تركيا ودول أساسية في العالم العربي بينها السعودية ومصر. إضافة إلى تعمق وتوسع العلاقات الاقتصادية والعسكرية والسياسية بين كل من روسيا والصين من جهة والدول العربية من جهة ثانية.
هذه التطورات بمجملها، أعادت رسم لوحة الاصطفافات في المنطقة، وإنْ بشكلٍ غير نهائي بعد؛ ضمن هذه اللوحة، لم تعد المجموعة المصغرة الغربية باباً خلفياً لموازنة القوى داخل سورية بما يخدم الهدف الأمريكي الأساسي (المستنقع)، وجرى عملياً انسحاب القوى الأهم على الساحة العربية من تلك المجموعة.
وبشكلٍ أكثر وضوحاً، فإنّ هوامش عمليات اللعب بين «الغرب» و«الشرق»، والتي يمارسها المتشددون ورافضو الحل السياسي، باتت أكثر ضيقاً، خاصةً وأنّ استمرار الأزمة في سورية وتعمقها المستمر، بات تهديداً مباشراً لكل الدول العربية القريبة منها...

معلومات إضافية

العدد رقم:
1175
آخر تعديل على الإثنين, 20 أيار 2024 13:01