افتتاحية قاسيون 1071: لماذا صمد الروبل؟

افتتاحية قاسيون 1071: لماذا صمد الروبل؟

دروس المواجهة إذا مررنا بشكل إجمالي على تحولات سعر صرف الروبل الروسي قبيل تاريخ 24 شباط 2022 وحتى يومنا هذا، أي عشية انطلاق العملية العسكرية في أوكرانيا وحتى الآن، فإنّ ما سنراه هو أنّ الروبل ورغم أن قيمته قد تدهورت خلال الأسابيع الأولى بشكل كبير، وصولاً إلى نصف القيمة التي كان عليها مقابل كل من اليورو والدولار، إلا أنّه استعاد سريعاً، ليس فقط كامل القيمة التي فقدها، بل وقيمة إضافية جعلت سعره أفضل مما كان عليه قبل 24 شباط: (يوم 23 شباط كان كل من الدولار واليورو يساويان 79، و92 روبل، على التوالي.

اليوم 22 أيار، فإنّهما يساويان 62، 65.5 روبل، على التوالي)، وهذا الأمر نفسه ينطبق على وضع الروبل مقابل كل العملات الأخرى عالمياً، إلى الحد الذي وصفت معه بلومبيرغ- المعروفة الأهواء والانتماءات- الروبل، بأنه أقوى عملة عالمية لعام 2022! يأتي ذلك على الرغم من أن روسيا تخضع الآن لأقسى وأشمل وأوسع أشكال العقوبات غير المسبوقة تاريخياً، والتي وصلت حدّ معاقبة الثقافة الروسية وتحريم رموزها، ناهيك عن تشجيع شتى أنواع الطروحات العنصرية اتجاه الروس، وخاصة في أوروبا. إذا انتقلنا من مؤشر سعر الصرف لمراقبة مؤشرات أخرى، كالتضخم وأسعار المواد الأساسية والخدمات بما فيها الكهرباء والمحروقات والمواصلات وإلخ، فإنّ اللوحة أمامنا ستكون بالشكل التالي:

حدثت في روسيا ارتفاعات في أسعار السلع تراوحت بالوسطي بين 10 و20% ضمن الفترة التي انخفض فيها سعر صرف الروبل، ولكن بعد ذلك وإلى الآن، فإنّ الأسعار ثبتت ولم تتعرض لارتفاعات إضافية، أما أسعار الخدمات الأساسية فلم تتغير، وبقيت كما كانت عليه قبل 24 شباط. بالمقابل، فإنّ أسعار السلع في الولايات المتحدة وأوروبا، وإن لم ترتفع بالسرعة نفسها في المراحل الأولى، إلّا أنها ارتفعت بالمحصلة بنسبٍ أعلى من ارتفاعاتها في روسيا، مع فارق أن الأسعار في الغرب مستمرة حتى الآن بالارتفاع، وليس من توقعات إلا أنها ستستمر في الارتفاع، أضف إلى ذلك، أنّ أسعار الخدمات كلها قد ارتفعت وضمناً أسعار الكهرباء والمحروقات.

إنّ ما اعتاده العالم خلال العقود المظلمة الماضية، هو أنّ الدولة التي تتم معاقبتها غربياً تغرق وتتعثر، إلا من أمثلة قليلة استطاعت الصمود (ولكن دون أن تتمكن من التأثير على المعاقبين). المثال الذي نراه اليوم، هو مثال مختلف كلياً، إذ لم يصمد فحسب، بل وتمكن من تكبيد المعاقبين خسائر كبرى هي أضعاف مضاعفة عمّا حاولوا إلحاقه بروسيا. وإنْ كانت روسيا قد تمكنت من تحقيق هذا بإمكاناتها الداخلية، فإنها حققته أيضاً بطبيعة علاقاتها التي بنتها عبر عقدين على الأقل، مع الصين والهند والبرازيل وجنوب إفريقيا ودول الخليج العربي وغيرها من الدول، وبنتها على أساس التكافؤ، وعلى أساس صيانة عملتها الوطنية. والدرس الذي لابد من استخلاصه والاستفادة منه، هو: أنّ العملة الوطنية هي عنوان أساسي من عناوين السيادة، والتي لا يمكن التنازل فيها بحالٍ من الأحوال. وصيانتها ترتكز إلى جملة أركان، من بينها: الابتعاد عن التسعير بالعملات الغربية الناهبة، والانتقال حيث يمكن للتبادل بالعملات المحلية، وتعزيز الإنتاج والبدائل الداخلية، وتعزيز العلاقات الاقتصادية مع الدول الصاعدة وعلى أسس متكافئة، وربما يمكن اختصار هذه الأركان كلها بعبارة واحدة: «العمل بشكل معاكس تماماً لتوصيات صندوق النقد والبنك الدوليين..»

 

(English version)

معلومات إضافية

العدد رقم:
1071
آخر تعديل على الأحد, 29 أيار 2022 19:23