هل اختفت اللجنة الدستورية؟
سعد صائب سعد صائب

هل اختفت اللجنة الدستورية؟

هدأت الأمور نسبياً في درعا، ولكن الأزمة لم تنته بعد، وما يزال ألوف من المدنيين يعانون من أوضاع إنسانية كارثية بكل الأبعاد في حي درعا البلد، وما تزال تجري عمليات قصف واشتباكات متفرقة، وإنْ كان حجمها وكثافتها لا يتعديان مستويات محددة.

في سياق التعاطي السياسي مع الحدث، يظهر كالعادة اتجاهان متناقضان شكلياً ومتفقان في الغايات؛ فمن جهة متشددي النظام، تتسيد لغة الحسم على ما سواها، ويترافق ذلك مع غياب أي حديث عن الحل السياسي وحتى عن اللجنة الدستورية، أو ما يسميه الإعلام الرسمي «لجنة مناقشة الدستور».
ومن جهة متشددي المعارضة، وتحت شعارات «نصرة درعا»، نسمع دعوات بالجملة لحل اللجنة الدستورية و«إيقاف العملية السياسية»! وكأن هنالك عملية سياسية جارية بحق، وكأن إيقاف تلك العملية المفترضة سيشكل حلاً ومنقذاً للمدنيين... والحق أنّ لعبة تبادل الكرة بين متشددي الطرفين ما تزال على حالها منذ سنوات، مع فارق مهم، هو أنّ قدرة هذه اللعبة على التأثير في المجرى العام للأمور باتت أضعف من السابق بكثير.
إنّ ما جرى ويجري في درعا، وكذلك ما جرى ويجري على كامل مساحة سورية، وخاصة الأوضاع الاقتصادية الاجتماعية الكارثية التي يعيشها أكثر من 90% من السوريين، كل ذلك يعيد التأكيد على الحقائق التالية
أولاً: ليس هنالك من حل حقيقي لأية مشكلة أمنية أو اقتصادية أو اجتماعية، كبيرة أو صغيرة، دون حل سياسي شامل يعيد توحيد البلاد ضمن نظام سياسي جديد يبنيه السوريون بالتوافق فيما بينهم، وانطلاقاً من التنفيذ الكامل للقرار 2254.
ثانياً: البنى التي يسيطر عليها المتشددون، تمت عملية مواءمتها مع مصالح المسيطرين عليها خلال سنوات متعاقبة، وباتت معادية مصلحياً للحل السياسي، ومسهمة في تعميق الأزمة، وفي اختلاق وافتعال وتوليد أزمات جديدة، غرضها منع الوصول إلى الحل، وهذا ما نراه في السلوك المتطابق لمتشددي الطرفين أمام كل مفصل جديد.
ثالثاً: إنّ «اختفاء» اللجنة الدستورية من واجهة الحدث خلال الأشهر الماضية، وإنْ كان يبدو بالنسبة للبعض اختفاءً وقتلاً للعملية السياسية نفسها، فإنه في حقيقة الأمر إعادة نظر شاملة في آليات تنفيذ تلك العملية، بما يسمح لها بالتحول إلى عملية مثمرة، ضمن سلة واحدة متكاملة لتنفيذ القرار.
تجري هذه الأحداث كلها على خلفية استمرار الانسحاب الأمريكي من منطقتنا، والدرس الذي ينبغي أن نتعلمه كسوريين من طريقة الانسحاب الأمريكي من أفغانستان، والذي صمم بحيث يفجرها مجدداً ويحولها إلى بؤرة صراع إقليمي ودولي تستنزف البلد نفسه وخصوم واشنطن الدوليين، هو أنه علينا كسوريين أن نتجهز بأسرع وقت لسيناريوهات أمريكية مشابهة- من حيث الغايات- في سورية.
وقد سبق أنْ قلنا إنّ الأمريكي لن ينسحب دون ترك «مسمار جحا»، وهو يحاول تحضير ذلك ضمن حدود ما من التوافق مع الصهيوني بشكل خاص، والذي بات تناقضه مع التوازن الدولي الجديد أكثر وضوحاً خلال الفترة الأخيرة.
هذا كلّه يفرض على الوطنيين السوريين أن يقربوا صفوفهم وأن يتجهزوا لنضال شاق وطويل ليس للدخول في تنفيذ 2254 فحسب، بل وبعد بداية تنفيذه بالذات، ولسنوات لاحقة، وذلك لاقتلاع الألغام الأمريكية- الصهيونية، ولإعادة توحيد البلاد وشعبها، ولتكريس التموضع الطبيعي للشعب السوري في مواجهة المشاريع الغربية والصهيونية...

معلومات إضافية

العدد رقم:
1031
آخر تعديل على الإثنين, 16 آب/أغسطس 2021 23:39