افتتاحية قاسيون 1125: آن أوان الحوار السوري- السوري

افتتاحية قاسيون 1125: آن أوان الحوار السوري- السوري

تتواصل التطورات الإيجابية على الساحة الدولية والإقليمية، وتظهر مؤشرات اقتراب انعكاسها على الساحة السورية؛ حيث الميل العام ما يزال ثابتاً باتجاه مزيد من التراجع للقوى الغربية، وفي القلب منها الولايات المتحدة، ومعها كامل النظام العالمي القديم، بالتوازي مع التقدم المستمر للقوى الصاعدة التي مضت خطوات مهمة في توسيع تحالفاتها، وكذلك في العمل على تسوية الأزمات الإقليمية العالقة منذ عقود، كما في حالة التسوية السعودية الإيرانية على سبيل المثال لا الحصر.

بما يتعلق بسورية، وفي السياق نفسه، نشهد استمرار نشاط مجموعة أستانا، وخاصة عبر اجتماعات موسكو التي جرت خلال الأشهر الماضية، وعملها المستمر على التسوية السورية التركية كأحد حوامل تطبيق الحل السياسي من جهة، وكإحدى أدوات كسر الحصار الغربي، وإفراغ العقوبات الغربية من مضمونها، ومن فاعليتها التدميرية من الجهة الأخرى.

ويأتي النشاط العربي المستجد بخصوص سورية ليعبر أيضاً عن نزعة استقلال نسبي متصاعدة لدى دول عربية أساسية، عن الهيمنة الغربية التاريخية، بالاستفادة من الظروف الدولية الجديدة. وفي هذا الإطار، فإنّ أقل ما يقال في تلك الطروحات التي تزعم أنّ الحراك العربي إنما يحدث بـ«ضوء أخضر أمريكي»، هو أنها طروحات بائسة، تحكمها عقدة الإنكار التي تحرم المصابين بها من رؤية الواقع المتغير، ناهيك عن فهمه.

إنّ هذه الظروف جميعها، وخاصة مع وجود إشارات على تعاون بين مسار أستانا من جهة والدول العربية الأساسية من جهة أخرى، تسمح بالاستنتاج بأنّ ظروف حل الأزمة السورية وفقاً للقرار 2254 قد باتت أقرب إلى التبلور الكامل.

جوهر القرار 2254 هو حق الشعب السوري في تقرير مصيره بنفسه عبر الحوار، «لضمان عملية انتقال سياسي بقيادة سورية وملكية سورية»، والذي يقوم أيضاً على قاعدة «لا غالب ولا مغلوب» بين الأطراف السياسية، والغالب الوحيد يجب أن يكون الشعب السوري بأكمله.



الوصول عبر الحوار إلى الحل، وإضافة إلى توفر الظروف الخارجية الملائمة، يحتاج إلى استعداد داخلي من أطراف هذا الحوار، وبالدرجة الأولى استعداداً لتعلم فن التوافق، الذي يعني بالجوهر أنّ الآراء المتناقضة لن يمر أي منها، بل ينبغي الوصول إلى رأي ثالث أعلى وأنضج، ليس عبر تقديم التنازلات المتبادلة فحسب بل وأيضاً عبر العمل الإبداعي لإيجاد الحلول.

التجربة الماضية أثبتت أن النظام كان بطل الفرص الضائعة، وأهدر عبر سنوات الأزمة الاثنتي عشرة، ونزولاً عند مصالح المتشددين الضيقة، عشرات الفرص التي كان من الممكن استغلالها لإيقاف الأزمة، وفتح باب الحل والاستقرار. والتجربة أثبتت أيضاً، أنّ المعارضة بتركيبتها الحالية الرسمية ما تزال حتى الآن متخلفة عن الحدث، ولا تتجرأ على الإقدام على أية خطوة جريئة، حتى لو سمح الظرف بذلك، لأن معظمها أسير أجندات خارجية، وأسير توازنات وصراعات غير مبدئية داخلها.

ولذا فإنّ إعادة الاعتبار عند الجميع لمبدأ ومنطق التوافق، هو مدخل لا بديل عنه نحو الحل، وعلى جميع القوى أن تتحمل مسؤولياتها الوطنية، وأن تعلي مصلحة سورية والسوريين فوق كل شيء آخر، وصولاً للتسوية والحل وتنفيذ ٢٢٥٤ بحذافيره، والذي هو مصلحة لسورية وللشعب السوري، أولاً وأخيراً؛ الأمر الذي يقتضي الترفّع عن كل الصغائر، وشدّ الهمة للبدء بالتفاوض المباشر لتنفيذ ٢٢٥٤.

(النسخة الإنكليزية)

معلومات إضافية

العدد رقم:
1125
آخر تعديل على الإثنين, 05 حزيران/يونيو 2023 01:11