افتتاحية قاسيون 1033: لماذا استمرار التوتير في درعا؟
مرّ حتى الآن أكثر من شهرين على بداية التوتر الجديد في محافظة درعا السورية، وبشكلٍ خاص حول حي درعا البلد الذي يقطنه ما يزيد عن 50 ألف سوري.
ورغم وجود الوساطة الروسية التي تلعب دوراً جاداً وواضحاً في نزع فتيل التوتّر وفي وقف العسكرة لمصلحة الحوار، ورغم جولات التفاوض العديدة التي جرت حتى اللحظة، إلا أنّ الأخبار لا تزال تتوارد عن قصفٍ هنا واشتباكٍ هناك، وعن ضحايا مدنيين كما هي العادة، إضافة إلى استمرار النقص الشديد في الحاجات الغذائية والطبية الأساسية في درعا البلد.
كانت قاسيون قد أشارت سابقاً إلى أربعة استنتاجات أساسية حول الموضوع في درعا، ولا تزال هذه الاستنتاجات صحيحة، وهي باختصار
أولاً: مرحلة العمليات العسكرية الكبرى قد انتهت، ولم يعد مقبولاً ولا ممكناً أن تستمر...
ثانياً: إذا كان منع إسقاط الدولة قد استخدم في مرحلة سابقة الأداة العسكرية، فإنّ الأداة السياسية والاقتصادية- الاجتماعية هي الأداة الأساسية لاستكمال المهمة نفسها، بل وأكثر من ذلك، فإنّ استخدام الأداة العسكرية نفسها، وضمن الظروف الحالية، بات يحمل مفعولاً معاكساً.
ثالثاً: التصدي لأدوات التخريب الاقتصادية يحتاج إلى توحيد البلاد من جهة، ويحتاج إلى توحيدها في ظل نظام جديد يكون تحت نظر الناس ورقابتها ومحاسبتها، وهذا يمر بالضرورة عبر الحل السياسي وعبر القرار 2254...
رابعاً: مهمة إنهاء حالة تقسيم الأمر الواقع مستحيلة التحقيق عملياً عبر الأداة العسكرية... وتحقيقها يمر حصراً عبر التوافق بين السوريين وعبر إعادة التلاحم بين أبناء الشعب الواحد، وعلى أساس احترام كرامات الناس وحقوقها، وليس على أساس السحق والفرض...
في ضوء هذه الاستنتاجات، فإنّ السؤال الذي يحتاج إلى إجابة هو: لماذا الإصرار على استمرار التوتير في درعا؟
من الواضح أنّ المتشددين في النظام، ومن يتخادم معهم بطريقة أو بأخرى من متشددي الطرف المقابل، باتوا يعلمون بشكل واضح أنّ سيناريوهات الماضي لن تتكرر، ولذا فإنّ الإصرار على إبقاء التوتر ضمن الحدود التي يعتقدون أنهم قادرون على الحفاظ عليه ضمنها، بات يعني شيئين أساسيين:
الأول: هو التعبير الضمني عن رفض الاعتراف بحقيقة أنّ موضوع «الحسم العسكري» قد بات جزءاً من الماضي وقد بات شعاراً غير قابل للتطبيق.
الثاني: والمشتق من الأول، هو أنّ رفض الاعتراف بانتهاء صلاحية شعار «الحسم العسكري»، يعني موقفاً ضمنياً أيضاً، بل وعلنياً إلى حد ما، من فكرة الحل السياسي ككل؛ أي إنّ المتشددين ضمن النظام، باتوا ينظرون إلى ما يجري في درعا بوصفه مفصلاً ضمن الأزمة ككل، فإما أن يستمر الضغط باتجاه الرفض العملي للحل السياسي على أساس القرار 2254، أو أنّ التراجع سيؤدي إلى السير باتجاه تطبيق الحل.
إنّ الغائب عن أذهان رافضي الحل السياسي ضمن النظام، هو أنّ السلوك الحربجي والمعرقل الذي يمارسونه، والذي يتلقفه متشددو الطرف الآخر بأقصى ترحابٍ ممكن، لا يفعل سوى أنه يسرّع إنهاء الأوهام المضادة للحل والمضادة لعملية التغيير الجذري الشامل المستحق، بل ويدفع كل القوى المعنية إلى إصرار مضاعف على الذهاب باتجاه التطبيق الكامل للقرار 2254.
وإلى حين يبدأ تطبيق الحل، والذي لم تعد البلاد ولا العباد يحتملان تأخيره، فإنّ من الضروري بكل الوسائل الممكنة إيقاف معاناة المدنيين في درعا، والوصول إلى حلٍ سريع للمسألة بعيداً عن السلاح، وإدخال المساعدات المختلفة التي يحتاجونها، وبأسرع وقت؛ فما مرّ من عذابات وآلام يكفي ويزيد، ولا يحق لأحد أن يمدد آلام السوريين انطلاقاً من مصالح ضيقة وأنانية...
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1033