افتتاحية قاسيون 1160: هل المنطقة ذاهبةٌ إلى حربٍ شاملة؟
حفّزت الضربات الأمريكية الأخيرة على كلٍ من سورية والعراق واليمن، تحليلات من النمط القائل بأنّ منطقتنا مقبلةٌ على حربٍ شاملة. ليست حرباً عالمية، ولكنها حربٌ واسعةٌ تشمل عدة دول في المنطقة في آن معاً، بمقابل الولايات المتحدة وتحالفاتها، ومعها الكيان الصهيوني. وبأنّ هذه الحرب ممكنة، حتى إنْ لم يكن هنالك قرارٌ أمريكي حاسمٌ بخوضها، بل يمكن أن تنزلق الأمور باتجاهها نتيجة التصعيد المتبادل المتدرج.
لنقاش هذا الطرح، وقبل توسيع دائرة البيكار زمانياً ومكانياً، لا بد من إيلاء الانتباه إلى شكل ونوعية الضربات الأمريكية الأخيرة، لأنها المعطى الواقعي الأساسي الذي يتم بناء هذه الطروحات عليه.
الشبيهة الأقرب لهذه الضربات، هي تلك التي قام بها ترامب يوم 7 نيسان 2017 بـ59 صاروخاً على مطار الشعيرات في سورية، والتي - كما بات معروفاً - تم الإبلاغ عنها بشكلٍ مسبق، بحيث لا تترتب عليها ردود فعلٍ غير محسوبة. بمعنى أنها كانت ضربةً رمزية، لا هدف عسكري لها، وإنما هدفها هو هدف سياسي، سرعان ما ظهر لاحقاً، عبر محاولة ترامب توظيف ذلك في الدفع نحو انسحابٍ أمريكي من سورية.
الضربات الأخيرة، وكما توضح الأرقام على الأقل، هي ضرباتٌ غير فعالة عسكرياً، وتشبه ضربات ترامب، ويمكن تصنيفها في إطار «حفظ ماء الوجه». ولكنّ هذا الأمر وحده غير كافٍ للإجابة عن السؤال القائل: هل المنطقة مقبلة على حربٍ شاملة؟
إذا حاولنا رؤية الأمور من الزاوية الأمريكية، فإنّ الواضح تماماً، هو أنّ الهدف الاستراتيجي ضمن منطقتنا هو الفوضى الشاملة القائمة على تفجير مجموعة من البلدان من الداخل، على رأسها مصر والسعودية وإيران وحتى تركيا والأردن، إضافة إلى تعميق الفوضى القائمة في سورية والعراق ولبنان. وذلك باستخدام كل الأدوات الممكنة، ابتداءً من داعش، ومروراً بتعميق الأزمات الاقتصادية الاجتماعية، وكذلك بالتوترات والمواجهات الأمنية والعسكرية، ووصولاً إلى تفجير التناقضات الثانوية بكل أشكالها، وكلّ ذلك على خلفية نارٍ مشتعلة في فلسطين المحتلة، وظيفتها إبقاء درجة الحرارة مرتفعة في كامل الإقليم، بوصف تلك الحرارة وسيطاً ضرورياً في تسريع تفاعلات الفوضى.
ضمن هذه الرؤية، فإنّ سيناريو الحرب الشاملة، ليس معيقاً فقط لسيناريو الفوضى الشاملة، بل ومعاكسٌ له تماماً.
وهذا لا يعني بطبيعة الحال، أنّ الحرب الشاملة ليست خياراً مطروحاً، على الأقل نظرياً. ولكنها بالتأكيد خيارٌ ثانٍ وربما ثالث؛ لسببين واضحين، الأول: هو أنّه ليس هنالك أي ضمانة ألّا تتحول حربٌ شاملةٌ إقليمية، الولايات المتحدة طرفٌ مباشرٌ فيها، إلى حرب عالمية، والثاني: أنه حتى إذا لم تتحول إلى حرب عالمية، ورغم الضرر والآلام الكبرى التي تستطيع الولايات المتحدة إلحاقها بشعوب المنطقة ودولها، إلا أنّ المؤكد في حالة كهذه، هو أنّه لن يبقى للأمريكي أي موطئ قدمٍ آمن، ليس في سورية والعراق فقط، بل وفي المنطقة كلها، وفي بحارها كلها.
وهل يعني ذلك أنّ احتمال الحرب المباشرة صفري؟ قطعاً لا، فهذا خيارٌ يمكن أن تلجأ له الولايات المتحدة حين تصل إلى قناعة راسخة بأنّ مخطط الفوضى الشاملة، بالشكل وبالحجم المطلوبين، لن يتحقق.
شعوب المنطقة، وفي إطار دفاعها عن وجودها، مضطرةٌ للتجهّز لكلا السيناريوهين، وبالتوازي. لسيناريو الفوضى الشاملة، عبر الدفع نحو إنهاء الأزمات الداخلية (في الحالة السورية عبر الحل السياسي وتنفيذ القرار 2254 والكف فوراً عن المراهنة الخاسرة على الصفقات مع الأمريكي بمختلف أشكالها بما فيها الـ «خطوة مقابل خطوة»)، وللتجهّز أيضاً لسيناريو الحرب الشاملة، عبر تجهيز أساسها المادي، الموجود بحدٍ كافٍ أساساً، ويلزمه استكمال بلورة الإرادة السياسية للمواجهة. في الحالة السورية، فإنّ بلورة الإرادة السياسية للمواجهة، تمر أيضاً عبر الحل السياسي المؤدي إلى تغيير جذري يصب في مصلحة الشعب السوري.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1160