هل تم قياس حجم إصرار أستانا على التسوية السورية- التركية؟
دخل العمل المكثف الذي يقوم به ثلاثي أستانا للوصول إلى تسوية سورية- تركية، مرحلة من النشاط العالي منذ نهايات العام الماضي؛ من المعروف والمعلن، أنّ عدداً كبيراً من الاجتماعات الأمنية الطابع كانت قد جرت بين سورية وتركيا في موسكو خلال العام الماضي، وحتى قبله، ولكنّ أول اجتماعٍ له بعدٌ سياسي واضح كان اجتماع وزراء دفاع سورية وتركيا وروسيا في موسكو، يوم الأربعاء، 28 كانون الأول 2022.
شكل هذا الاجتماع إشارة واضحةً، أنّ عملية التسوية السورية التركية قد دخلت مرحلة التنفيذ الكامل الذي أعلن من حينه جدوله العام، المتضمن لقاء لوزراء الخارجية ولقاء للرؤساء.
اشتغل المتشددون الرافضون لهذه التسوية بمختلف الأدوات المتاحة في أيديهم لعرقلة وتأخير هذه التسوية ونسفها إنْ أمكن. وبين أهم الأدوات التي حاولوا استخدامها، ما يلي:
أولاً: حاولوا الإيقاع بين أطراف أستانا أنفسهم، وخاصة بين إيران من جهة وروسيا وتركيا من جهة مقابلة، عبر الإيحاء بأنّ إيران قد تم استثناؤها، وأنها ليست جزءاً من العملية، (جرى ذلك بشكل خاص بعد الاجتماع الثلاثي لوزراء الدفاع). وقد تمّ احتواء هذه المحاولة عبر انضمام إيران بشكل رسمي لجهود التسوية وللاجتماعات الرسمية، بما في ذلك الاجتماعات على مستوى نواب وزراء الخارجية، ومؤخراً على مستوى وزراء الدفاع... بل إنّه من الواضح، أنّ إيران تقوم بنشاطٍ دبلوماسي عالي المستوى بغرض حلحلة العقد والمشكلات والدفع نحو تسريع التسوية وإنجازها.
ثانياً: اشتغل الإعلام الرسمي وشبه الرسمي، وكذا بعض التصريحات الرسمية، على تقديم الذريعة اللازمة لنسف التسوية عبر تصريحات «نارية» عديدة. ولكن جرى عملياً المرور عن هذه التصريحات، وعدم السماح بتحويلها إلى أساس لنسف التسوية.
ثالثاً: حاول الأمريكان والغرب تقديم النشاط العربي بوصفه بديلاً، ومضاداً، لحراك أستانا. وفي هذا السياق تمّ استخدام الإمارات بشكل خاص، والأردن بدرجة أقل، وبالاستناد إلى ما يسمى «خطوة مقابل خطوة»، و«تغيير سلوك النظام».. ولكنّ هذه المحاولات أيضاً باءت وستبوء بالفشل في ظل التسوية السعودية الإيرانية، وفي ظلّ ارتفاع مستوى التفاهم بين روسيا والصين والسعودية، والذي سيسمح بتطويق الأزمة السورية من مختلف الجهات، دون ترك أي ثغرات للأمريكي وللصهيوني، وخاصة عبر لعب الدول العربية الأساسية للدور الموضوعي المطلوب منها في الإسهام بالتسوية السورية.
رابعاً: تم وسيتم استخدام كل وسائل المماطلة الممكنة، بما في ذلك تعقيد سير العملية عبر تقسيمها إلى مستويات عديدة متدرجة، إضافة إلى وسائل التأجيل تحت مختلف الأسباب.
خامساً: عملت أوساط معينة في المعارضة السورية، من تلك المدعومة غربياً- أمريكاً/ بريطانياً، بشكل خاص- على تنظيم فعاليات في الشمال السوري وحول العالم، إضافة للعمل الإعلامي المكثف، كل ذلك ضد التسوية السورية التركية... بما في ذلك محاولة الضغط على تركيا من الداخل.
سادساً: أعلن الأمريكان والمسؤولون الغربيون مراراً وتكراراً رفضهم هذه التسوية، وهددوا بتشديد العقوبات، وفوق ذلك هددوا تركيا نفسها بحزمٍ إضافية من العقوبات... ناهيك عن محاولاتهم استحداث «معارضة سورية» جديدة من نوع خاص، يكون مركزها هذه المرة هو الولايات المتحدة الأمريكية، وتمتاز بأمرين: موقف معادٍ لتركيا، ومسالمٌ اتجاه «دول الجوار الأخرى»، والمقصود الأول هو: الكيان الصهيوني بهذه المسالمة!
يكفي النظر على التوازي في كمّ الجهد المبذول من جانب الغرب، ومن جانب المتشددين من السوريين للعمل ضد التسوية السورية- التركية، من جهة، والنظر من الجهة الأخرى بكم الخطوات التي يقوم بها ثلاثي أستانا اتجاه هذه التسوية، لكي نعرف حجم الإصرار على تحقيقها.
في هذا الإطار، من المفيد التذكير بأهم المراحل ضمن عملية التسوية، والتي جرت حتى الآن ابتداءً من تصريح الرئيس التركي بأنّ هنالك نية للقاء بالرئيس السوري في إطار تسوية بين البلدين:
15 كانون الأول 2022 – تصريح للرئيس التركي أنه اقترح على الرئيس الروسي تنظيم اجتماع ثلاثي على المستوى الرئاسي، تسبقه لقاءات بين وزراء الخارجية والدفاع ورؤساء الأجهزة الأمنية.
28 كانون الأول 2022 – اجتماع ثلاثي لوزراء دفاع كل من سورية وتركيا وروسيا في موسكو.
29 كانون الأول 2022 – تصريح لوزير الخارجية التركي، أعلن فيه أنه من المخطط عقد لقاء مع وزيري الخارجية الروسي والسوري.
14 كانون الثاني 2023 – زيارة لوزير الخارجية الإيراني إلى سورية، صرح خلالها في مؤتمر صحفي مشترك مع وزير الخارجية السوري عن دعمه الجهود الجارية في إطار تسوية سورية- تركية.
16 كانون الثاني 2023 – اتصال بين الرئيس التركي والرئيس الروسي حول التسوية السورية-التركية.
17 كانون الثاني 2023 – زيارة لوزير الخارجية الإيراني إلى تركيا، صرح خلالها في مؤتمر صحفي مشترك مع وزير الخارجية التركي عن امتنان إيران للعمل الجاري في إطار تسوية سورية- تركية.
18 كانون الثاني 2023 – تصريح لوزير الخارجية الروسي، لافروف، أن التحضير لاجتماع وزيري الخارجية السوري والتركي يتم بوساطة روسية.
29 كانون الثاني 2023 – تصريح للرئيس التركي أنه يمكن أن تنضم إيران إلى اللقاءات الجارية في إطار العمل على الوصول إلى تسوية سورية- تركية.
31 كانون الثاني 2023 – تصريح لوزير الخارجية الروسي، لافروف، أنه تم التوصل إلى اتفاق حول مشاركة إيران في الجهود الهادفة إلى تسوية سورية- تركية.
1 شباط 2023 – تصريح للمتحدث باسم الرئاسة التركية، حول التطلع إلى مشاركة إيران في المفاوضات الجارية حول التسوية السورية- التركية.
23 شباط 2023 – تصريح للمبعوث الخاص للرئيس الروسي لشؤون الشرق الأوسط وإفريقيا، بوغدانوف، أن العمل مستمر لتحقيق التسوية السورية- التركية ويجري العمل على اللقاء الرباعي لوزراء الخارجية.
24 شباط 2023 – تصريح للناطق باسم الخارجية الإيرانية أن التسوية السورية- التركية يجب أن تتم قريباً.
4 آذار 2023 – اتصال بين وزراء الخارجية التركي والروسي لمناقشة موضوع التسوية السورية-التركية.
8 آذار 2023 – تصريح للمبعوث الخاص للرئيس الروسي لشؤون الشرق الأوسط وإفريقيا، بوغدانوف، أن روسيا وتركيا تودان عقد اجتماع رباعي على مستوى نواب وزراء الخارجية في موسكو بهدف التحضير لاجتماع وزراء الخارجية، وقد تمت دعوة الجميع وما زال لا يوجد رد من الجانبين السوري والإيراني.
8 آذار 2023 – زيارة لوزير الخارجية الإيرانية إلى تركيا، صرح خلالها بأنّ العمل جارٍ على التسوية السورية التركية.
8 آذار 2023 – تصريح لوزير الخارجية التركي أن العمل جار على عقد اجتماع رباعي لوزراء الخارجية.
9 آذار 2023 – زيارة لوزير الخارجية الإيرانية إلى سورية.
14 آذار 2023 – بيان رسمي للكرملين حول اللقاء المرتقب بين الرئيس الروسي والرئيس السوري في موسكو؛ وتصريح للمبعوث الخاص للرئيس الروسي لشؤون الشرق الأوسط وإفريقيا، بوغدانوف، أن التحضيرات جارية لعقد اجتماع لنواب وزراء الخارجية لكل من سورية وتركيا وروسيا وإيران.
15-16 آذار 2023 – وفد برئاسة الرئيس السوري يتضمن وزير الدفاع والخارجية ومسؤولين آخرين، زار موسكو، وأجرى لقاءات على كافة المستويات الممثلة في الوفد (آخر لقاء بين الرئيسين كان في موسكو في أيلول 2021) وتصريح من الطرف الروسي بأنّ التسوية السورية التركية قد جرى نقاشها.
16 آذار 2023 – تصريح للناطق باسم الرئاسة الروسية، أنّ الاتصالات جارية حول لقاء بين الرئيس التركي والرئيس السوري.
20 آذار 2023 – تصريح لوزير الخارجية التركي أعرب فيه عن أمله أن تعقد المفاوضات الرباعية بين سورية وتركيا وروسيا وإيران بشأن الملف السوري.
21 آذار 2023 – تصريح للمبعوث الخاص للرئيس الروسي لشؤون الشرق الأوسط وإفريقيا، بوغدانوف، قال فيه: إن النقاشات جارية مع سورية وتركيا وإيران حول اللقاء الرباعي على مستوى نواب وزراء الخارجية، وقال: إن أحد أهداف اللقاء هو التحضير للقاء على مستوى وزراء الخارجية.
25 آذار 2023 – اتصال بين الرئيس التركي والرئيس الروسي حول التسوية السورية- التركية.
27 آذار 2023 – تصريح للمبعوث الخاص للرئيس الروسي لشؤون الشرق الأوسط وإفريقيا، بوغدانوف، قال فيه: إن التحضيرات جارية للقاء الرباعي على مستوى نواب وزراء خارجية سورية وتركيا وروسيا وإيران.
29 آذار 2023 – زيارة لوزير الخارجية الإيراني إلى موسكو ولقاء مع وزير الخارجية الروسي.
3 نيسان 2023 – مشاورات تحضيرية لوفود نواب وزراء الخارجية لكل من سورية وتركيا وروسيا وإيران في موسكو.
4 نيسان 2023 – اجتماع رباعي لنواب وزراء الخارجية لكل من سورية وتركيا وروسيا وإيران في موسكو.
5 نيسان 2023 – تصريح لوزير الخارجية التركي في مؤتمر صحفي في بروكسل، أن اجتماعاً رباعياً على مستوى وزراء الخارجية سيتم عقده في موسكو.
7 نيسان 2023 – اجتماع بين وزراء الخارجية التركي والروسي في أنقرة، عقبه تصريح لوزير الخارجية الروسي، أن التحضيرات جارية لقمة رباعية لوزراء الخارجية.
9 نيسان 2023 – تكلم السفير الروسي في دمشق في مقابلة صحفية حول الاجتماع الرباعي على مستوى وزراء الخارجية، وأن الاتصالات والمشاورات جارية بين الأطراف حول الموضوع.
10 نيسان 2023 – تصريح للمبعوث الخاص للرئيس الروسي لشؤون الشرق الأوسط وإفريقيا، بوغدانوف، أنّه يتم الإعداد لعقد اجتماع وزاري من سورية وتركيا وروسيا وإيران في وقت قريب.
10 نيسان 2023 – تصريح لوزير الخارجية التركي، أنّ الاجتماع الوزاري الرباعي بشأن الملف السوري سيتم عقده في موسكو في أيار، وسيتم خلاله تحضير للقاء على مستوى الرؤساء.
19 نيسان 2023 – اجتماع بين المبعوث الخاص للرئيس الروسي لشؤون الشرق الأوسط وإفريقيا، بوغدانوف، والسفير الإيراني في موسكو، ضمن جهود التخطيط لعقد اجتماع رباعي لوزراء الخارجية بشأن الملف السوري.
24 نيسان 2023 – في مقابلة صحفية لوزير الخارجية التركي قال: إن احتمال اللقاء بين الرئيسين التركي والسوري ما زال قائماً؛ وأعلن وزير الدفاع التركي أيضاً لجهات إعلامية، أن اجتماعاً رباعياً سيعقد في موسكو في اليوم التالي على مستوى وزراء الدفاع ورؤساء الأجهزة الأمنية.
25 نيسان 2023 – اجتماع رباعي لوزراء الدفاع ورؤساء الأجهزة الأمنية لكل من سورية وتركيا وروسيا وإيران في موسكو.
26 نيسان 2023 – تصريحات لوزراء الدفاع الإيراني والتركي، وخبر رسمي لوزارة الدفاع الروسية حول الاجتماع الرباعي في اليوم السابق، تضمنت تأكيداً على أنّ الهدف هو تسوية العلاقات السورية التركية، وحل الأزمة السورية.
خلاصة
لا يغيب عن القارئ، أنّ ما سردناه أعلاه ليس سوى رأس جبل الجليد؛ فمن المعلوم أنّ أيّ لقاءٍ رسمي اعتيادي بين دولتين، يحتاج إلى تحضيرات على مستويات أدنى قد تشمل لقاءات مباشرة واتصالات مكثفة. فلنتخيل إذاً حجم العمل المبذول في ترتيب لقاء على مستوى أربع دول، ولنتخيل حجم الجهد حين يكون الحديث هو عن عدة لقاءات على مستويات مختلفة؛ على المستوى الأمني، وعلى مستوى وزراء الدفاع، وعلى مستوى نواب وزراء الخارجية، وعلى مستوى وزراء الخارجية، وعلى مستوى الرؤساء...
هذا يعني، أنّ العمل على التسوية السورية التركية من جانب ثلاثي أستانا، هو عمل يتم حرفياً على مدار الساعة... وليس من الصعب الاستنتاج، أنّ هذا يعكس قناعة عميقة بضرورة هذه التسوية من جهة، ويعكس أيضاً وجود اتفاق واضح بين ثلاثي أستانا على آفاق زمنية معينة هي الحدود القصوى لتحقيق هذه التسوية، وهي آفاق ليست مرتبطة بالانتخابات التركية بحالٍ من الأحوال، بل مرتبطة بالدرجة الأولى بالاتفاق بين هذه الدول على ضرورة طرد الأمريكي من المنطقة، وعلى ضرورة تسوية الأزمة السورية بشكل حقيقي يضمن الاستقرار فيها، ويضمن ألّا تكون مستنقعاً لهذه القوى الثلاث...
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1120