هوامش في متن الراهن السياسي

هوامش في متن الراهن السياسي

اللحظة السياسية السورية الراهنة حبلى بالمفاجآت، كما تؤكد معظم المؤشرات، من تصريحات مختلفة ولقاءات وحراك سياسي ودبلوماسي، منذ لقاء بوتين– بايدن. وما يعزز هذه القناعة هو أن كل عناصر الواقع القائم، الدولية منها، والإقليمية والمحلية، باتت منهكة، ومثقلة بأحمال لم تعد تقوى على حملها... بعبارة أدق فإنّ سورية أمام واقع جديد بغض النظر عن الشكل الذي سيكون عليه.

مولود جديد

المولود الجديد سيخرج من رحم توازن القوى القلق، الثابت دولياً باتجاهه العام، ولكن الخاضع للتجاذب، والذي بات أمراً واقعاً بحكم مستوى التدويل، وتشابك الملفات الدولية وتداخلها. الإشكال الخطير هنا هو الخلل الكبير في توازن القوى الداخلي، بسبب تغييب إرادة أهم حوامل الحل الحقيقي؛ أي الشعب السوري. مما يعني خطر أن يعاني المولود من تشوّه ولادي، ومن هنا، فإن أي شكل من أشكال التنسيق بين قوى التغيير الوطني الديمقراطي، قبل أية جولات جديدة من المفاوضات، بات ضرورةً، ضرورة الماء والهواء للجسد السوري، وهي قوى واسعة ومتجذرة في سورية، ولها حظوظ واسعة في أن تكون رقماً هاماً في المعادلة، إذا ما أحسنت إدارتها، خصوصاً وأنّ جميع الخيارات الأخرى وصلت إلى طريق مسدود بالتجربة الملموسة، وتعيش منذ سنوات بقوة العطالة فقط.
إن بلورة قوة سورية عريضة جادة تسعى إلى الحل وتنفيذ القرار 2254، من الممكن أن يحوّل كل تعقيدات الوضع الدولي إلى فرصة؛ فالمرحلة ستشهد بالتأكيد مساومات وتنازلات بين القوى الدولية، وظهور مثل هذه القوة السورية سيحوّل سورية إلى فاعل بدلاً أن تكون مفعولاً بها كما هو واقع الحال حتى الآن.

انتحار غير معلن

جاءت صدمة الانسحاب الأمريكي في أفغانستان، ونتائجها الأولية، بمثابة تأكيد جديد على أن العالم أمام تحوّل تاريخي شامل. ومن يريد أن يكون له مكان في التاريخ عليه أن يهيئ نفسه لذلك... وأول شرط لذلك هو السعي إلى ملء الفراغ الناشئ بقوة جادة تسير مع تيار التاريخ، أما محاولة ملء الفراغ بقوى تعمل بعقلية الفضاء السياسي القديم، فلا معنى لها سوى المزيد من الكوارث كما هي طبيعة المراحل الانتقالية بين موت القديم وولادة الجديد، وهو انتحار غير معلن.
تحوّل عميق في الاقتصاد والسياسة والثقافة وفي العلاقات الدولية، يعني أنه بات من الضروري تغيير زاوية الرؤية إلى العالم، وإلى الذات... يعني تجاوز الوعي الإعلامي في السياسة، يعني امتلاك الأدوات المعرفية التي تساعد في فهم اتجاه التطور، حتى تتسنى الفرصة الحقيقية لمن يريد تأمين مقعد في قطار التاريخ... دون ذلك لا تنفع لا عدالة قضية، ولا استناد إلى الحق، فهي مجرد اعتبارات أخلاقية– وجدانية تمد الرؤية السياسية الصحيحة بالزخم والقوى المعنوية، ولا ينفع لا التظلم ولا الشكوى، ولا الاستعراضات الدعائية، ولا الدموع التي يذرفها هذا التمساح أو ذاك، أو تصريحات هذا الوكر أو ذاك...

أحمال زائدة

القوى التي تسعى إلى قيادة قاطرة العالم الجديد، عليها أن تدرك أن الاعتماد على بنى الفضاء التقليدي، وبالدرجة الأولى كومبرادور البلدان الطرفية، تحت ذريعة القانون الدولي وحق السيادة، إنما تلقي بذلك على أكتافها أحمالاً زائدة، سرعان ما ستتحول إلى عبء عليها، فإذا كانت مواجهة البلطجة الأمريكية إحدى ضرورات الجديد، فإن هذه البنى التابعة هي أبعد ما تكون عن القيام بهذه المهمة التاريخية النبيلة، لا بل هي موضوعياً عائق أمامها.
وبالتالي فإن الجديد لا يمكن أن ينتصر إلا باستخدام الأدوات المناسبة الجديدة، وهي بالدرجة الأساس الشعوب وقواها الحيّة. إن السعي إلى دمقرطة العلاقات الدولية كحق مشروع، ينبغي أن يتكامل مع حق الشعوب في تقرير مصيرها، بما فيه حق اختيار نظامها السياسي.

الدهر الأمريكي والعطار الفرنسي

في سياق الاضطرار الأمريكي إلى الانكفاء والانسحاب، بات واضحاً أن هناك محاولات للتسلل لملء الفراغ الأمريكي.
ضمن هذا السياق، وضمن سياقات أشدّ خطورة تتعلق بعمليات التسلل والتواطؤ الصهيوني في كل مكان، يمكن ربما فهم حضور الرئيس الفرنسي قمة بغداد، ويمكن إلى حد ما فهم الدور الفرنسي في «منتدى غاز شرق المتوسط»... أما مدى قدرة الفرنسي والمسيو ماكرون على تحقيق الأدوار الموكلة له أو التي يظن أنه قادر على أدائها، فتلك مسألة أخرى...

جهات سورية

ما جرى في درعا من توافق مؤقت ومنع لتصعيد الاشتباك المباشر، برعاية روسية بعد دفع الطرفين إلى تقديم تنازلات متبادلة، هي خطوة إيجابية، على الأقل قياساً إلى احتمالات كارثية كان يجري السعي إليها مثل اندلاع الاشتباكات من جديد، أو عمليات تهجير قسرية واسعة...
في السياق نفسه كانت قد جرت تسويات مؤقتة بين السلطة السورية الرسمية وقوات سورية الديمقراطية، وربما كل مناطق خفض التصعيد منعت تفجر الأوضاع في الشمال الشرقي، وقبلها تجربة مناطق خفض التصعيد الإشكالية في هذا النوع من التسويات هي أن النظام يتعاطى معها على أنها مجرد مسائل أمنية، رغم أنها بالأصل مسألة سياسية، وإذا كان الجانب الأمني– العسكري منها هو الشكل فإن محتواها سياسي بامتياز، والتجربة تؤكد بأنه لا حل حقيقياً لأية مشكلة سياسية بالأدوات الأمنية فقط. ومن هنا فإن الرعاية الجدية لمثل هذه التسويات تستوجب السعي إلى وضعها بيد السياسيين، فالسياسي قادر على احتواء الجانب العسكري– الأمني، أما المنطق الأمني المجرد، فلا يمكن أن يحل أية مشكلة سياسية حلاً ناجزاً.

الدور التركي

يمكن القول وبالمعنى المباشر إن الدور التركي من أخطر الأدوار، وتصرفاته على الأرض هي الأكثر استفزازية؛ فتركيا من أكبر دول الجوار الإقليمي ذات الوزن الإستراتيجي عالمياً، ويجري حولها وعليها صراع محتدم في ظل الاستقطاب الدولي الراهن، مما يمنحها هامشاً للمناورة أكثر من كل قوى الاحتلال الأخرى، لا سيما وأن تدخلها أصلاً كان من بوابة «دعم الشعب السوري»، وهي تهيء الأرضية لبقاء طويل الأمد على الأرض في المناطق الخاضعة لسيطرتها، بدءاً من تشكيل بنى عسكرية ترتبط مصالحها المباشرة بالوجود التركي، وفرض استخدام عملتها في السوق، إلى مناهج التدريس، إلى التبعية الإدارية، إلى رفع الأعلام التركية على المؤسسات، إلى توطين أناس من غير أهل المنطقة، إلى المحاولة بشتى السبل لقطع الاتصالات مع الداخل السوري، بما يعزز تقسيم الأمر الواقع القائم...

معلومات إضافية

العدد رقم:
1036
آخر تعديل على الإثنين, 20 أيلول/سبتمبر 2021 23:15