افتتاحية قاسيون 1073: الدستورية: مكان عملها، سرعته، وآفاقه
انتهت يوم الجمعة الماضي اجتماعات الجولة الثامنة للجنة الدستورية المصغرة في جنيف، وكما العادة بصفر نتائج.
ما يمكن ملاحظته من الأجواء داخل الجولة والمحيطة بها، هو أنّ مسألة مكان انعقاد اجتماعاتها، قد عاد إلى التداول من جديد. وقد كانت منصة موسكو، وما تزال، تطرح نقل أعمال اللجنة إلى دمشق مع تأمين الضمانات اللازمة وبحضور الأمم المتحدة، وما يزال هذا الطرح قائماً ومطلوباً، وبالتوازي مع التأكيد على أنّ اللجنة نفسها ليست هي الحل، وإنما هي مفتاحٌ له. والحل كان ولا يزال التنفيذ الكامل للقرار 2254، وابتداءً بتشكيل جسم الحكم الانتقالي التوافقي.
أكثر من ذلك، وبما يخص مكان الاجتماعات، فإنه قد تحول إلى معيق للعمل؛ فضمن الاستقطاب الحاد الحاصل في عالمنا اليوم، فقدت جنيف نتيجة لمواقف سويسرا موقعها الحيادي الافتراضي الذي كانت تملكه سابقاً، وفقدت تالياً رمزيتها كنقطة التقاء بين مختلف القوى العالمية، وضمناً بين مختلف القوى المؤثرة في الوضع السوري. وذلك ناهيك عن أنّ الجانب اللوجستي وحده كفيل بطرح مسألة المكان- جنيف كمعيق لاستمرارية وإنتاجية عمل اللجنة.
من الأمور الجديدة نسبياً أيضاً، الحديث عن تسريع عقد جولات الدستورية، بحيث يتحول الوسطي من جولة من خمسة أيام عمل كل أربعة أشهر، إلى أقل من ذلك، ربما كل شهرين جولة، أو حتى كل شهر جولة... ولكن الأكيد، والذي تثبته الجولتان الماضيتان على الأقل، هو أنّ تسريع عقد الجولات، لا يعني إطلاقاً تسريع العمل؛ فالشرط اللازم لتسريع العمل هو وجود الإرادة السياسية لإنجازه.
ما هو أخطر من هذا وذاك، هو العمل الحثيث على تغيير الوظيفة الأساسية للجنة الدستورية؛ فاللجنة منذ تقرر إنشاؤها، لم يكن المقصود منها أنها هي الحل، بل كانت بالضبط أداة لمنع قتل الحل السياسي، وبالتالي أداة لإبقاء 2254 على قيد الحياة.
ما جرى ويجري خلال الأشهر الماضية، بالتوازي مع ما يسمى «خطوة مقابل خطوة»، وكذلك بالتوازي مع الإيحاءات الشكلية بوجود تقدمٍ ما في عمل اللجنة، حتى من قبل الأمم المتحدة ومبعوثها، كل ذلك يسمح ببناء استنتاج، أنّ هنالك من يعمل على تحويل اللجنة من أداة لمنع قتل الحل السياسي، إلى ستار دخاني كثيف تتم وراءه محاولة تمرير «صفقات» غرضها القفز فوق الحل السياسي بأسره، وفوق 2254 بالذات.
الموقف المبدئي بما يخص اللجنة الدستورية وعلاقتها بالحل السياسي، يبقى قائماً وفقاً للأطر والمعايير التالية:
أولاً: ينبغي الحفاظ على اللجنة بوصفها إحدى أدوات الوصول للحل، وليس بوصفها تعمية عنه.
ثانياً: للحفاظ عليها ودفعها نحو أداء وظيفتها، ينبغي نقل مكانها مع تأمين الضمانات، وينبغي أن يكون عملها مستمراً دون انقطاع، وأن يكون علنياً، وينبغي أيضاً أن يتم تطوير تركيبتها بحيث تضم المستبعدين.
أولئك الذين يطلبون إنهاء عمل اللجنة فوراً، أو الذين يماطلون بعملها بحيث لا تصل إلى أي مكان، يسلكون في النهاية السلوك ذاته، وللغايات ذاتها؛ أي بغرض القفز فوق 2254... وهؤلاء وأولئك، يستندون في الجوهر، وبشكل معلن أو مستور، إلى السلوك الغربي والأمريكي بشكل خاص، الذي يمارس اتجاه القرار 2254 ما سبق أن مارسه اتجاه اتفاقات مينسك، واتجاه القرارات 242، 338 وغيرها.
الجيّد في المسألة أن التوازنات الدولية والإقليمية، وكذا رغبة السوريين ومصلحتهم، كلها تصب عكس الاتجاه الذي يأمل به المتشددون من الأطراف المختلفة. وتثمير هذه التوازنات وهذه المصلحة السورية، بتطبيق الحل السياسي الشامل على أساس 2254 بالذات، هو المصير الذي ينتظرنا جميعاً، والذي على القوى الوطنية الدفع معاً لتقصير مدة انتظاره...
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1073