افتتاحية قاسيون 1032: الحركة الشعبية و2254

افتتاحية قاسيون 1032: الحركة الشعبية و2254

«الحراك الشعبي هو ظاهرة موضوعية إيجابية تعبر في العمق عن حاجات المجتمع ومتطلباته، وهو ما كانَ ليظهر بهذه الحدة أحياناً لولا التأخر والتقصير والمكابرة بالاعتراف بحجم المشكلات المتراكمة».

هذا ما قلناه في بلاغ صدر عن رئاسة اللجنة الوطنية لوحدة الشيوعيين السوريين (حزب الإرادة الشعبية لاحقاً) بتاريخ 16 نيسان 2011، ولا يزال هذا القول صحيحاً رغم كل ما جرى.

 فمجمل العمليات السلبية التي صاحبت التدخل الخارجي والقمع الداخلي والتسلح والإرهاب وعمليات قَسم المنهوبين السوريين وتوزيعهم على المتاريس قبالة بعضهم البعض لمصلحة المتشددين وتجار الحرب من الطرفين، ولمصلحة الأعداء التاريخيين لسورية وللشعب السوري، كلّ ذلك، لم يغيّر من حقيقة أنّ الحركة الشعبية التي انطلقت عام 2011 لم تكن في جوهرها إلا تعبيراً عن أزمة وطنية عميقة لا تحل بغير تغيير وطني جذري شامل، اقتصادي- اجتماعي ديمقراطي، يصب في مصلحة الأغلبية المفقّرة من السوريين.

 وإذا كانت مجمل العمليات السلبية قد أوصلت البلاد إلى حالة تقسيم أمرٍ واقع، وإلى انهيارات اقتصادية واجتماعية كارثية، وإلى حافة انهيارٍ شامل، فإنّ الدور المهم الذي أداه ويؤديه التوازن الدولي الجديد، عبر محاربة الإرهاب، وعبر صياغة 2254 وعبر أستانا وغيرها، إنما يتكثف بمنع انهيار البلاد ومنع تقسيمها وفتح الباب لاستعادة وحدتها وسيادتها وإخراج القوى الأجنبية منها وعلى رأسها الصهيوني.

 ولكنّ هذه المهمات بأسرها، ليست سوى المدخل نحو استقرار حقيقي لا يمكن أن يتحقق دون حل المهمة الأساسية التي انطلقت الحركة الشعبية لتحقيقها، أي مهمة التغيير الجذري الشامل، وهي المهمة التي لا يمكن لأحد أن ينوب في تحقيقها عن الحركة الشعبية نفسها، ولكن بعد أن ازداد نضجها ودفعت أثماناً غالية جداً مقابل ذلك.

 إنّ حالة الرفض التي يتشارك بها معظم السوريين لمختلف أنواع التمثيلات السياسية الموالية ونصف الموالية ونصف المعارضة والمعارضة الحاضرة على الساحة، والتي يراها البعض أمراً سلبياً، هي على العكس من ذلك تماماً؛ تعبير عن درجة أعلى من النضج لم تعد تنفع معها الأكاذيب القديمة، ولم يعد من السهل تضليلها بأكاذيب جديدة. وحالة الرفض هذه بدأت بالتعبير عن نفسها مجدداً، وبوتائر متصاعدة، وبأشكالٍ أكثر غنىً وتنوعاً وتعقيداً مما كان الأمر عليه عام 2011.

 والحركة الشعبية كظاهرة تاريخية، لا تنتهي دون تحقيق مهامها، هذا ما أثبتته تجارب التاريخ، وما تثبته تجارب الحاضر في كل مكان جرى فيه خداع الحركة بطورها الأول عبر تغييرات شكلية، وبدأت بالعودة مجدداً لاستكمال عملية التغيير المطلوبة.

 إنّ تحقيق مهام التغيير يصبح ممكناً فقط حين تتحول الحركة من «نشاطٍ سياسيٍ عالٍ» إلى «نشاطٍ سياسيٍ عالٍ ومنظم». وفي الخصوصية السورية، فإنّ الوظيفة المباشرة للتنفيذ الكامل للقرار 2254 باتت تتلخص في مسألتين:

 أولاً: تنفيذ القرار هو الإنجاز المكافئ للتضحيات التي بذلتها الحركة الشعبية السورية بأشكالها المختلفة في طورها الأول، وسواءٌ صنفها المتشددون تحت يافطات «الموالاة» أو يافطات «المعارضة».

 ثانياً: إزالة التدخلات السلبية المختلفة التي قطعت وشوّهت تطور الحركة خلال السنوات الماضية، مع احتفاظ الحركة في ذاكرتها بالدروس الثمينة التي تعلّمتها، لتتابع الطريق من أعلى منصة معرفية وصلت إليها.

 وبكلمة، فإنّ التنفيذ الكامل للقرار 2254 سيكون شارة البداية لانطلاقة جديدة أقوى وأكثر انتظاماً لحركة شعبية تحث الخطى نحو بناء سورية جديدة، قوية وعادلة، وتليق بتضحيات وتاريخ أبنائها، ويليقون لها!

 (النسخة الإنكليزية)

معلومات إضافية

العدد رقم:
1032
آخر تعديل على الأحد, 22 آب/أغسطس 2021 21:23