افتتاحية قاسيون 1051: الحل السياسي بين التصريحات و"التخبيصات"

افتتاحية قاسيون 1051: الحل السياسي بين التصريحات و"التخبيصات"

احتلت التصريحات الأخيرة للمبعوث الروسي الخاص للأزمة السورية، ألكسندر لافرنتييف- وما ثار حولها من ضجة واستنتاجات- ساحة النقاش السياسي العام خلال الأسبوعين الماضيين.

وهذا الأمر مفهومٌ ومتوقعٌ انطلاقاً من اعتبارين أساسيين، الأول: هو الموقع الذي يشغله الرجل، والثاني: وهو الأكثر أهمية، وهو السبب الأساسي للصخب الجاري، هو أن هذه التصريحات جاءت «مجافية للحقيقة ومحابية للحكومة ولا موضوعية في عرضها لحقيقة الأمور»*. ما دفع البعض لاعتبارها انزياحاً في السياسة الرسمية الروسية اتجاه الملف السوري، والتي شددت باستمرار، قبل وبعد تصريحات لافرنتييف، وخاصة في التصريحات الأخيرة لوزير الخارجية الروسي، في الاتصال الثنائي الذي جرى بينه وبين وزير الخارجية السوري يوم ٢٧/١٢ الماضي، على (التزام روسيا بمواصلة الجهود الرامية إلى تحقيق الأهداف المنصوص عليها في القرار 2254 الصادر عن مجلس الأمن الدولي) وكذلك على ضرورة (المضي قدماً في التسوية السياسية الشاملة).

في العمق، فإنّ كلاً من تصريحات لافرنتييف، والصخب المثار حولها، هما وجهان لمشكلة واحدة، مصدرها هو انسداد الأفق الذي طال أمده أمام تطبيق القرار 2254...

فإذا كان هذا القرار هو الجوهر المبدئي لعملية الحل السياسي، والقائل بحق الشعب السوري في تقرير مصيره بنفسه، وبحقه في التغيير وفي الانتقال السياسي، فإنّ «التخبيصات» التي نسمعها، هي في جوهرها تكرار لطروحات «الحسم» و«الإسقاط».

فمن الجهة الأولى، جرى تفسير تصريحات لافرنتييف بأنها انزياح روسي صوب النظام في محاولة لإقناع الآخرين بالانصياع لما يريده من قفزٍ فوق 2254 وفوق التغيير وفوق الانتقال، الأمر الذي يعبّر عنه أفضل تعبير شعار «الحسم».

ومن الجهة الثانية، ذهبت ردود المتشددين في المعارضة المذهب نفسه في نهاية المطاف، عبر القول بنسف اللجنة الدستورية ونسف 2254، وعبر جملة من المقترحات «العملية» وغير القابلة للتطبيق! والتي تُكرر بشكل أو بآخر شعار «الإسقاط».

ولما كان الشعاران يتعارضان في جوهرهما مع الوقائع ومع القرار 2254 ومع فكرة الحل السياسي من الأساس، فإنهما يصبّان المصب نفسه، ويشكلان ترجمةً لمقولتي المبعوث الأمريكي الأكثر صراحة ووقاحة، أي جيمس جيفري؛ ونقصد مقولة المستنقع من جهة، ومقولته الأحدث في جريدة فورين أفيرز يوم الرابع عشر من الشهر الماضي، والتي طالب فيها صراحة بقرار جديد من مجلس الأمن، وتجنب أي ذكر أو حتى إشارة للقرار 2254، وليس ذلك نتيجة سهوٍ أو نسيان، بل هو أمر مقصود تماماً، وهو الذي صدّع رؤوس السوريين بالنفاق الأمريكي التقليدي حول القرار نفسه.


جوهر 2254 ليس إنهاء الحرب العسكرية والاقتصادية فحسب، بل وإنهاء الأزمة بكل جوانبها، وإعادة توحيد البلاد وأهلها، في ظل نظامٍ يختاره ويرتضيه الشعب السوري، وأياً تكن الوصفات العملية و«التخبيصات» التي يجري اقتراحها من هنا أو هناك، فإنها ينبغي أن تخضع لهذه المعايير المبدئية.

بهذا المعنى، فإنّ الغبار الكثيف الذي أثير، هو تعبير عن رغبة المتشددين من الطرفين برِدّة إلى الخلف، إلى أيام «الحسم» و«الإسقاط»، وتلك رغبة لا مكان لها في الواقع، ولذا سرعان ما ستزول آثارها، ولكن ثورانها مجدداً وبقوة أكبر هو احتمالٌ دائم، ما لم يتم الوصول إلى الصيغة العملية لتطبيق الحل، والتي تتوافق في جوهرها مع الصيغة المبدئية... وهذا ما ينبغي مواصلة العمل عليه بلا هوادة.
......
*اقتباس من تعليق رئيس منصة موسكو للمعارضة السورية على تصريحات لافرنتييف بتاريخ ٢١ /١٢/٢٠٢١

(English Version)

 

 

 

معلومات إضافية

العدد رقم:
1051
آخر تعديل على الأحد, 02 كانون2/يناير 2022 22:16