بينما المطبّلون والمطبّعون العرب يحاولون إيهامنا بأنّ العدو منتصر
صادف يوم الأحد الماضي، 7 نيسان، مرور ستة أشهر على انطلاق عملية «طوفان الأقصى» ومعها العدوان الصهيوني على غزة. تزامن ذلك مع انسحابٍ كبير لقوات الاحتلال من أجزاءٍ من القطاع، وهو الأمر الذي فاجأ الكثيرين، وتلاه فيضٌ من التحليلات وردود الفعل.
كما حفّز مرور نصف عام على العدوان على غزة، مراجعات وتعليقات حول التغييرات الناتجة عنه، وبالأخص داخل الكيان، وعلى المستويات كافة – السياسي والعسكري والاجتماعي والاقتصادي – وكذلك حول تموضع الكيان على المستوى الإقليمي والدولي، بالأخص في ظل استمرار تصاعدٌ في الرأي العام العالمي المتعاطف مع الفلسطينيين والقضية الفلسطينية، والتحركات القانونية الدولية ضد الكيان وأبرز داعميه، وتحركات إقليمية على رأسها ترقب لرد إيراني على استهداف الكيان للقنصلية الإيرانية في دمشق وفرض تركيا منع تصدير أكثر من 50 منتجاً للكيان مؤخراً.
ترصد هذه المادة بعض ما قاله إعلام الكيان في ظل ما ورد أعلاه، ولكن ما هو واضح أن الأفكار الأساسية في معظم المقالات والتحليلات هي: الفشل بشكل عام؛ وفقدان جيش الكيان قدرته على الردع الذي اعتمد عليه لعقود في ترهيب و«ضبط» محيطه؛ وخسارة الرأي العام والتعاطف لصالح الفلسطينيين. وقد يكون الكاريكاتير التالي الذي نشرته صحيفة «إسرائيل هيوم» يوم الأحد الماضي الأكثر تعبيراً عن الشعور السائد:
الوضع العسكري والسياسي
في 8 نيسان، أي بعد يوم واحد من انسحاب معظم ما تبقى من قوات الاحتلال من قطاع غزة، والتي كانت تتمركز بأغلبها في خان يونس، نشر موقع «يديعوت أحرونوت» مقالة مطولة حول الموضوع:
«في وقت مبكر من صباح أمس (الأحد)، قام الجيش (الإسرائيلي) بسحب معظم القوات التي بقيت في قطاع غزة، والتي كانت قليلة على أية حال. الآن هناك بضع مئات من المقاتلين في قطاع غزة، عندما كان العدد في ذروة المناورة البرية 30-40 ألفاً (ما يزيد قليلاً عن 20 لواء)».
«أكد الجيش (الإسرائيلي) أنه لا توجد علاقة بين الضغوط الأمريكية التي تمارس على (إسرائيل) والانسحاب من خان يونس».
«هناك في الجيش من يقدّر أن الهزيمة الكاملة للجيش الإرهابي ستستغرق ما لا يقل عن 3-4 سنوات أخرى، وهو ما سيسمح نظرياً للقيادة السياسية بمواصلة إعلان حالة الحرب حتى عام 2027».
«إن الانتقادات من داخل الجيش (الإسرائيلي) لتجميد تعريف الوضع تزيد من تآكل إنجازات الجيش (الإسرائيلي) في قطاع غزة في مواجهة إصرار القيادة السياسية على عدم إيجاد بديل أقل عدائية لحماس، الذي سيحكم مليوني فلسطيني بعد انسحاب الجيش (الإسرائيلي) من القطاع».
«بحسب مصادر في الجيش (الإسرائيلي) ، فإن هنالك ما لا يقل عن أربعة ضباط برتبة مقدم، بينهم قادة وحدات قتالية، أبلغوا المقربين منهم أنهم قرروا التقاعد من الجيش بسبب الإخفاقات في 7 أكتوبر، ولكنهم ينتظرون نهاية الحرب».
«في الجيش هنالك من يقدّر أنه إذا لم يتم اتخاذ قرار بإنهاء الحرب، فإن كبار المسؤولين في الجيش والأجهزة الأمنية الأخرى سيتقاعدون في غضون ستة إلى ثمانية أسابيع بكل الأحوال: الواقع أقوى وفي النهاية سوف تنفجر الأمور. لا يمكنك هندستها».
«تضررت ثقة الجمهور بشكل خطير على المستوى العسكري والسياسي مع وجود نحو 100 ألف (إسرائيلي) يخشون العودة إلى منازلهم في الشمال والجنوب».
وفي مقالة نشرتها «جيروزاليم بوست»، يقول الكاتب حول الانسحاب:
«لا بد من الاعتراف بأن الخطوات التي اتخذها الجيش (الإسرائيلي)، بناء على تعليمات المستوى السياسي، تبدو محيّرة بعض الشيء، وتضاف إلى عدد من الخطوات المحيّرة الأخرى التي اتخذت مؤخراً».
«الجيش (الإسرائيلي) يفقد زخمه، ويبدو أنه تخلى عن صفقة الرهائن واسعة النطاق التي طالبت بها الولايات المتحدة؛ وإلا فلماذا ينسحب من خان يونس في هذه المرحلة ويترك 4-6 كتائب إرهابية حيّة تتنفس، والتي يمكن أن تكون بمثابة نواة واعدة لعودة حماس؟ أين هو المنطق؟».
«لقد فقدت (إسرائيل) قدرتها على الردع، والانسحاب المتسرع من غزة هو استمرار مباشر للإخفاقات (الإسرائيلية) السابقة فيما يتعلق بغزة».
ولحظ إعلام الكيان التغيير الجاري حتى ضمن الأروقة السياسية لحليفه الأساسي، الولايات المتحدة، نتيجة عدم الالتزام الصارم من جانب الكيان بالاستراتيجية الأمريكية الموضوعة للعدوان.
في مقالة في «يديعوت أحرونوت»، يقول الكاتب:
«تتزايد الانتقادات الموجهة (لإسرائيل) في مجلس الشيوخ، وأعلن أحد أعظم أصدقاء (إسرائيل) هناك، السيناتور كريس كونز من ولاية ديلاوير، للمرة الأولى أنه سيدعم «مشروطية» المساعدات المقدمة إلى (إسرائيل) – إذا نفذت العملية في رفح دون دعم أميركي ودون تقديم حل لجموع المواطنين التي تكتظ بالمدينة الواقعة في جنوب قطاع غزة. وقال عن موقفه الجديد في مقابلة إنه موقف لم يسبق أن وصل إليه».
«لقد تزايد الإحباط في الكونغرس تجاه سلوك (إسرائيل) في الحرب لعدة أشهر في ظل مماطلتها دون نهاية في الأفق... وإنّ مقتل عمال الإغاثة – بما في ذلك مقتل المواطنين الأمريكيين الكنديين – قد يتبين أنه كان القشة التي قصمت ظهر البعير. وقال أحد المستشارين البرلمانيين في الكونغرس إن هذا الأسبوع قد يكون نقطة تحول».
في مقالة نشرتها «يديعوت أحرونوت» في 8 نيسان، أحد المؤشرات هو أن الكاتب استخدم كلمة «فشل» 14 مرة (الأمر الذي تكرر في عدة مقالات رصدها المركز)، حيث تركز المقالة على أسباب الفشل وتجلياته في المعركة الجارية.
«إن فشل (إسرائيل) لا تكمن جذوره في أهداف الحرب التي تلقت دعم الدول الغربية... ولكن في السياسة»، حيث فشلت الحكومة في «العمل السياسي التكميلي، والحفاظ على التحالفات، والتفكير في القانون الدولي والاستراتيجية طويلة المدى، والرأي العام... ولم يمض وقت طويل قبل أن يحصل الانهيار – وتُركنا وحدنا... بعد نصف سنة... الدولة اليهودية أصبحت أكثر عزلة من أي وقت مضى».
حول التحولات الجارية في أروقة واشنطن، يقول الكاتب إن التغييرات تجاه الكيان من أقرب حلفائه هي أمر «لم يعد متعلقاً بالسياسة فقط».
يركز الكاتب على أن الفشل كان في الجانب السياسي، ويؤكد عدة مرات على أن العمل العسكري لم يكن المشكلة، بل كان «ناجحاً»، فيما يبدو محاولة لإقناع القارئ بأنه لا يمكن أن يكون هناك ضعف عسكري، فهذا يُعتبر كارثياً للكيان القائم على الجانب العسكري بشكل أساسي كقوة احتلال، بينما الساسة يمكن تغييرهم، لذلك يركز على الجوانب التي كان يجب تعزيزها والتي فشلت بها «إسرائيل» ويقول هذا كله مسؤولية الحكومة بجانبها السياسي، وفي ما يبدو أنه جزء من الحملة ضد نتنياهو ولمصلحة خصومه الذين يبدون توافقاً أعلى، بالكلام على الأقل، مع المتطلبات الاستراتيجية الأمريكية من جهة، ومن الجهة الأخرى، فإنّ تحويل نتنياهو إلى كبش الفداء في الهزيمة «الإسرائيلية»، من شأنه، برأي خصومه على الأقل، أنْ يلقي بأعباء الهزيمة عليه وحده، وبتخفيف وطأتها على الكيان ككل.
أحد المؤشرات الأخرى التي ينوه إليها الكاتب هو وضع المجتمع «الإسرائيلي» والتشتت والانقسامات التي يعاني منها، حيث يقول: «لقد فشل نتنياهو في توحيد المجتمع [الإسرائيلي]».
في مقالة أخرى في «يديعوت أحرونوت» يوم الخميس الماضي، يقول الكاتب:
«بعد أكثر من نصف عام من الحرب في غزة، الفشل الذريع (لدولة إسرائيل)، الذي بدأ في 7 تشرين الأول، يزداد مع مرور كل يوم. لا، هذه المرة لم يعد من الممكن إلقاء اللوم على الجيش أو الشاباك. إنهم في الواقع يحققون إنجازات، وحتى إنجازات مثيرة للإعجاب. المشكلة هي أن الإنجازات العسكرية على الأرض لا تترجم إلى إنجازات سياسية استراتيجية».
على الرغم من محاولة تصوير جيش الاحتلال على أنه صامد ويقوم بواجبه على أكمل وجه، إلا أن الكاتب يقول: «في كل منطقة ينسحب منها الجيش (الإسرائيلي) في قطاع غزة، يعود رجال حماس ويظهرون، ويقومون بالإشراف على توزيع المساعدات، ويتأكدون من عدم تسجيل أي زيادات في الأسعار، ويلاحقون المشتبه بهم بالتعاون مع (إسرائيل)، وفي بعض الحالات يعدمونهم».
ويسلط الضوء كذلك على الفشل على مستوى الرأي العام، ويقول: «لا بد من قول شيء ما عن فشل (دولة إسرائيل) أمام الرأي العام الدولي، وخاصة الأمريكي. حتى بين اليهود الأميركيين، وحتى بين أعز أصدقاء [إسرائيل]».
«حتى بين اليهود المؤيدين (لإسرائيل)، بدأوا بفهم أن نتنياهو يقود (إسرائيل) إلى الهزيمة الكاملة، وليس النصر. الأمر الذي سيؤدي في النهاية إلى فرض وقف لإطلاق النار على (دولة إسرائيل)، دون انهيار حكومة حماس، ودون إطلاق سراح الرهائن، وبشكل أساسي مع خروج حماس فائزاً أكبر في هذه الحرب».
نشرت صحيفة «معاريف» لقاءً أجرته مع أكاديمي «إسرائيلي» يوم 11 نيسان، لتقييم تأثير اغتيال أبناء إسماعيل هنية على موضوع الأسرى، والذي قال حوله:
«يبدو لي أن هذا الحدث، وهو بالطبع درامي، يخلق نوعاً من التعقيد أو ربما تشابكاً أكبر في الخطاب داخل حماس».
حول الوضع الراهن وفي ظل الانسحاب الأخير لمعظم قوات الاحتلال، يقول: «لقد مضى ما يقرب من أربعة أشهر على المرحلة الثالثة، التي تقضم ببطء أسس حماس، وهي في الحقيقة لا تنجح. من رأى الصور من خان يونس، وكيف تعود حماس إلى كل الأماكن، عليه أن يفهم أنه لا يوجد في الواقع أي ضغط عسكري. هذا لم يتم اختباره قط، نحن نقوم بإفراغ القطاع من القوات العسكرية».
«لقد وصلنا إلى مفترق طرق، فإما أن نذهب نحو صفقة وذلك يعني وقف الحرب في الوقت الراهن، أو أن نكون جادين حقاً في قضية إسقاط حماس وذلك يعني أنه علينا احتلال غزة كلها، والبقاء فيها».
كما يرى البعض أن الكارثة على الكيان وصلت إلى نقطة اللاعودة، حيث يقول كاتب إحدى المقالات في «جيروزليم بوست» حول الوضع الحالي:
«[التدمير الكامل لحماس] هو وهم لا طائل منه. وحتى دخول رفح وتدمير الكتائب الأربع لن يأتي بالنتيجة المرجوة، بل العكس هو الصحيح. وهذا الدمار سيضع (دولة إسرائيل) في مرتبة أدنى على المستوى الدولي مما كانت عليه جنوب أفريقيا في عهد الفصل العنصري».
«إن انهيار (إسرائيل) من المقاطعة العالمية، والذي أصبح واضحاً بالفعل على الأرض، سيشتد... إنها مسألة وقت فقط قبل أن تتصاعد الحرب، ولسنا فقط غير مستعدين لها في الوقت الحالي، بل إننا لسنا حتى في مرحلة الاستعداد لها. إننا نفقد قدرتنا على التعامل مع التهديدات الأولية والوجودية التي تهدد بتدمير [دولة إسرائيل]».
الوضع الإقليمي – إيران وغيرها
منذ العدوان الصهيوني الذي استهدف القنصلية الإيرانية في دمشق، بدأ الحديث حول توقيت وهدف ومصدر وحجم الرد الإيراني، ومعه يتصاعد القلق في الكيان ومحاولات التخمين والتحضير، ووصلت حالة التأهب أوجها خلال الأيام الماضية مع توقعات متفاوتة حول التوقيت وحجم الضربة الإيرانية المحتملة، يرافقها عدد متزايد من التحذيرات التي تطلقها الدول لرعاياها من السفر إلى المنطقة وتحثّ الموجودين فيها على الخروج منها والعودة إلى بلدانهم.
في مقالة نشرتها صحيفة «معاريف» في 11 نيسان، يظهر بشكل واضح عدم اليقين والقلق فيما يتعلق بالموضوع، ومحاولة الكيان للتحضير بمساعدة واشنطن:
«يصل قائد القيادة المركزية للجيش الأمريكي الجنرال إريك كوريلا إلى (إسرائيل) اليوم (الخميس) لعقد اجتماعات تنسيقية وإعدادية مع رئيس الأركان هرتسي هاليفي ووزير (الدفاع) يوآف غالانت، وذلك تمهيداً لهجوم محتمل من إيران».
«جرت خلال الأيام والساعات القليلة الماضية اتصالات تنسيقية مكثفة بين أنظمة (الدفاع الإسرائيلية) والولايات المتحدة... وتعتقد الولايات المتحدة وحلفاؤها أنه ضمن الهجوم، الذي سيشمل أيضاً طائرات دون طيار، ستشارك الجهات التابعة لطهران في المنطقة، وسيكون ضد أهداف عسكرية. ومن الممكن أيضاً ألا يبدأ الهجوم بالضرورة في شمال البلاد».
في مقالة أخرى في «معاريف»، بعنوان «استهدفوا (رأس الأخطبوط). بدل انتظارها حتى تهدأ، على (إسرائيل) أن تواجه إيران»، يقوم الكاتب باستعراض طويل للأسباب التي تجعل من إيران خطراً يهدد الكيان، ويعتب على سياسة واشنطن تجاه الموضوع:
«عندما تتخذ واشنطن خطاً تصالحياً أمام عوامل مثل الصين وإيران التي تتحدى هيمنتها، فإن زعماء العالم يضعون خططاً أخرى مثل إقامة شراكة مع الصين وإيران. لكن (إسرائيل) لا يمكنها أن تتجاهل حرب الكماشة التي تخوضها إيران في (إسرائيل) ، عندما تحيط (إسرائيل) بـ «حلقة نار» خانقة وتسعى إلى إضعاف (إسرائيل) وتدميرها».
كما يعيش الكيان اليوم معركة وجودية، وبعد ستة أشهر من عدوانه على غزة، يحاول إعادة النظر في محيطه.
في مقالة في «معاريف» قبل أيام، يقول الكاتب:
«منذ استيلاء آيات الله على السلطة في إيران عام 1979 وحتى اليوم – على الرغم من اتساع نطاق الإرهاب والسياسات المناهضة لأميركا – تمسكت الولايات المتحدة بالخيار الدبلوماسي، رافضة خيار تغيير النظام والخيار العسكري. في عام 2024، تضغط وزارة الخارجية على (إسرائيل) لتبني الخيار الدبلوماسي – الذي أصبح «دفاعاً عن النفس» – بدلاً من الخيار العسكري ضد حماس، ومن هنا أتت معارضة العمل العسكري في رفح».
وفي رسالة فريدة من نوعها بدرجة صراحتها ووقاحتها، يقول الكاتب: «إن الأمن القومي يتطلب تجنب الأخطاء القاتلة والتمسك بالواقع الشرق أوسطي المحبط والمتقلب والدموي، وليس بواقع بديل مريح ومتوقع للتعايش السلمي»؛ وهو الأمر المعروف عن استراتيجية الكيان والاستراتيجية الأمريكية تجاه المنطقة، استراتيجية الفوضى الشاملة الهجينة، ولكن قلّما نجد تصريحات واضحةً بهذا الشأن.
وفي ظل هذه المستجدات، ارتفع مستوى الخوف في الكيان من احتمال هجوم إيراني، حيث أشارت مقالة في «معاريف» قبل أيام إلى أنه:
«في الأيام الأخيرة، تزايدت المخاوف من ردود الفعل العامة الهستيرية على الحرب المحتملة مع إيران. الناس بدأوا بإفراغ الأموال من الحسابات وإفراغ الرفوف من البضائع».
ورداً على تزايد التوتر والخوف داخل الكيان، ظهر المتحدث باسم جيش الاحتلال، دانييل هاغاري، في مؤتمر صحفي يوم الجمعة 12 نيسان، وقال، من بين أمور أخرى، فيما يبدو أنه في محاولة لتطمين «الإسرائيليين» فيما يتعلق بالهجوم المحتمل من إيران:
«خلال اليوم الماضي، أجرى الجيش (الإسرائيلي) تقييماً للوضع ووافق على خطط لمجموعة من السيناريوهات في أعقاب التقارير والبيانات حول هجوم إيراني... دفاعاتنا جاهزة وتعرف كيفية مواجهة كل تهديد على حدة».
«نحن مستعدون أيضاً للمضي قدماً في الهجوم... وسنعرف كيف نتصرف لحماية المواطنين».
«نحن نجري تقييماً مشتركاً (مع القيادة المركزية الأمريكية) للوضع لضمان التنسيق الوثيق بيننا. وأؤكد أنه في هذه المرحلة لا يوجد أي تغيير في تعليمات قيادة الجبهة الداخلية. إذا كان هناك تغيير، فسوف نقوم بإعلامكم على الفور».
«حق القول إن الأيام المقبلة تتطلب منّا التنبه والاستعداد. أعلم أن هذا الموقف يثير العديد من الأسئلة، وبالتالي، سنواصل إطلاع الجمهور على المستجدات بانتظام».
وتطرقت مقالة في «The Times of Israel» إلى كلامه هذا:
«في حين أكد هاغاري على أنه لم يطرأ أي تغيير على تعليمات قيادة الجبهة الداخلية، ذكرت هيئة البث العامة مساء الخميس أن هيئة الدفاع المدني العسكرية أصدرت تعليماتها للبلديات في جميع أنحاء البلاد للاستعداد لهجوم والتأكد من أن الملاجئ العامة صالحة للاستخدام، ولكن دون إثارة الذعر بين المدنيين».
وبدأت قيادات الكيان بمحاولة تهدئة الناس منذ يوم استهداف القنصلية الإيرانية في دمشق، حيث توقع الجميع أن ذلك الاستهداف ستكون له تداعيات، ووفق مقالة في «The Times of Israel» بعد بضعة أيام من الهجمة، نشر هاغاري تغريدة قال فيها إنه لا حاجة «لشراء المولدات الكهربائية، وتخزين المواد الغذائية، وسحب الأموال من أجهزة الصراف الآلي»، حيث إنّ عدة محال تجارية أبلغت عن ارتفاع في المبيعات لمنتجات معينة، وعلى وجه الخصوص المولدات الكهربائية.
نشرت «The Times of Israel» خبراً قصيراً حول تعليق لرئيس وزراء الكيان السابق، إيهود باراك، قال فيه:
«إن (إسرائيل) أقوى عسكرياً من إيران، ولكن سيكون من الصعب هزيمة الجمهورية الإسلامية في حرب طويلة الأمد».
«وضع بن غوريون قواعد واضحة: لا يجوز (لإسرائيل) أن تدخل حرباً شاملة دون وجود قوة عظمى تقف إلى جانبها؛ يجب على (إسرائيل) أن تسعى دائماً إلى حروب أقصر لأننا لا نملك ترف الحروب الطويلة؛ تنطبق هذه الدروس الثلاثة على يومنا هذا، ونتنياهو يتجاهلها كلها».
الوضع الداخلي مجتمعياً والتهديد الوجودي
بعد ستة أشهر من هذا العدوان، هناك توتر واضح داخلياً في الكيان، ويمكن تلخيصه بما قاله أحدهم عندما طُلب منه وصف مشاعره في السابع من الجاري، أي بعد ستة أشهر منذ 7 تشرين الأول، وكان جوابه في مقالة كتبها حول الموضوع نشرتها «جيروزاليم بوست» تطرق فيها بشكل أساسي إلى السياسة الأمريكية: «أشعر بالإحباط والاستنزاف والاشمئزاز».
وورد في مقالة في موقع «يديعوت أحرونوت» يوم 7 نيسان خبر حول مظاهرات في عدة مدن ومناطق:
كانت أكبر مظاهرة في «تل أبيب» شملت عشرات الآلاف من مناهضي الحكومة وعائلات الأسرى، وحصلت حادثة دهس خلالها، عندما قام لاعب كرة قدم سابق بقيادة سيارته بسرعة باتجاه الحشود، الأمر الذي قال حوله أحد المتواجدين: «اعتقدت أنه إرهابي، ثم أدركت أنه يهودي. لقد أسرع باتجاهنا، واستهدف المتظاهرين. لقد فعل ذلك عن قصد».
كما شهدت المظاهرات اشتباكات بين الشرطة والمتظاهرين، وإشعال نيران وتوتراً عالياً غير مسبوق، وأحياناً اشتباكات بين المتظاهرين أنفسهم.
في إحدى المظاهرات، شارك زعيم المعارضة يائير لابيد وقال فيها: «نتنياهو، اطلب الصفح عما يحدث لنا في العالم. كيف تمكنوا من خسارة العالم؟ 1400 قتلى و133 مختطف، أعدل حرب في التاريخ، ضد منظمة إرهابية إسلامية ملتوية، وفي النهاية يغضبون منا، ويكرهوننا، ونفقد أفضل أصدقائنا في العالم؛ هذا أكبر فشل سياسي في تاريخنا».
في مظاهرة أخرى، ألقت أخت الأسير إيلاد كاتسير والذي قُتل في غزة ولاحقاً اعتبر جيش الاحتلال انتشال جثته نصراً في عملية نوعية، قالت أخته: «قد يتم التعريف عنه كضحية الأعمال العدائية، ولكن الكلام الأكثر دقّة هو أنه ضحية الإهمال، حيث تم التخلي عنه وتركه في الأسر 183 يوماً، حيث كان من الممكن إعادته حيّاً. أي شخص يتأخر في تخليص الأسرى حيثما أمكن، فهو كمن يسفك الدماء. سيدي رئيس الوزراء ومجلس الوزراء الحربي وأعضاء الائتلاف، انظروا إلى أنفسكم في المرآة وقولوا لو لم تسفك أيديكم هذا الدم».
وفي مقالة أخرى في «يديعوت أحرونوت» حول عائلات الأسرى في غزة:
قالت إحدى السيدات واصفة ما يجري: «نحن نعيش في حالة من عدم اليقين. نحن في كابوس مستمر منذ ستة أشهر والذي يزداد سوءاً كل دقيقة».
سيدة أخرى قالت حول الحكومة: «منذ ستة أشهر... وهم يواصلون الهروب من المسؤولية».
وأخرى أبدت الشعور بالقلق لأن «العالم بدأ ينسى المخطوفين» في ظل ما حصل على يد الجيش «الإسرائيلي» خلال الأشهر الستة الماضية.
ويبدو أن الانشقاقات ضمن الكيان وعلى كافة المحاور قد وصلت إلى درجات غير مسبوقة، وعلى الرغم من عدم ربطها بشكل مباشر بتداعيات عدوان الكيان على غزة وكل ما تبع ذلك على المستوى العسكري والسياسي والمجتمعي وكذلك الدولي، إلا أن ذلك الرابط واضح بين السطور وبالأخص عندما يبدو أن الكاتب يدق ناقوس الخطر عندما يدعو الجميع إلى تقديم التنازلات لتوحيد المجتمع والذي بات من الواضح أن مستوى التناقضات فيه قد وصل إلى أعلى المستويات.
في مقالة في «معاريف» قبل أيام، يقول الكاتب: «خلال العام الماضي الجميع يتحدث عن الوحدة. لكن المشكلة هي أن الجميع يتحدثون عن الوحدة الذاتية – «الوحدة وفق شروطي»، فيما يجب أن تكون الوحدة جامعة وموضوعية. الوحدة مثل العلاقة، وهي عملية معقدة ومستمرة تتطلب الممارسة والتدريب وبناء الثقة. إنها عملية مبنية إلى حد كبير على المساومات والتنازلات بحيث يمكن لجهتين، مختلفتين تماماً في بعض الأحيان، أن تعيشا معاً في صيغة واحدة».
وفق مقالة في صحيفة «معاريف» في 11 نيسان، وبحسب إحصاءات من وزارة التعليم، فإن «المشاهد القاسية التي تعرض لها العديد من الطلاب وروتينية الحرب المستمرة رفعت نسبة الشباب الذين يعانون من الاضطرابات النفسية إلى 53%».
وصل مستوى الإحباط داخل المجتمع «الإسرائيلي» إلى درجات غير مسبوقة، وقد تكون مقالة نشرتها صحيفة «معاريف» قبل أيام الأكثر تعبيراً عن هذه الحالة، حيث يقول كاتبها:
«مع اليد على القلب، البلد عالقة (بمعنى في مأزق). نحن عالقون مالياً، معظمنا عالقون في البلاد وليس لدينا مخرج، نحن عالقون في وسط البلاد – ومساحة معيشة (الإسرائيلي) تقلصت إلى حدود غديرا-الخضيرة... يريدون أن يذكرونا مرة أخرى بما يعنيه العيش ... ضمن حدود محدودة جداً، في ظل التقشف والإغلاق الاقتصادي والسياسي... وقد يتفاقم الأمر، ويدفعنا إلى الجلوس عميقاً في الملاجئ، دون طعام ودون القدرة على الحركة – فهم يريدون منا أن نشعر بالتعاطف مع الفلسطينيين المهجرين، ولن يتوقفوا حتى يحدث ذلك... بالنسبة لهم، المعادلة بسيطة، وسوف نكون منغلقين على كل ما يعنيه ذلك، وسوف نشعر بعدم الأمان لكوننا يهوداً و(إسرائيليين) ، ليس فقط داخل حدود غديرا-الخضيرة – ولكن في أي مكان في العالم نصل إليه. يريدون منا أن نخجل ونختبئ ونهزم».
وفي مقالة أخرى في «معاريف» تتكلم الكاتبة حول الوضع الذي وصل إليه «الإسرائيليون» هذه الأيام، وتبدأ بالتذكير بالماضي القريب (قبل 7 تشرين الأول)، حيث تقول:
«في الأيام الجميلة والمتفائلة (هل تذكرونها؟)»
ثم تتكلم حول الوضع اليوم: «قد يكون السباق اليائس لإخراج جوازات السفر الأجنبية أفضل مؤشر على ما فهمناه منذ فترة طويلة – هذه السفينة تغرق، ليست فقط تغرق، بل نحن عملياً في القاع».
وتقول إن المعضلة هذه الأيام تكمن في الخوف من الإجابة بـ «إسرائيل» عند السؤال «من أين أنتم؟» عند التواجد في بلد آخر، وذلك بسبب «غسيل الدماغ الذي لا نهاية له من القنوات الإخبارية الأجنبية» والذي أدى إلى تحول الرأي العام ضدهم.
ويشعر الكيان بالتهديد الوجودي الذي تشكله هذه المعركة، الأمر الذي تحدثت عنه مقالة قبل أيام في «جيروزاليم بوست»، والتي ورد فيها:
إن هجوم «السابع من تشرين الأول لم يتعلق بإيذاء وقتل الناس فحسب، بل كان جزءاً من خطة أكبر وأكثر طموحاً: إزالة الوجود اليهودي بالكامل من [إسرائيل]».
«لن يتم تحقيق النصر بمجرد تدمير حماس، بل من خلال التوضيح لأعداء (إسرائيل) بأننا نحن اليهود لن نذهب إلى أي مكان، وأن المزيد من اليهود يخططون للانتقال إلى (إسرائيل) والمساعدة في تحسين وضع المجتمع والاقتصاد في البلاد».
«إذا أراد اليهود أن يكونوا جزءاً من المعركة الاستراتيجية، فعليهم أن يأتوا إلى (إسرائيل)... إن الانتصار في الحرب يعني إعادة بناء (إسرائيل) والعيش هنا».
الوضع الاقتصادي
كما كان للشهور الستة الماضية تأثيرها على الوضع الاقتصادي في الكيان، وكان ذلك نتيجة عدد من الأسباب المرتبطة بشكل مباشر بالعدوان المستمر على غزة. أحد الأسباب كانت له علاقة بالتجييش الكبير لتغطية العمليات العسكرية واسعة النطاق والتي تطلبت استدعاء 350 ألفاً من جنود الاحتياط لدى الكيان، ما يعني الحاجة لتغطية تكاليفهم المرتبطة بوجودهم على الجبهات بما في ذلك السلاح والعتاد والطعام والسكن، إضافة إلى خسارتهم في القطاعات التي كانوا يعملون فيها، حيث إنّ معظمهم كان يعمل في الصناعات الحيوية مثل التكنولوجيا والتي تعدّ من القطاعات المهمة في اقتصاد الكيان، وهذا يفسّر إلى حد كبير التململ في الفترة الأخيرة حول إعفاء شريحة كبيرة من اليهود المتعصبين من الخدمة في الجيش، بينما يتلقون الكثير من المساعدات الحكومية.
كما كان لتغطية تكاليف المعيشة لأولئك الذين هربوا من المستوطنات المحاذية لغزة وفي الشمال في المناطق القريبة إلى الجنوب اللبناني، كان لذلك تأثير على اقتصاد الكيان. في مقالة في «جيروزاليم بوست»، ووفق تقرير لوزارة السياحة في الكيان حول الأثر الاقتصادي لإسكان من تم إجلاؤهم بعد 7 تشرين الأول الماضي:
«تم دفع ما مجموعه 3.2 مليار شيكل للفنادق التي تؤوي الأشخاص الذين تم إجلاؤهم من شمال وجنوب [إسرائيل]»، وذلك يعادل ما يقارب 850 مليون دولار. وذلك كان فقط لمن اختار الإقامة في الفنادق، بينما يقدّر عدد الذين لم يختاروا ذلك بأكثر من 100 ألف، والذين إما وجدوا مسكناً «وحصلوا على منحة بدل إقامة بقيمة 200 شيكل (نحو 55 دولاراً) لكل شخص بالغ و100 شيكل (نحو 27 دولاراً) لكل طفل في اليوم... أو استأجرت (الدولة) شققاً لهم، ولكنها لا تقدم لهم بدل إقامة».
إذا افترضنا أن جميع من لم يختاروا الإقامة في الفندق يتلقون ما يعادل بدل الإقامة، وأن نصف أولئك الـ 100 ألف بالغين ونصفهم أطفال، فإن المبلغ الذي تم صرفه منذ 7 تشرين الأول حتى الآن – أي خلال 190 يوماً – يعادل تقريباً 780 مليون دولار. والإجمالي للجميع بين الفنادق وبدل الإقامة، 1,63 مليار دولار.
بحسب مقالة أخرى في «جيروزليم بوست»، فإنه وفق وزارة المالية للكيان:
«بلغ العجز في شهر آذار 15 مليار شيكل، مقارنة بـ 2.7 مليار شيكل في آذار الماضي».
«يبلغ العجز التراكمي منذ بداية العام 26 مليار شيكل، مقارنة بفائض تراكمي قدره 14.2 مليار شيكل في الإطار الزمني نفسه من العام الماضي».
تقدر الوزارة «أن الإنفاق على الحرب يبلغ 27.6 مليار شيكل منذ بداية العام و52.5 مليار شيكل منذ اندلاع الحرب. ولا تشمل هذه النفقات صندوق التعويضات، وهو الصندوق المنشأ لتغطية النفقات المباشرة وغير المباشرة للحرب التي تكبدها [الإسرائيليون]».
كما تبيّن الأثر الاقتصادي من خلال بعض المنظمات التي تزود المحتاجين بالسلل الغذائية، حيث قال رئيس إحدى المنظمات، وفق مقالة في «جيروزاليم بوست»، ضمن التحضيرات لأحد الأعياد:
«أعداد العائلات التي توجهت إلى الجمعية طلباً للحصول على السلال الغذائية الخاصة بالعيد شهد ارتفاعاً بنسبة 700%».
«المزيد من العائلات تطلب المساعدة ليس فقط من خلال السلال الغذائية، ولكن أيضاً من خلال المساعدة في سداد مدفوعات الكهرباء وضريبة الأملاك والمياه والإيجار والمزيد. العديد من العائلات التي كانت من الطبقة المتوسطة تضطر الآن إلى طلب المساعدة من الجمعيات».
كما أنه من المتوقع أن يكون للحظر على تصدير المنتجات الـ 54 الذي فرضته تركيا مؤخراً على الكيان الأثر الكبير على الاقتصاد، وبالأخص على قطاع البناء. وبينما تحاول «إسرائيل» التعاطي مع هذا التطور وتداعياته، يوجد لدى الكيان التخوف من أن تتبع دول أخرى الطريق ذاته الذي اتخذته تركيا وتقوم بفرض حظر على تصدير منتجاتها إلى الكيان.
نظرت مقالة نشرتها «The Times of Israel» في الآثار المتوقعة على الاقتصاد نتيجة هذا الحظر:
الكيان «يستورد نحو 70 بالمئة من مواد البناء الحديدية ونحو ثلث احتياجاته من الأسمنت من تركيا لاستخدامها بشكل رئيسي في البناء المحلي وصناعة البناء، فضلاً عن المنتجات الصحية للحمامات».
«تركيا ليست المنتج الوحيد لمواد البناء الأساسية المصنعة، لكنها أرخص، وذلك أيضاً بسبب القرب الجغرافي، والآن سيحتاج المستوردون (الإسرائيليون) إلى البحث عن موردين بديلين مما سيجعل تكلفة البناء أعلى».
«40% من قطاع البناء متوقف منذ اندلاع الحرب في 7 تشرين الأول، ويواجه نقصاً هائلاً في العمالة بسبب غياب العمال الفلسطينيين، الأمر الذي بدوره يسبب بالفعل تأخيراً وتباطؤاً في بناء السكن اللازم لسد النقص في المعروض في سوق العقارات».
«لن يقتصر التأثير الاقتصادي على المستهلكين والشركات على المدى القريب فحسب، بل سيمتد أيضاً إلى خزائن الحكومة، حيث يأتي جزء كبير من إيرادات (الدولة) من الضرائب العقارية».
محصلة
المتابع المثابر لوسائل الإعلام «الإسرائيلية»، لا يمكنه إلا أن يلحظ أمرين أساسيين؛ الأول هو حجم البؤس والشعور بالهزيمة والفشل على مختلف المستويات ضمن الكيان، والثاني هو الشعور بالدهشة من المطبلين للكيان و«قوته التي لا تقهر»، الذين ينطبق عليهم قول إنهم «ملكيون أكثر من الملك»، والحق أنهم «صهاينة أكثر من الصهاينة أنفسهم»...
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1170