افتتاحية قاسيون 1171: حول الهجوم الإيراني و«توم وجيري»!
يجري الترويج في بعض وسائل الإعلام، وضمن أوساط سياسية وعامة سورية، لرأيين حول الهجوم الإيراني على «إسرائيل» يوم 14 نيسان الجاري؛ الأول يَعتبر ما جرى مجرد مسرحية مخرجها أمريكيٌ ويؤديها كل من الإيراني و«الإسرائيلي»، على طريقة «توم وجيري». والثاني، أنّ هذا الصراع لا ناقة لنا -كسوريين- فيه ولا جمل، ولا تنوبنا منه سوى الخسائر.
الرواج النسبي لآراء من هذا النوع (والتي لا غرابة في أن يتقاطع في ترويجها المتشددون من كل الأطراف)، هو نتاجٌ لتراكم سنوات الأزمة، ومعها عقود من الإساءة للشعارات الوطنية عبر تلطي النهب والفساد والقمع تحتها. وكذلك هو نتاجٌ لتراكم الدعاية الأمريكية- الصهيونية عبر عقود، والمدعومة بطبيعة الحال من أمراء الحرب السوريين من مختلف الأطراف، والذين ما يزالون يعتقدون بأنّ بقاءهم وخلاصهم مرتبط برضا المعلم الأمريكي.
ليس من الصعب اكتشاف ما تخبّئه هذه الآراء تحتها؛ ابتداءً من محاولة إعادة إحياء الفالق السني- الشيعي في المنطقة، ولمصلحة الكيان بالدرجة الأولى، ومروراً بتبرير تخاذل الأنظمة العربية ومحاولة تشويه صورة المقاومة في الوعي الشعبي، ووصولاً إلى محاولات تمهيد الأرضية لأوهام التطبيع والتنعم بالرضا الأمريكي.
إنّ قراءة موضوعية للهجوم الإيراني، وبعيداً عن أيّ تحيزٍ مسبق، من شأنها أن تظهر عدة عناصر أهمها:
أولاً: هو هجوم غير مسبوق طوال عشرات السنين الماضية، سواء من حيث حجمه، أو نوعية السلاح المستخدم فيه، أو بكونه مواجهة مباشرة على مستوى دولة، وليس على مستوى جماعات وتنظيمات.
ثانياً: بالمعنى العسكري البحت، ورغم أنّ خبر الهجوم كان معروفاً قبل 72 ساعة على الأقل، وتصدت له «إسرائيل» بالتعاون مع كلٍ من الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا والأردن، إلا أنّه تمكن من إصابة الهدفين العسكريين الأساسيين له، وهما مركز استخبارات في الجولان السوري المحتل، ومطار في النقب، وذلك بصواريخ تفوق سرعتها سرعة الصوت، لم يتم إطلاق إلا عدد محدود جداً منها، وكلها وصلت إلى أهدافها؛ إذ ليس هنالك بين الدفاعات الغربية برمتها اليوم، ما يستطيع التصدي لهذا النوع من الصواريخ.
ثالثاً: بالمعنى العسكري- السياسي، وعدا عن كشف كامل منظومة الدفاع «الإسرائيلية» في حالة عملها القصوى، فإنّ ما تم استهدافه وتدميره تحديداً ضمن المطار هو مدارج الطائرات المصنوعة من خرسانة مسلحة متعددة الأمتار، هي ذاتها المستخدمة في حماية مفاعل ديمونا، والترسانة النووية «الإسرائيلية»، في رسالة واضحة على أنّ استهداف المفاعل والترسانة أمرٌ متاح لإيران في حال حصلت مواجهة شاملة.
رابعاً: بالمعنى السياسي، فإنّ الهجوم صُمم بحيث لا يوقع ضحايا؛ يتضح هذا من الإعلان المسبق عنه، ومن مستوى الطيران العالي (سهل الاستهداف) المختار لكل من المسيرات وصواريخ كروز. وصمم الهجوم بهذا الشكل كي لا يخدم خط نتنياهو الساعي إلى توسيع رقعة الحرب، ولكن في الوقت نفسه أوصل الرسائل السياسية- العسكرية المطلوب إيصالها بأكبر وضوحٍ ممكن.
الغاية الأهم من ترويج آراء من طراز «توم وجيري»، هي محاولة التعمية عن التغير الكبير الذي جرى ويجري على مستوى موازين القوى الدولية؛ التغير الذي تتراجع فيه واشنطن، ويتراجع معها الكيان الصهيوني، وبسرعات متصاعدة، بمقابل تقدم كل من الصين وروسيا وحلفائهما على المستويات الإقليمية والعالمية.
بالنسبة للسوريين، فإنّ المعركة مع الصهيوني كانت دائماً معركتهم الأساسية، وما تزال؛ فحتى نضالهم الداخلي هو امتداد لهذه المعركة بوجه ممثلي الاستعمار الجديد من ناهبين وفاسدين وأمراء حرب... وقد ثبت بالممارسة العملية، أنّ أولئك الذين يفصلون النضال الوطني عن النضال الاقتصادي الاجتماعي، يفشلون في كليهما، عن سذاجة أو عن عمد.
بالمحصلة، فإنّ وقائع ونتائج الهجوم الإيراني، والرد «الإسرائيلي» الإعلامي عليه، تضع المنطقة كلها على أعتاب مرحلة جديدة، عنوانها هي حل أزماته دون الأمريكي وعلى حسابه وحساب الصهيوني، وضمناً حل الأزمة السورية على أساس القرار 2254، بما يوحد سورية والشعب السوري، وبما يضمن حق الشعب السوري في تقرير مصيره بنفسه؛ الشعب الذي مهما اشتدت محاولات التلاعب بوعيه، إلا أنّه لن يقف في يومٍ من الأيام ضد القضية الفلسطينية التي شكلت سابقاً، وتشكل اليوم أكثر، بوصلة للاستقطاب العالمي بأسره...
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1171