مخاوف الكيان الصهيوني وهو يراقب أفغانستان.. قراءة في الصحف «الإسرائيلية»...
ريم عيسى ريم عيسى

مخاوف الكيان الصهيوني وهو يراقب أفغانستان.. قراءة في الصحف «الإسرائيلية»...

مرّ ما يقرب من أسبوع منذ أن شاهد العالم الأحداث تتكشف وتتسارع حول ما سمي بـ «الانسحاب المفاجئ» للولايات المتحدة من أفغانستان. ولم يكن مفاجئاً أنّ تداعيات تلك الأحداث سُمعت بصوت أكبر وأعلى خارج حدود أفغانستان مما سُمعت في أفغانستان نفسها. في أجزاء واسعة من العالم، وبالتأكيد في منطقتنا، توالدت الأسئلة الأساسية نفسها، وبشكل خاص على ألسنة «حلفاء» واشنطن (المعلنين منهم وغير المعلنين): هل سيأتي دورنا؟ - متى سيأتي دورنا وكيف؟ - ما الذي علينا فعله تحسباً للأمر؟

تمت مناقشة هذه الأسئلة وغيرها في مقال نُشر في موقع قاسيون الإلكتروني يوم الجمعة الماضي بعنوان: «10 أسئلة تطرحها أفغانستان على العالم ومنطقتنا وبلدنا». وهنا سنركز فقط على الأسئلة الأفغانية المرئية بعدسة الكيان الصهيوني، وتحديداً في وسائل إعلامه.
في حين أن الإعلام «الإسرائيلي» لم يطرح الأسئلة المذكورة أعلاه بهذا الوضوح الشديد، لكن من الواضح أنها أسئلة يتم التفكير بها ضمناً في محاولة لمعرفة الإجابات ومعرفة الخطوات التالية المفترضة، خاصة أن الكيان ليس أيّ حليف للولايات المتحدة من جهة، ومن الجهة الثانية فإنّ «دائرة الانسحابات المتوقعة»، إنْ جازت التسمية، تشمله ضمناً.
استناداً إلى عدد من المقالات من وسائل إعلام عبرية مختلفة، نُشرت بين 15 و20 آب الحالي، (سنضع في نهاية النسخة الإلكترونية من المادة روابط لـ11 مادة أشرنا إلى بعضها في السياق وأخرى لم نشر لها لكنها تدور في الفلك نفسه)، يمكن تلخيص المخاوف الملحة والأكثر تكراراً على النحو التالي:

«لا يمكننا الاعتماد على الولايات المتحدة»

ربما يكون هذا هو العنوان الأبرز في غالبية المقالات، سواء أكان صريحاً أو ضمنياً؛ كتكرار القول إنّ هنالك حاجة للاستعداد لـ«خوض الحرب بمفردك»...
في مقال في جريدة معاريف حول مقابلة مع عاموس يدلين، وهو جنرال سابق في سلاح الجو «الإسرائيلي» ورئيس سابق لشعبة المخابرات العسكرية المعروفة اختصاراً (آمان)، تمحور السؤال الرئيسي حول ما إذا كان فك الارتباط الأمريكي مع الشرق الأوسط سيلحق الضرر بـ «إسرائيل»، وذلك في ظل ما شهده العالم في أفغانستان. لا يقدم المقال رداً مباشراً على السؤال، لكن عبارات واقتباسات في مختلف فقرات المقال تشير إلى أن «إسرائيل» لا تشعر فقط أن الولايات المتحدة يمكن أن تدير ظهرها لها، ولكن عليها أيضاً التفكير في كيفية التعامل مع ذلك. فيما يتعلق بسؤال حول القدرة النووية الإيرانية، يقول يدلين: «سيكون من الجيد جداً ألا تقف إسرائيل بمفردها في مقدمة المسرح... يجب على إسرائيل أولاً وقبل كل شيء، الحفاظ على خيارها المستقل، ولكن يجب أن يكون الملاذ الأخير».
ويضيف: «لم نطلب قط من الأمريكيين أن يكونوا هنا لحمايتنا. لذا حتى لو غادروا، فلن يتغير شيء... ما حدث لأفغانستان لن يحدث لإسرائيل. هل ضعف الولايات المتحدة مفيد لإسرائيل؟ لا. عندما تعلن الولايات المتحدة أنها تفك الارتباط مع الشرق الأوسط، فهذا ليس في صالح إسرائيل. لكننا لسنا في وضع أفغاني، نحن دولة قوية، لدينا تحالف مع الولايات المتحدة، هي تساعدنا ونساعدها، لكنها لا تقاتل من أجلنا. ولن يتخذ الأمريكي قراراً أحادي الجانب بأن يتركنا وشأننا».
التناقضات في هذه الفقرة لافتة للنظر؛ فالكاتب يبدأ بالطمأنة إلى أن رحيل الولايات المتحدة لن يغيّر شيئاً، وينتهي إلى قول عكس الكلام في نهاية الفقرة!
وفي مقال آخر نُشر على موقع «Israel Defense Magazine»، يذكر الكاتب منذ البداية أن «الفشل في أفغانستان هو أحدث مسمار في نعش عملية دفع الولايات المتحدة إلى تقليص تدخلها العسكري في الشرق الأوسط. الاعتماد على الولايات المتحدة كرادع قد يكون هشاً».
لا يصعب التقاط المعنى الضمني من طريقة الصياغة؛ فتصوير المسألة وكأنما الولايات المتحدة مدفوعة دفعاً لتقليص تدخلها في الشرق الأوسط، يعبر عن أمرين معاً: الأول هو المراهنة أو الضغط باتجاه أنّ هذا الموقف وهذا السلوك ليس سلوك الولايات المتحدة، مما يعني أنه يمكن تعديله (خاصة أنّ المسمار في النعش هو الأحدث حسب الكاتب وليس الأخير)، والثاني هو أنّ ذلك الدفع- إنْ كان لا يعبر عن إرادة الولايات المتحدة كما يضمّن الكاتب- فإنّه يأتي من إدارة بايدن، وليس من الولايات المتحدة التي باتت في مخيلة الكاتب فكرةً أكثر منها واقعاً ملموساً بإدارة محددة وسياسات محددة...
ويوضح الكاتب مغازيه أكثر حين يرد الانسحاب من أفغانستان إلى صعود الاتجاه الانعزالي الذي يقف ضد التدخل العسكري في دول أخرى في حين أن الاتجاه الآخر، التدخلي، الداعم لمثل هذا التدخل آخذ في التراجع.
ويمضي الكاتب أبعد من ذلك في نقاش الانقسام الداخلي الأمريكي مؤكداً أن الأسباب التي أدت إلى انسحاب الولايات المتحدة من المنطقة، تشير أيضاً إلى أن «أهمية إسرائيل الإستراتيجية في تراجع دراماتيكي» و«قوة اليهود في الولايات المتحدة كمؤثرين لمصلحة إسرائيل تفقد الزخم، وحتى بين اليهود أنفسهم أصبحت إسرائيل قضية خلافية».
ويضيف الكاتب: «حلف الولايات المتحدة ما بعد أفغانستان، يبتعد عن التدخل في الشرق الأوسط، وعلى الأقل في أحد السيناريوهات، فإن دعمه لإسرائيل غير واضح. في الواقع، حتى في حال حصل هجوم إيراني على إسرائيل، من الصعب توقع رد أمريكي».
يكرر مقال نشر في صحيفة «Israel Hayom» (إسرائيل هيوم)، الوصفة نفسها، فتحمّل الكاتبة بايدن وحده المسؤولية الكاملة عن الأحداث الجارية في أفغانستان، وهو ما يدخل في إطار ما سبق أن تناولناه من التعامل مع ولايات متحدة متخيّلة مجردة هرباً من الاعتراف بالوقائع الجديدة.

«إسرائيل» تطالب باستقلالها!

لعل من سخرية القدر، ومن فضائل الانكفاء الأمريكي، أن نسمع كتاباً من كيانٍ استعماري يحتل أرض الآخرين، يرفعون أصواتهم مطالبين باستقلالهم هم عن الولايات المتحدة!...
طبعاً تأتي هذه المطالبات ضمن ضرورات «الاعتماد على الذات»، في ظل الغياب المتوقع للراعي الرسمي، ولكن مع ذلك فهو أمر لا يخلو من حقيقةٍ ليس هنا مجال دراستها، وهي حقيقة أنّ الكيان الصهيوني يمثل بطريقة ما استعماراً مضاعفاً، بوصفه استيطاناً مباشراً على الأرض مع ما يرافق هذا الشكل من الاستعمار، وبوصفه قاعدة متقدمة لمركز النهب والبلطجة الدولية من جهة ثانية...
بالعودة إلى الموضوع، نقتبس من صحفي يتساءل سؤالاً استنكارياً: «كمْ يجب على إسرائيل أن تواصل سعيها من أجل الاستقلال التام في كل ما يتعلق بإستراتيجيتها في الميدان؟». هذا التساؤل ظهر في مقال نشر على موقع «مكور ريشون»، اختتمه كاتبه بسؤال ذي طابع أكثر ملحمية: «هل يوجد ضوء في نهاية هذا النفق؟»، في إشارة إلى تداعيات ضعف الوجود الأمريكي في المنطقة.
في تغريدة له، يقول آرثر لينك، وهو دبلوماسي «إسرائيلي» سابق: «الولايات المتحدة هي أقرب حليف لنا. لقد كانوا هنا من أجل إسرائيل مراراً وتكراراً على مر السنين. لكن الأحداث المروّعة في أفغانستان يجب أن تكون درساً صعباً ومخيفاً حول تغيير المصالح والحسابات الباردة والصعبة. بشكل خطير، في عام 2021، أصبح الاعتماد على الذات أكثر أهمية من أي وقت مضى».
ثم يلحق تغريدته بتغريدة متابعة، يقول فيها تغريدته التالية: «لكن الاعتماد على الذات لا يعني أن تفعل أي شيء تريده. هذا لا يعني أن إسرائيل وحدها بلا أصدقاء. [إسرائيل] بحاجة إلى حماية الشراكات والعلاقات والتحالفات والسمعة، ولكن يجب أن يكون لديك خطة ليوم ماطر حيث قد يفشل كل ما سبق».

1032-28

«كيف سنتعامل مع إيران؟»

القلق من أن الولايات المتحدة لا يمكن الاعتماد عليها وضرورة الاستعداد لانكفائها، تتم مناقشته بصورة دائمة تقريباً في سياق «التهديد الإيراني».
بالإشارة إلى مقال «Israel Defense Magazine» أعلاه، يتضح القلق بشأن إيران ابتداءً من العنوان: «بعد التخلي عن أفغانستان، لا يمكن لإسرائيل أن تثق في الولايات المتحدة في المواجهة مع إيران». ويشير الكاتب إلى أن: «مسألة المواجهة المباشرة بين إسرائيل وإيران ذات أهمية خاصة، حيث تم بناء الجيش الإسرائيلي في السنوات الأخيرة على أساس أنه يواجه واقع قتال منخفض الحدة مع قوات حرب العصابات. وسيكفي هجوم صاروخي ليدمر البنية التحتية ويوقف الاقتصاد لعدة أشهر».
ومن المثير للاهتمام أن مقالاً آخر نُشر أيضاً في صحيفة «Israel Hayom» ركز على العداء ونقاط الاختلاف بين طالبان وإيران. يقترح الكاتب أنه: «ليس من غير المعقول أن تحاول إسرائيل، من خلال شراكاتها الخليجية، التأثير بشكل غير مباشر على طالبان- وتأسيس وجودها الخاص في أفغانستان» و«قد تستخدم قطر، الدولة التي استضافت المحادثات التي سعت فيها إلى التوصل إلى تسوية سياسية بين طالبان والحكومة الأفغانية... من أجل خلق طرق تؤدي إلى أفغانستان تحت سيطرة طالبان».

«ماذا عن فلسطين نفسها»؟

إذا كانت الهواجس «الإسرائيلية» اتجاه إيران والمنطقة الأوسع واضحة، فمن باب أولى أن تكون هواجسها على الأرض التي تحتلها مباشرة هي الهواجس الأكثر عصفاً، والحقيقة أنّ الأمر كذلك فعلاً...
فكما هو واضحٌ في عدة مقالات قرأناها، فإن البحث عن تداعيات الحدث الأفغاني على الأرض الفلسطينية، كان محل اهتمام أساسي، في محاولة للتنبؤ بما يمكن أن يحدث واستباقه.
وبحسب مقال في صحيفة «Israel Hayom»، حاولت الولايات المتحدة في عام 2013 إقناع «إسرائيل» بتقليد النموذج الأفغاني، ثم عرض وزير الخارجية جون كيري اصطحاب رئيس الوزراء «الإسرائيلي» آنذاك بنيامين نتنياهو إلى أفغانستان في زيارة لتوضيح ما حققته الولايات المتحدة مع الجيش الأفغاني في محاولة لإقناعه بقدرة الولايات المتحدة على تدريب قوات الأمن الفلسطينية على تحمل حماية أجزاء معينة من الأراضي المحتلة.
وفي مقال آخر في الصحيفة نفسها، يقول الكاتب: «بما يخص المليارات التي يتم ضخها على السلطة الفلسطينية دون تحكم، وأموال المساعدات لحماس في غزة. يبرز السؤال المركزي- كيف ندير بشكل صحيح بناء المؤسسات في بلد من المفترض أن يصبح مستقلاً، بحيث لا ينتهي إلى الإرهاب والمأساة؟».
يعبّر السؤال، ورغم ما يحتويه من بروباغاندا معروفة، على تخوف فعلي على الخلفية الأفغانية، من أنّ كل تلك «التحصينات» و«التمكينات» و«التدريبات» و«عمليات التسليح» التي دعمتها الولايات المتحدة بوصفها عوامل طمأنينة واستقرار، هي الآن ذاتها، عوامل قلق... بما في ذلك قوى «التنسيق الأمني»، سواء عبر وصولها إلى حالة عجز عن قمع الفلسطينيين، أو ببساطة انهيارها وانقسامها...

آثار اقتصادية مباشرة

لم يكن موضوع الآثار الاقتصادية المباشرة للحدث الأفغاني على الكيان، موضوعاً شائع النقاش خلال الأسبوع الماضي، ولم يحصل على تغطية كبيرة، إما بسبب وجود شهية أكبر للجوانب الأمنية والسياسية، أو لعدم وجود الكثير من المعلومات التفصيلية حول القضايا الاقتصادية «الإسرائيلية» الخاصة بأفغانستان، خاصة أنّ قسماً مهماً منها على ما يبدو ذو طابع استخباري...
تطرق مقال في صحيفة الأعمال «الإسرائيلية»، (كالكاليست) إلى هذا الموضوع. وبحسب المقال، «تشير التقديرات إلى أن الولايات المتحدة وحلفاءها قد اشتروا أكثر من مليار دولار من المعدات الإسرائيلية للمعركة الطويلة ضد طالبان، وأن العلاقات التي أقيمت بينهم وبين الصناعات الإسرائيلية فتحت الباب أمام المزيد من الصفقات التي تم توقيعها بالفعل وسيتم توقيعها». وهذا يعني، كما يشير المقال، أن انسحاب الولايات المتحدة من أفغانستان له «تداعيات على صناعة الدفاع الإسرائيلية»، حيث إن «هذه هي نهاية الحرب التي وفرت لها قدراً كبيراً من العمل في السنوات العشرين الماضية».
قامت العديد من الدول المشاركة في الحرب على أفغانستان بشراء أو استئجار معدات عسكرية «إسرائيلية» بشكل متزايد، ومع ذلك جاء أيضاً تعيين خبراء «إسرائيليين» قدموا التدريب بالإضافة إلى الدعم عن بُعد لاستخدام المعدات المشتراة أو المستأجرة. وكان من بين العملاء الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وكندا وألمانيا والسويد وبولندا وهولندا وإسبانيا.

روابط مقالات تم استخدامها، وأخرى مرتبطة بالموضوع، مع تواريخ نشرها:

After the withdrawal from Afghanistan: Will the US disengagement from the Middle East harm Israel? (20 August 2021)

And thanks to the Taliban: Israel’s arms business in Afghanistan (20 August 2021)

His truth, our danger (19 August 2021)

Following the abandonment of Afghanistan, Israel cannot trust the US in the confrontation with Iran (18 August 2021)

Netanyahu: “Kerry’s message was clear, ‘Afghanistan model’ also in the Palestinian issue” (18 August 2021)

Kerry to Netanyahu in 2013: “You will learn from our conduct in Afghanistan” (17 August 2021)

Afghanistan is here (17 August 2021)

The American weakness in Afghanistan will cost Israel dearly (16 August 2021)

Israel may try to influence what is happening in Afghanistan (15 August 2021)

The collapse of the Afghan army: Israel is trying to prevent embarrassment from Washington (15 August 2021)

Afghanistan debacle message for US allies, including Israel (15 August 2021)

 

(النسخة الانكليزية)

معلومات إضافية

العدد رقم:
1032
آخر تعديل على الأربعاء, 25 آب/أغسطس 2021 00:05