مطلوب على وجه السرعة: مزيد من المساهمين لتلميع الجولاني!
ريم عيسى ريم عيسى

مطلوب على وجه السرعة: مزيد من المساهمين لتلميع الجولاني!

خلال العامين الماضيين، وباستخدام أساليب مختلفة- تصريحات رسمية وتقارير بحثية ومواد إعلامية– بذلت الولايات المتحدة جهداً كبيراً في محاولة تبييض و«سورنة» جبهة النصرة وزعيمها أبو محمد الجولاني.

ونظراً إلى أن هذه المحاولات كلها أتت من جهات رسمية أمريكية ومراكز أبحاث مقرها أمريكا ومن وسائل إعلام أمريكية أو من صحفيين أمريكيين، فإن هذه الجهود كانت بشكل أساسي وواضح أمريكية فقط، على الأقل العلنية منها، وكان آخرها الفيلم الذي أطلقته قناة PBS الأمريكية والذي ناقشناه في مقال في قاسيون (العدد 1021) بعنوان «جيفري «يبقّ البحصة» أخيراً: لم نستهدف النصرة نهائياً ونحن على تواصل معها».
ظهرت الجهود الأمريكية بادئ الأمر على شكل تلميحات من قبيل: «لم نر أنهم [أي النصرة] شكلوا تهديداً دولياً منذ فترة» (قاسيون، العدد 952، «أجندة عمل واشنطن: بند واحد... لا للحل»)، ثم تطورت الأمور إلى الاعتراف العلني بالعمل مع النصرة والتواصل مع الجولاني. تضمنت هذه الجهود الأمريكية عدة مقابلات مباشرة مع زعيم جبهة النصرة، الجولاني، من باحثين وصحفيين أمريكيين، حيث صوروه من خلال تقاريرهم ومقالاتهم على أنه «سوري وهمّه السوريون ورفاههم»، وهي الصورة التي حاولوا «تلميعها» بشكل أكبر من خلال إظهاره على أنه رجل عادي يرتدي بدلة مدنية ويتحدث عن حل سياسي.
أكثر من ثلاثة أشهر مرت منذ آخر مرة ظهرت فيها جهود ملحوظة في هذا الصدد، ولكن قبل أسبوع، نشرت النسخة التركية من الصحيفة الإلكترونية «الإندبندنت» البريطانية، مقابلة مع الجولاني، ونُشرت المقابلة باللغة التركية فقط.
بناءً على هذه المقالة يمكننا إبداء الملاحظات الأولية التالية:
هذه هي المرة الأولى التي يلتقي فيها جانب إعلامي غير أمريكي بالجولاني وينشر مقالة عن اللقاء. حتى الآن، كانت جميع التواصلات (العلنية منها على الأقل) مع زعيم جبهة النصرة تتم من خلال مسؤول أو منظمة أو وسائل إعلام أمريكية أو متواجدة في أمريكا.
إضافة إلى ما سبق، تجدر الإشارة إلى أن التغطية والجهود السابقة في عملية تبييض وتعويم النصرة وزعيمها لم تلق دعماً من حلفاء الولايات المتحدة التاريخيين– بالتحديد الغرب– على الأقل ليس علناً، حتى من قبل بريطانيا، وهي تاريخياً أقرب حليف للولايات المتحدة، والتي عادة ما تكون لها مواقف وسياسات متطابقة تقريباً مع أختها في الضفة الأخرى من الأطلسي.
على الرغم من أن الجهة الإعلامية التي نشرت المقالة هي صحيفة «الإندبندنت» البريطانية، إلا أن المقابلة أجراها صحفي تركي ونُشرت في النسخة التركية من الصحيفة باللغة التركية فقط، وهذا يعطي المجال لربط المقالة ببريطانيا وتركيا، وفي الوقت ذاته عدم ربطها بأي منهما.
يمكن لأي أحد يتابع عملية التبييض والتعويم هذه منذ البداية أن يلاحظ بسهولة أن محتوى المقابلة لم يقدم شيئاً جديداً أو مختلفاً عن المقابلات أو التقارير السابقة، باستثناء بعض النقاط المتعلقة ببعض الأحداث الأخيرة (مثل الأحداث في أفغانستان)، ولكن لا يوجد أي شيء جديد نوعياً مقارنة بالسابق.

استنتاجان أوّليان

في ظل التوقيت والصيغة، وضمن المشهد الإقليمي والدولي العام، خاصة فيما يتعلق بالملف السوري، يمكن أن نستخلص استنتاجين أساسيين من اللقاء:
أولاً: انضمت بريطانيا إلى الولايات المتحدة في جهودها لتبييض وتعويم النصرة وزعيمها الجولاني، وإن كان ذلك بشكل أقل وقاحة وبطريقة غير مباشرة، حيث تم نشر اللقاء في إحدى الصحف البريطانية، ولكن ليس في الموقع الرئيسي وليس باللغة الإنجليزية.
ثانياً: قيام صحفيٍ تركي بإجراء هذه المقابلة ونشرها باللغة التركية، على الرغم من أنها صحيفة بريطانية، يسمح بالتلميح إلى التحاق تركيا بعملية تبييض النصرة بالضد من الموقف الرسمي التركي الذي يصنف الجماعة على أنها إرهابية، وذلك بغض النظر عن الموقف الفعلي لتركيا من النصرة... وأهم من ذلك، بالضد من مسار أستانا.

ملاحظة جانبية

في 6 أيلول، نشرت صحيفة العربي الجديد والتي مقرها لندن مقابلة مع جيمس جيفري، المبعوث الأمريكي السابق إلى سورية، وقال فيها عند حديثه عن التغييرات في سلوك النظام التي تريد أن تراها الولايات المتحدة، إن تلك التغييرات تشمل «إعادة اندماج المعارضة في إدلب وقوات سورية الديمقراطية (قسد) في الشمال الشرقي». بعد ثلاثة أيام في مقال نشره مركز ويلسون في الولايات المتحدة، حيث يعمل جيفري الآن بعد أن ترك منصبه الحكومي، كتب جيفري: «سلوك الحكومة السورية الأفضل يمكن أن يعزز إعادة دمج قوات المعارضة المسلحة بما في ذلك حليف أمريكا، قوات سورية الديمقراطية التي يقودها الأكراد». من المثير للاهتمام أن جيفري خلال أيام قليلة «نسي» أو «أسقط سهواً» أصدقاءه في إدلب؛ أي النصرة. وإذا أخذنا بعين الاعتبار جمهور الجهة الأولى وقارنّاه بجمهور الجهة الثانية فإن عدم ذكر «المعارضة في إدلب» في المقالة الثانية لم يكن مصادفة.

بريطانيا، تركيا... «النصرة»

لم يعرب أي من حلفاء الولايات المتحدة، سواء كان في الغرب أو حتى تركيا حليفتها في الناتو، عن موافقة أو دعمٍ لجهود تبييض النصرة، على الأقل ليس علناً، رغم أنه لم يكن هناك رفض علني لتلك الجهود أيضاً. ولكن، يبدو أن الولايات المتحدة لم تعد قادرة على القيام بهذا العمل بمفردها إذا أرادت اكتساب الزخم وتحقيق الأهداف المرجوة، وبالسرعة المطلوبة، لذلك هناك حاجة إلى مزيد من الشركاء للانضمام إليها حتى تتمكن من الاستمرار بتحريك العملية ودفعها إلى الأمام.
والآن يمكن للولايات المتحدة (وغيرها من الذين يحاولون تقويض أية جهود تصب في الوصول إلى حل للأزمة في سورية) أن تستخدم المقال الذي تناولته هذه المادة، للإشارة إلى أن هناك آخرين (بريطانيا وتركيا) يقفون وراء هذه الجهود ويدعمونها.
الأرجح أنّ البريطانيين يدعمون ما تقوم به الولايات المتحدة في هذا الصدد بشكل كامل، وهو ما يكشفه التناغم التام بين الطرفين في كل ما يخص المسألة السورية، وتمايز موقفهما حتى عن الأوربيين الذين يقفون في المعسكر نفسه في نهاية المطاف، ولكن مع تحفظات هنا واختلافات هناك. والدخول البريطاني على خط عملية «غسيل النصرة» في هذا التوقيت، ربما يأتي في سياق الحاجة الأمريكية لإجراء «التشطيبات» الأخيرة، وبشكل مستعجل، قبل الخروج من سورية، وضمناً العمل على التأكد من بقاءٍ غير قصير للنصرة بعد خروجها، أسوة بما فعلت في أفغانستان...
فيما يتعلق بتركيا، فإن المعادلة مختلفة قليلاً، لأنه وبالرغم من أن تركيا حليفة الولايات المتحدة في الناتو إلا أنها ليست على مستوى «التحالف» نفسه كبريطانيا. والهدف من ضم تركيا إلى المعادلة (حتى ولو إعلامياً) يتعلق أكثر بالعلاقة التركية-الروسية؛ حيث بالتأكيد، لم يلق التقارب التركي- الروسي عبر صيغة أستانا وكل ما تمخض عنه ترحيباً من الولايات المتحدة والغرب بشكل عام.
وبالتالي، فإن محاولة الإيحاء بأن تركيا منفتحة على الانضمام إلى قافلة تبييض وتعويم النصرة بشكل علني، هي محاولة لخلق المزيد من التناقض أو تضخيم الاختلافات الموجودة أصلاً بين روسيا وتركيا، ضمن خطة أوسع لتقويض عمل مسار أستانا والإسهام تالياً لا في عرقلة الوصول إلى حل سياسي حقيقي وشامل في سورية عبر التطبيق الكامل للقرار 2254 فقط، بل والإيحاء بأنّ المقعد الخلفي الذي يشغله التركي على طاولة التفاوض الدولي حول المسألة السورية، يقع وراء الجانب الأمريكي.

(النسخة الانكليزية)

معلومات إضافية

العدد رقم:
1035
آخر تعديل على الإثنين, 20 أيلول/سبتمبر 2021 23:44