خط الغاز «العربي»...  الحكومات مجرد واجهات!

خط الغاز «العربي»... الحكومات مجرد واجهات!

على السطح، يجري تقديم النسخة الحالية من المشروع المسمى «خط الغاز العربي»، على أنّها اتفاق بين مجموعة حكومات عربية هي: مصر، الأردن، سورية، ولبنان، ومع احتمال مخططات لتشميل العراق من باب الكهرباء... ولكنْ هذا على السطح فقط، لأنّ المشهد مختلف تماماً لمن يريد البحث في ما هو أعمق...

نشرت قاسيون خلال الأسابيع الماضية مجموعة مقالات ودراسات حول خط الغاز «العربي»، (يمكن العودة لها عبر الروابط: 1، 2، 3، 4، 5). نتابع في هذه المقالة دراسة جانب آخر من المسألة نفسها، والذي يمكن اختصاره بالسؤال التالي: ما هو الدور الفعلي لحكومتي مصر والأردن في هذا المشروع، وذلك بالتناسب مع الشركات الخاصة المحلية والأجنبية العاملة في مجالي الغاز والطاقة، في كلٍ من البلدين؟

غاز مصري... ولكنْ من المالك؟

• وفقاً لوزير البترول المصري الأسبق أسامة كمال، في حديث له مع موقع إيكونومي بلس: «لا تمتلك مصر كل ما تنتجه من الغاز؛ إذ تبلغ حصة الحكومة ثلثي ما يُنتج فقط، والثلث الأخير يملكه الشركاء الأجانب، وهم الشركات الأجنبية المُنقبة».

• الإنتاج الإجمالي لمصر من الغاز الطبيعي هو 7 مليار قدم مكعب يومياً، حصة الحكومة المصرية منها هي 4.5 مليار. الاستهلاك الداخلي اليومي في مصر هو 6 مليار قدم يومياً... أي أنّ الحكومة المصرية تستهلك كل ما تنتجه من غاز، وتشتري إضافة له 1.5 مليار قدم مكعب من الغاز يومياً من «الشركاء الأجانب».

• كنا قد بيّنا في مقالين سابقين (1، 2)، أنّ مصر قد صدرت العام الماضي 1.8 مليار متر مكعب من الغاز، في حين أنّ الفائض الفعلي بين الإنتاج والاستهلاك كان 0.7 مليار فقط، وبيّنا أن هذا الفائض بالكاد يفي بحاجة لبنان وحدها، وأنّ الفارق بين رقم التصدير ورقم الفائض (1.1 مليار متر مكعب) هو على الأرجح غاز «إسرائيلي» جرت إعادة تصديره عبر مصر، (إما بحالته الطبيعية أو بعد إسالته).

• نضيف هنا، وبناء على تصريحات وزير البترول المصري الأسبق، أنّه من التضليل اعتبار الدولة المصرية مُصدّراً –وإنْ متواضعاً- للغاز؛ وهذا ما يقوله الوزير بطريقة ملطّفة ضمن الحوار المشار إليه آنفاً: «صادرات الغاز نابعة من الأراضي المصرية، ولكن قد يكون المالك لها الشركاء الأجانب». إضافة إلى كلام الوزير فإنّ الأرقام تقول إنّ مصر بهذا المعنى هي مستوردٌ صافٍ للغاز الطبيعي، المصري وغير المصري! أي أنها (وإلى جانب ما تستورده من غاز من الكيان عبر خط عسقلان العريش) فإنها تشتري ما ينقصها من احتياجات داخلية من «الشركاء الأجانب» العاملين على أراضيها، وهذا النقص يصل إلى 15.5 مليار متر مكعب سنوياً.

• ولكي نتمكن من تبيّن معنى هذا الرقم الذي تشتريه مصر سنوياً من «الشركاء الأجانب» لتستكمل احتياجات استهلاكها الداخلي، فسنعقد المقارنات التالية: أولاً: يشكل هذا الرقم 25.8% أي حوالي ربع استهلاك مصر من الغاز، أي أنّ مصر تشتري ربع استهلاكها الداخلي من الغاز من «شركاء أجانب». ثانياً: يشكل هذا الرقم 22% من إجمالي ما ينتج من غاز «نابع من الأراضي المصرية». ثالثاً: وضحنا في مادة سابقة أنّه بافتراض أن لبنان تريد سد كامل عجزها الكهربائي والوصول إلى 24 ساعة وصل كهربائي يومياً باستخدام الغاز فقط، فإنها ستحتاج بين 1.6 و2.3 مليار متر مكعب من الغاز سنوياً (وسطياً 1.95 مليار متر مكعب). أيّ أنّ حاجة مصر من الغاز التي تشتريها من «الشركاء الأجانب» سنوياً لأغراض الاستهلاك الداخلي هي وسطياً 8 أضعاف حاجة لبنان... وبعد ذلك يقال لنا إنّ مصر ستصدر الغاز إلى لبنان لـ«مساعدته على حلّ أزمته»، والأَولى –والحال ما هي عليه- أن تلتفت الحكومة المصرية لإيجاد طرقٍ لسد عجزها الداخلي بدل أن تشتغل كواجهة لقيام «الشركاء الأجانب» بتصدير غازها!

1039

كهرباء أردنية... ولكن من المالك؟

ارتفع الدين العام الأردني خلال الأشهر الخمسة الأولى من العام الحالي ليصل إلى 38.1 مليار دولار، وهو ما يكافئ 85.9% من الناتج المحلي الإجمالي.

20% من هذا الدين، أي حوالي 7.62 مليار دولار، هو دين على «شركة الكهرباء الوطنية» الأردنية. ولفهمٍ صحيحٍ لكيفية عمل قطاع الكهرباء في الأردن لا بد من الإشارة إلى أنّ شركة الكهرباء الوطنية التي تتحمل هذا الدين الضخم تمتاز بخاصتين فريدتين: 1- هي شركة الكهرباء الحكومية الوحيدة في الأردن، وهي في الوقت نفسه شركة الكهرباء الوحيدة الخاسرة، في حين إنّ كل شركات الكهرباء الخاصة العاملة في الأردن هي شركات رابحة. 2- لا تعمل هذه الشركة في توليد الكهرباء، وإنما وظيفتها هي النقل والتحكم الكهربائي وشراء الكهرباء المنتجة من الشركات الخاصة وإعادة بيعها للمستهلكين... أي أنّ هنالك في الأردن نمطاً فريداً وعجيباً من خصخصة الكهرباء؛ حيث يجري توزيع الأرباح والخسائر بشكل ثابت: الشركات الخاصة تأخذ الأرباح، والشركة الحكومية تأخذ الخسائر.

• يفسر المهندس فراس العجارمة - وهو النائب الأردني وعضو لجنة الطاقة النيابية- هذه الخسارة في لقاء تلفزيوني بتاريخ 28/7/2021 على قناة رؤيا الأردنية. يقول العجارمة: «تم تضليل الحكومة الأردنية عبر شركات ودراسات بالقول إنّ الأردن سيحتاج عام 2020 إلى 5000 ميغا واط من الكهرباء. تم توقيع اتفاقات جائرة على موازنة الدولة والآن يريدون تدفيعها للمواطن». ويتابع: «ندفع سنوياً 380 مليون دينار أردني [536 مليون دولار] استطاعة؛ بند اسمه استطاعة»، ويشرح عبر مثال فيقول: «إذا كانت عندك شركة طاقة وأنا [الحكومة] موقع معك عقد. يمكنك أن تعطيني 200 ميغا واط، وأنا غير قادر على أن آخذ منك إلا 100، مع ذلك علي أن أعطيك ثمنها [ثمن الـ200]، سواء أخذتُ أم لم آخذ. وبعض هذه الاتفاقيات يمتد حتى عام 2047».

• لإلقاء الضوء أكثر على عملية «التضليل» التي يتحدث عنها العجارمة، لا بد من الإشارة إلى أنها بدأت منذ عام 2007 تحت مسمى «الإصلاح» ضمن خطة من 15 عاماً بتوصية من صندوق النقد الدولي، والذي طرح مؤخراً خطة جديدة لـ«إصلاح التشوهات» تمتد على ثلاثة أعوام من 2021 إلى 2024 وتتضمن إعادة تعريف الشرائح الكهربائية وأسعارها ضمن هدف هو «إعادة توجيه الدعم لمستحقيه». وليس على القارئ السوري أن يستغرب التعبير الذي استخدمته أيضاً الحكومات السورية، لأنّ المعلم والمشرف واحدٌ في كل هذه الأنظمة وهو صندوق النقد والبنك الدوليان اللذان يوزعان وصفاتهما على حكوماتـ«نا».

• الملفت، وربما المثير للسخرية، هو تفاجؤ صندوق النقد والبنك الدوليين بالنتائج التي خططا للوصول إليها... وفقاً للصحفية رهام زيدان: «قال البنك الدولي اليوم [29/5/2021] إن قطاع الكهرباء في الأردن يشكل مفارقة من حيث الإصلاحات؛ حيث حقق في السابق نجاحات في اجتذاب استثمارات جديدة من القطاع الخاص في الكهرباء ثم تبع ذلك اختلالات اقتصادية كلية تتعلق بالاستدامة المالية وتراكم الدين»... وهذه المفارقة التي يتحدث عنها البنك الدولي بطريقة التفافية كعادته، هي ذاتها التي تحدثنا عنها آنفاً: حيث النجاح والأرباح هي من نصيب الشركات الخاصة، والخسائر هي من نصيب الحكومة والشعب الأردني.

• بالعودة إلى جوهر المسألة التي نناقشها، فإنّ استهداف رفع الاستطاعة المركبة في الأردن إلى أرقامٍ تفوق بمراحل حاجة الاستهلاك الداخلي، وعلى حساب الحكومة وتالياً الشعب الأردني -وكما يتضح مما سبق- هو أمرٌ مخطط له منذ سنوات طويلة، ولكن لماذا؟

• مَنْ بدأ عام 2007 بمخططات رفع الاستطاعة المركبة في الأردن لتحويلها نحو التصدير، رفعها على أساس معرفته بأنّ هنالك ارتفاعاً سيجري في الطلب الإقليمي على الطاقة الكهربائية. وإذا عدنا إلى ذلك التاريخ، فإنّ سورية ولبنان والعراق لم تكن تعاني من أزماتٍ كبرى في الطاقة الكهربائية. أي أنّ أصحاب هذه المخططات قد توقعوا مسبقاً حصول الدمار الذي عمّ المنطقة بشكل ممنهج، أو أنهم في أحسن الأحوال استفادوا من «الفرصة التاريخية» للتدمير الممنهج الذي جرى بعد ذلك...

• في جوهر الجوهر، فإنّ من يستعد للتحول إلى مُصدّرٍ للكهرباء هو قطعاً ليس الأردن كبلد، وليس الأردن كحكومة، ولكن مجموعة شركات خاصة يصعب تعقب من هم مالكوها الفعليون. وأهم من ذلك أنّ الشريك والرابح الأساسي في هذه العملية تكشفه حقيقة أنّ 88% من عملية توليد الكهرباء في الأردن، وكما أشرنا في مقال سابق، تتم باستخدام طاقة أولية مستوردة. وكنا قد بيّنا أنّ هنالك تطابقاً شبه كامل بين الرقم الذي تدفعه الأردن سنوياً لاستيراد الطاقة الأولية المخصصة لإنتاج الكهرباء (حوالي 686 مليون دولار)، وبين القيمة التقديرية لثمن الغاز الذي تستورده الأردن سنوياً من «إسرائيل» (حوالي 666 مليون دولار).

• كما هو حال الغاز المصري، تظهر الحكومة الأردنية في مسألة الكهرباء بوصفها واجهة للقطاع الخاص المحلي والأجنبي، بل وتدفع هي نفسها (من جيوب الأردنيين طبعاً) تكاليف هذه العملية، تاركة أرباحها للشركاء «المحليين» و«الأجانب»... وكل ذلك ضمن رعاية وتوصيات البنك الدولي وصندوق النقد الدولي...

• بالربط مع جملة المقالات السابقة، يصعب أنْ يرى المرء كل هذه المعطيات دون أن يتساءل عن علاقة الكيان المحتل بالمشروع ككل، ليس من باب «اغتنام الفرصة التاريخية» الآنية فحسب، بل ومن باب التحضير لها أيضاً...

10392

(النسخة الإنكليزية)

معلومات إضافية

العدد رقم:
1039
آخر تعديل على الخميس, 18 تشرين2/نوفمبر 2021 14:31