الدرس الأفغاني: لا طغاة ولا غزاة بل تغيير وطني ديمقراطي شامل

الدرس الأفغاني: لا طغاة ولا غزاة بل تغيير وطني ديمقراطي شامل

استضاف الإعلامي خورشيد عليوي، يوم الجمعة 20 من الجاري، الرفيق عصام حوج أمين حزب الإرادة الشعبية، إلى جانب مجموعة من المثقفين السوريين لنقاش الدروس المستفادة من الانسحاب الأمريكي من أفغانستان. وفيما يلي تنشر قاسيون مقتطفات من مداخلات الرفيق عصام حوج ضمن الندوة...

الدرس الأفغاني

سنقف عند بعض الوقائع لتكون مدخلاً لفهم حقيقة ما جرى في أفغانستان خلال الأسبوع الفائت. دولة أعلنت منذ عشرين عاماً، وهي أكبر قوة عسكرية اقتصادية، وأكثر قوى العالم هيمنةً، أعلنت حرباً على بلدٍ آخر بهدف إزاحة تنظيم إرهابي من السلطة، وبعد عشرين عاماً، وبعد صرف ثلاثة ترليونات دولار، وبعد أن بقي العالم على مدى عشرين عاماً تحت حكم حالة طوارئ، نتفاجأ نحن والعالم بما في ذلك حلفاء الولايات المتحدة الأمريكية، ونخبة كبيرة من الساسة والإعلاميين الأمريكيين، نتفاجأ بأننا عدنا إلى المربع الأول، ما معنى هذا الكلام؟
إذا أردت أن أصف هذه الكوميديا السوداء- هذه الفانتازيا السياسية الدعائية إذا صحت التسمية فنحن أمام احتمالين، إما أن الأمريكي لم يكن جاداً أصلاً في إعلان الحرب على الإرهاب وكان هذا الشعار ستاراً لمشاريع أخرى أو أن الأمريكي لم يعد قادراً على التحكم بالمسارات وحسم الأمور لصالحه.
وأنا أعتقد أن الصحيح هو الاحتمالان معاً، أولاً الأمريكي يعيش منذ سنوات وهذا معلن، يعيش حالة تراجع على المستوى العالمي في العديد من الملفات والقضايا الدولية الحساسة، تعيش الولايات المتحدة الأمريكية حالة تراجع وعجز من جهة، ومن جهة أخرى الولايات المتحدة الأمريكية لم تحارب الإرهاب بالمعنى الحقيقي لأن الحرب على الإرهاب تبين أنها ليست حرباً عسكرية فقط بل هي حرب تنمية- حرب تقدم اجتماعي- حرب تأمين حاجات الناس لكي لا تنجر إلى تنظيمات متطرفة- حرب تحقيق التنمية المستقلة المستدامة وهذا كله يتناقض مع السلوك الأمريكي؛ أن تدعم شعوباً وأن تحقق تنمية مستقلة تؤمن ديمقراطية وتؤمن تطوراً متوازناً ومستقلاً، هذا لا يوجد في القاموس الأمريكي. في الاتجاه العام، الولايات المتحدة الأمريكية لا توجد في مشروعها محاربة جدّية للإرهاب بالمعنى الاقتصادي- الاجتماعي، بالمعنى السياسي، بمعنى تنمية المجتمعات لكي تتخلص من جميع البنى المتطرفة، وبالتالي يمكنني أن أقول إن ما سقط قبل أيام في أفغانستان ليس كابول، سقطت منظومة كاملة من المفاهيم التي فرضت على الوعي الاجتماعي العالمي منذ عشرين عاماً، الحرب على الإرهاب، فمن ليس معنا فهو ضدنا، نشر الديمقراطية- نشر قيم العالم الحر تبين أنها كلها لم يتحقق منها شيء، تبين أننا عدنا إلى المربع الأول، تبين أن سبب الحرب عاد إلى السلطة، سبب الحرب كان إزاحة طالبان هكذا كان المفروض، طالبان عادت إلى السلطة، بمعنى كل البروباغندا التي سوقت على مدى هذه الأعوام لم تتحقق وسقط أيضاً معها شيء آخر هي تلك القوى التي تعتمد على الأمريكي في إدارة بنيتها، بالنهاية الرئيس المكلف والمفوض أشرف غني وقبله حامد كرزاي هم مجرد موظفين حملوا ممتلكاتهم وثرواتهم ولجأوا إلى دول أخرى، وما سقط أيضاً هو نموذج تلك الدولة التابعة التي تهيئ الطريق للغزاة، هؤلاء الطُغاة في دول المنطقة هذه الأنظمة التابعة بالمعنى الاقتصادي- الاجتماعي والدكتاتورية بمعنى الحريات السياسية تهيئ الطريق للغزاة الأمريكان وغير الأمريكان لكي يتدخلوا بشؤون بلدانهم، أستنتج وأقول من كل ما سبق إن ما جرى يضع أمام شعوبنا- أمام بلداننا- أمام حركاتنا الجادة التي تريد الخروج من هذا المأزق التاريخي التي تمر به المنطقة من سورية إلى أفغانستان إلى شمال إفريقيا ليس أمامهم إلا العمل من أجل التغيير الوطني ديمقراطي، وأشدد هنا على كلمة وطني- ديمقراطي لكي تستطيع الخروج من أزماتها لا بالاعتماد على الأمريكي ولا بالتدخل الخارجي. من جملة ما سقط- سقط مفهوم تغيير الأنظمة من الخارج، ها هو النظام يعود في أفغانستان وليس غيرها التي بدأت منها عملية إسقاط الأنظمة من الخارج بحجة إشاعة الديمقراطية هذه المنظومة سقطت هذه المقولة سقطت، إذاً ليس أمام الشعوب والقوى الحية في هذه البلدان وهذه الشعوب سوى النضال من أجل التغيير الوطني- الديمقراطي- الجذري والشامل الذي ينهي أنظمة التبعية وأنظمة القمع في سورية ولبنان والعراق وإيران وكل ما يسمونه قوس التوتر، يجب على المنطقة أن تعمل من أجل تغيير من هذا النوع، تغيير لصالح شعوب المنطقة وليس لصالح أحد آخر.

الفوضى هي المشروع الأمريكي الوحيد

السبب العميق والجوهري لعملية الانسحاب الأمريكي لا يتعلق بأفغانستان فقط، بل هناك عملية انكفاء وتراجع على المستوى العالمي. يجب أن ندرك هذه الحقيقة، لأن الولايات المتحدة الأمريكية لم تعد قادرة على التحكم والاستفراد بالقرار العالمي كما السابق، هناك قوى دولية صاعدة جديدة تضع أوراقها على الطاولة، وبالتالي دون أن ننطلق من هذه الحقيقة جميع التحليلات الأخرى أعتقد أنها ستكون خاطئة. هناك تراجع أمريكي، هذا التراجع يتجلى بأشكال مختلفة؛ يتجلى في كل دولة وفي كل منطقة في العالم بأشكال مختلفة. المستهدف هو الصين، وأعتقد أن الولايات المتحدة بهذه العملية تعمل على إثارة الفوضى، وفي كل مكان تنسحب تحاول أن تترك وراءها فوضى، هذه السمة عامةٌ في السلوك الأمريكي؛ هكذا فعلت في الشمال السوري في رأس العين وتل أبيض، وهكذا فعلت في العراق عندما انسحبت تمدد الإرهاب الداعشي بطريقة لافتة للنظر، وهكذا حدث في أفغانستان. وكل أمر يتكرر يعني أن له قانوناً ينظمه... ليست صدفة، الصدفة تحدث في مكان أو مكانيين ولكن عندما تتكرر هذه الصدف يعني أن هنالك قانوناً، يعني أن الفوضى بالذات هي إحدى مكونات المشروع الأمريكي. لماذا الفوضى في أفغانستان تحديداً؟ لإثارة الاضطرابات والقلاقل في تخوم الصين وفي تخوم روسيا. هناك المعجزة الصينية التي يعجز الأمريكان حتى الآن عن مواجهتها، النمو الصيني الذي من المتوقع أن يصل عام 2024 إلى 28% من الناتج العالمي في حين أن المساهمة الأمريكية ستنزل إلى 9%، هذه العملية بالذات هي ما يقض مضاجع الأمريكان، وبالتالي يحاولون إثارة فوضى وقلاقل في محيط أهم خصمين مفترضين يمكن أن يشكلا قطباً على المستوى العالمي «الصين وروسيا»، التخوم الأوراسية، التكتل الأوراسي، يجب أن يكون منهكاً والصين يجب أن تكون منهكة. ربما أن أفغانستان وما حدث فيها قاعدة لتنفيذ هذه العملية لإثارة الفوضى في تلك المنطقة.

المسألة الكردية في سورية

الاتجاه الانسحابي هو اتجاه ثابت عند الأمريكان، ولكن أعتقد أن الأمريكان ربما تريثوا قليلاً فيما يخص الوضع السوري والعراقي. ليس أمامنا وقت طويل طبعاً، الانسحاب آتٍ آتٍ، والجغرافية السياسية لا تتغير والمسألة الكردية في سورية هي جزء من المسألة الوطنية السوريّة، يجب أن تحل ضمن هذا الإطار، أي إنه لا يمكن حل الوضع في سورية دون حل المسألة الكردية، ولا يمكن حل المسألة الكردية في سورية دون حل الأزمة الوطنية عامةً، ومن هنا فإن أمام الكرد والقوى الوطنية الديمقراطية الكردية حلّاً واحداً وحيداً هو العمل مع القوى الوطنية الديمقراطية السورية من أجل تنفيذ القرار 2254، وصولاً إلى الحل السياسي والتغيير الوطني الديمقراطي الجذري والشامل الذي سيحل جميع الإشكالات في سورية بما فيها المشكلة الكردية.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1032
آخر تعديل على الإثنين, 23 آب/أغسطس 2021 23:28