تركيا تهدد، وماروتو يصرّح...
كفاح سعيد كفاح سعيد

تركيا تهدد، وماروتو يصرّح...

تواردت الأنباء خلال الأسبوعين الفائتين، وحتى ساعة إعداد هذا التقرير، عن توتر متصاعد على خط التماس بين قوات سورية الديمقراطية وقوات الاحتلال التركي في ريف رأس العين.

وحسب تقارير إخبارية، كانت القوات التركية قد استهدفت قبل أيام قيادات من قسد بطائرة مسيّرة، فيما يتكرر القصف المتبادل في العديد من قرى المنطقة، وشهدت المنطقة حالات نزوح واسعة في العديد من القرى، فيما أدى القصف المتواصل إلى تدمير بيوت العديد من المدنيين.
ومما رفع من درجة الترقب والقلق هو الإشارة التي تضمّنها تصريح الناطق باسم (قوات التحالف الدولي) واين مارتو يوم السبت 28/8، ضمن زيارة وفد أمريكي إلى مناطق الشمال الشرقي هذه الأيام وفقاً لتقارير إعلامية، بأن «مهمة قوات التحالف هي محاربة داعش وليس مواجهة تركيا»، وأضاف أنّ: «تركيا جزء من التحالف الدولي ضد الإرهاب...»، مما عزز الشكوك لدى كثيرين في إمكانية إقدام تركيا مجدداً على عمل عسكري في تلك المنطقة.

اختلاف التقديرات

اختلفت التقديرات حول إمكانية توسع دائرة الاشتباكات، بين من رآها أمراً روتينياً ومتكرراً منذ الاحتلال التركي لرأس العين وتل أبيض، وبين من يذهب إلى الحديث عن احتمال اجتياح تركي واسع، خصوصاً بعد تهديدات عديدة في هذا الاتجاه من الرسميين الأتراك.
على كل حال، وبدلاً من التعاطي مع ما يحدث في رأس العين وتل تمر من قصف تركي، وتهديد بالاجتياح، على طريقة التنجيم السياسي، وقراءة الكف، والانقسام كما العادة إلى فريقين، على أساس هل سيدخل التركي، أم لا؟ بدلاً من كل ذلك، ينبغي التفكير بإيجاد حلٍّ يستند إلى ما بين أيدي السوريين من أوراق، وحُسنِ استخدامها بما يلجم العدوانية التركية، والممكن الوحيد في هذا السياق يتركب من ثلاثة عناصر:
أولاً: السعي إلى استئناف حوارٍ ومحاولة الوصول إلى تسوية بين النظام والإدارة الذاتية، وبحيث لا يقتصر عليهما بل يضم قوىً وطنية أخرى؛ وذلك كجزءٍ من حل إسعافيٍ لا يغني عن الحوار الشامل والحل السياسي الشامل على أساس 2254، بل يمكن حتى أن يلعب دوراً ممهداً له... وعندما نقول حوار وتسوية بين الطرفين، فلا نقصد قطعاً «العودة إلى حضن الوطن» على طريقة النظام، ولا السعي إلى تثبيت الأمر الواقع على طريقة الإدارة الذاتية... بل المقصود هو تفاهم تشارك فيه القوى الوطنية السورية، قائم على تقديم تنازلات متبادلة، وظيفته الأساسية تحييد العامل الخارجي، وإضعاف وزنه، ورفع وزن السوريين في المعادلة، إلى حين الوصول إلى الحل السياسي الشامل وتنفيذ القرار 2254، خصوصاً، وأن الطرفين (النظام والإدارة الذاتية)، لا بل كل السوريين وسورية نفسها في مأزق، ومن يكون في مأزق فإن التصرف العقلاني الوحيد هو الخروج بأقل الخسائر...
ثانياً: القطع نهائياً مع الأوهام التي يمتلكها البعض حول طول البقاء الأمريكي، وغياب احتمال «خيانة» أمريكية جديدة، على أساس تحليلات ما أنزل الله بها من سلطان تحاول أن تتمسك بفكرةٍ لا أساس لها تقول بأن سورية شأن مختلف عما يجري في المنطقة والأمريكان لن ينسحبوا منها. وكذلك ينبغي القطع مع الاعتماد الزائد على الأمريكان في محاولة الوصول إلى تفاهمات بين قوى سورية فيما بينها، لأنّ الأمريكي أثبت أنّ ما يسعى إليه من «تفاهمات» ليس متفقاً مع أية أجندة وطنية يملكها أي من الأطراف المعنية.
ثالثاً: في ظل ارتفاع احتمالات الانسحاب الأمريكي، فإنّ التقارب مع القوى الوطنية المحلية يبقى الخيار الأول، وينبغي تعزيزه أيضاً بفتح الباب نحو التفاهم مع القوى الصاعدة بالمعنى الدولي واستخدام وساطتها قدر الإمكان لفض الاشتباك المحتمل مع قوى إقليمية إلى حين الوصول إلى حلٍ شامل يتعامل فيه السوريون مع أزمتهم الشاملة ضمن أجندة وطنية موحدة.

بعيداً عن التجاذبات

إنّ البقاء في مستنقع التجاذب الأمريكي- التركي، أو الروسي– التركي، أو الإيراني- التركي في ظل الاستقطاب الحاد في العلاقات الدولية، وتشابك وترابط الملفات الدولية، يعني بقاء الوضع دائماً ملغّماً وقابلاً للانفجار، ويعني احتمالات كارثية، بغض النظر عمّا ستؤول إليه الأوضاع في ظل التصعيد التركي الراهن، وبغض النظر عن تقييم السياسة العامة لهذا الطرف الدولي أو ذاك... ما يعني أنّ الاستعانة بأي طرف كان، ودفعه للعب دور الوسيط ينبغي أن تبنى على فهم وطني واضح وعلى تقديرات سليمة لاحتمالات تطور الأمور.
إن المكابرة الجوفاء والعنجهية الفارغة، ومحاولات النظام المستمرة في ابتزاز الإدارة الذاتية، مع كل تهديد تركي، هو تصرف غير مسؤول، ويتناقض مع المصالح السورية، ويساهم في خلق المزيد من التعقيد في المشهد. وبالمقابل، فإن محاولة فرض الأمر الواقع من قبل الإدارة الذاتية، مع كل إشارة، وأي احتمال لبقاء أمريكي مستدام، هو الآخر تصرف لا مسؤول، ويتناقض حتى مع فلسفة الإدارة الذاتية، وتركيبها الاجتماعي، ناهيك عن تناقضها مع المصالح الحقيقية لأبناء الشمال السوري عرباً وكرداً وسرياناً وغيرهم.

بانتظار دور الضامن الروسي

إنّ الطرف الروسي مدعو قبل غيره، إلى السعي الجاد إلى الوصول إلى هكذا تسوية، على الأقل بسبب وجود خطوط تواصل بينه وبين كل أطراف المشكلة. وفي ذلك فقط تنعكس جديّته بالحفاظ على وحدة وسيادة الدولة السورية في اللحظة الراهنة، وذلك من خلال الضغط على كل الأطراف وبالدرجة الأولى النظام، بعد أن بات واضحاً بأن سلوك النظام يُخضِع كل شيء، بما في ذلك تحالفاته الدولية، لبقاء سلطته كما هي، حتى لو أدى ذلك إلى توتير جديد، أو حتى احتلال أراضٍ سورية جديدة، وهو ما يتناقض مع القرار 2254، ومع الواقع، ومع المنطق، ومع العقل السليم.
وفي السياق نفسه، فإن لجم تركيا عن تماديها المستمر ضمن محاولاتها استغلال الهامش المتوفر لها، في ظل الاستقطاب الحاد بالعلاقات الدولية بين موسكو وواشنطن، بات أمراً لا يقبل التأجيل، لاسيما وأن التجربة المرة مع الاحتلال التركي لمناطق واسعة من الشمال السوري، تشير إلى محاولات تركية مستمرة لتتريك تلك المناطق وفرض مناهجها التعليمية، ورفع الأعلام التركية، ومحاولة فرض استخدام الليرة التركية، ناهيك عن عمليات التغيير الديمغرافي الجارية في عفرين وغيرها...

معلومات إضافية

العدد رقم:
1033
آخر تعديل على الإثنين, 30 آب/أغسطس 2021 16:01