محكومون بالانتصار؟

محكومون بالانتصار؟

إنْ كان هنالك انتصارٌ يستحق هذه التسمية في سورية، فهو الانتصار الآتي؛ لأنّ «الانتصارات» الحالية التي يدّعيها متشددو النظام والمعارضة هي انتصارات مصالحهم الأنانية والضيقة، لا انتصارات سورية ولا انتصارات الشعب السوري، هي انتصاراتهم بأن تمكنوا- حتى الآن- من البقاء في مواقع النهب الاقتصادي، وفي مواقع التخريب السياسي، وذلك على أكتاف السوريين وجثامينهم وعذاباتهم المتعاظمة والمتفاقمة... وهي لذلك بالذات «انتصارات» من النوع الذي سرعان ما سيزول.

إنّ الانتصار الذي ينتظره ويسعى إليه الشعب السوري، لم يعد محصوراً في انتهاء أزمة جزئية هنا أو هناك، أمنية تارة ومعيشية تارة أخرى؛ بل إنّ النصر المنتظر بات سلة متكاملة تشمل إيقاف الانهيار وإيقاف حالة تقسيم الأمر الواقع، وإنهاء الوجود الأجنبي على أرض البلاد، وتشمل تحقيق التغيير الجذري الشامل اقتصادياً- اجتماعياً وسياسياً لمنظومة متعفنة بات استمرارها مكافئاً ليس لاستمرار الأزمة فحسب، بل ومكافئاً لوضع البلاد وأهلها على سكة الدمار الشامل.

تخبط السوريين بين الأمل بالخروج من الكارثة وبالتغيير وبين الإحباط، له أسبابه الموضوعية التي يمكن تكثيفها بأنّ التقدم نحو تنفيذ 2254 يمر عبر خط متعثر ومتقلب: خطوة إلى الوراء وخطوتان إلى الأمام؛ مع الخطوة إلى الوراء يأتي الإحباط، ومع الخطوتين إلى الأمام يأتي الأمل... ولكنْ حتى هذا الأمل يأتي حذراً، لأنّ الوضع المعيشي للناس يسير بطريقة أخرى: خطوة إلى الوراء ومن ثم خطوتان إلى الوراء، ومن ثم عشرة إلى الوراء وهكذا... الأمر الذي يغطي حتى على أي تقدم في نضوج ظروف الحل والتغيير ما دامت ثمار هذا التقدم غير ملموسة بعد.

حقيقة الأمر، أنّ التغييرات الجذرية في بلد مثل سورية، وضمن خصوصية تركيبة السلطة فيها، وخصوصية تموضعها الجغرافي السياسي، هي تغييرات تأتي بعد تراكمات كبيرة، ونتيجة حالة الإحباط واليأس التي يجري تعميمها سياسياً وإعلامياً، فإنها ستأتي مفاجئة إلى حد ما بالنسبة للكثيرين، وذلك رغم أنّ شروطها قد وصلت حداً كبيراً من التراكم... ولعل أبرز هذه الشروط، ابتداء من الخارج إلى الداخل، هي ما يلي:

• التراجع الأمريكي والغربي عموماً، والغرب هو الداعم الأول لاستمرار الفوضى الخلاقة في سورية، ولاستمرار تقسيم الأمر الواقع، وضمناً لاستمرار القوى المسيطرة في مناطق سورية المختلفة على ما هي عليه، لأنّ هذه هي الوصفة الأفضل نحو الانهيار الشامل.

• ضمن عمليات الانسحاب الأمريكي الاضطراري، فإنّ إمكانيات التوافق بين القوى الراغبة بالحل السياسي دولياً وإقليمياً ومحلياً تتسع بسرعة.

• تعمق التفاهمات الإقليمية وخاصة عبر إطار أستانا، وفي اتجاه معاكس للإرادة الغربية.

• تحوّل المنظومة السياسية السائدة في البلاد إلى منظومة للسيطرة والفساد وفقط؛ فجهاز الدولة على العموم له وظيفتان، إحداهما: القمع والأخرى هي: التنظيم والإدارة، وحين يفقد وظيفة التنظيم والإدارة وضمناً (الكهرباء والماء والغذاء والدواء وإلخ)، فإنّه يتحوّل إلى عالة على المجتمع بشكل مطلق.إنّ التوازن الدولي الجديد وإرادة الشعب السوري، وكذا التاريخ، كلها تقول: إنّ الشعب السوري محكوم بالانتصار، ولا خيار أمامه سوى الانتصار، وهذا الانتصار يتمثل بتغيير جذري شامل بابه هو 2254، ووصولاً إلى نظام جديد لسورية موحدة يعيش شعبها حياة كريمة وعزيزة في أرضه وأرض أجداده.

الشعب السوري ليس محكوماً بالأمل بالحل السياسي فحسب، بل ومحكوم بالانتصار عبر تنفيذ ذلك الحل، وهو ما سيجري، ولا إمكانية بالمعنى الموضوعي لتأجيله إلى سنوات أخرى إضافية!

(النسخة الإنكليزية)

معلومات إضافية

العدد رقم:
1030
آخر تعديل على الإثنين, 09 آب/أغسطس 2021 13:34