ليست مجرد مناورة... الشراكة الروسية الصينية تتعاظم

ليست مجرد مناورة... الشراكة الروسية الصينية تتعاظم

أكدت وزارة الدفاع الصينية مؤخراً: أن القوات المسلحة الروسية والصينية ستشارك في المناورات العسكرية الثنائية (زباد انتر أكشن 2021)، التي ستعقد في الصين في الفترة بين 9 و13 آب الجاري، حيث قال المتحدث باسم وزارة الدفاع الصينية، وو تشيان: إن البلدين توصلا إلى اتفاقٍ حول المناورة، وأنها ستتم في قاعدة تدريب تابعة لجيش التحرير الشعبي في منطقة نينغشيا ذاتية الحكم لقومية هوي شمال غربي الصين.

ستستضيف المناورات ما مجموعه أكثر من 10 آلاف جندي، وستشهد مشاركة عدد من الطائرات والمدفعية والمعدات المدرعة المختلفة، وتهدف إلى اختبار القدرات المشتركة والتحقق منها وزيادة فاعليتها في القيام بالاستطلاع المشترك والإنذار المبكر والهجوم الإلكتروني وقدرات الضربات المشتركة.

الهدف الأمريكي غير ممكن

لا شك أن تحسين القدرات العسكرية التكتيكية هو جانب مهم من الجوانب المشتركة بين الطرفين، ولكن الأهم من ذلك، أنه دليل واضح على الشراكة الاستراتيجية الأوسع نطاقاً الآخذة بالتصاعد بين الصين وروسيا، وهي الاستراتيجية القائمة على أهدافٍ عدة أهمها: كسر الهيمنة الأمريكية عالمياً. وفوق ذلك، فإن المناورة (الأولى في الصين منذ تفشي فيروس كورونا) هي رسالة حاسمة في وجه بعض النزعات الواهمة بإمكانية إحداث الشرخ في العلاقات الروسية الصينية.
وبهذا الصدد، ذكرت وزارة الدفاع الصينية: أن المناورات تهدف إلى «تدعيم وتطوير الشراكة والتنسيق الاستراتيجي الشامل بين الصين وروسيا في العصر الجديد»، و«تعميق التعاون العملي والصداقة القديمة بين الجيشين»، و«زيادة إظهار تصميم الجانبين وقدرتهما على محاربة القوى الإرهابية وحماية السلام والأمن الإقليميين بشكل مشترك». بينما أعربت وزارة الدفاع الروسية، عن استعداد روسيا لزيادة تعزيز التعاون العسكري والتعاون التكنولوجي- العسكري مع الصين، والحفاظ على الزخم القوي للتعاون الثنائي في المناورات والتدريبات المشتركة، والألعاب العسكرية، والتبادلات بين الأكاديميات العسكرية، وأكدت إنه «في وقت تتزايد فيه الشكوك بشأن الوضع الأمني الإقليمي، تولي روسيا اهتماماً وثيقاً للتطورات الجديدة في أفغانستان وآسيا الوسطى، وتولي أهمية كبيرة لموقف الصين بشأن القضية الأفغانية... لذلك روسيا مستعدة للتنسيق والتعاون مع الصين والدول الأخرى في المنطقة، لبذل جهود إيجابية لحماية السلام والاستقرار على الصعيد الإقليمي».
ويشير قيام الجيشين بنحو 30 تدريباً مشتركاً منذ عام 2003 إلى قدرٍ عالٍ من الزخم في العلاقات الاستراتيجية بين الجانبين. وهو ما أكده الملحق العسكري بالسفارة الصينية في روسيا، كوي يان وي، الذي كتب في الصحافة الروسية أن «الترادف الصيني الروسي أصبح ضماناً لا يتزعزع للعدالة العالمية، وقوة تقدمية تسهم في التنمية والرخاء العالميين، وستحمي بحزم الأمن والاستقرار العالميين».

لم تعد القدرات الأمريكية كالسابق

في الآونة الأخيرة، احتفلت الدولتان بالذكرى العشرين لمعاهدة حسن الجوار والتعاون الودي الصينية الروسية، حيث ذكر الرئيس فلاديمير بوتين وشي جين بينغ في بيانٍ مشترك: أن شراكتهما ليست «تحالفاً سياسياً» أو «عسكرياً» مثل تلك التي كانت قائمة في سنوات الحرب الباردة، بل هي شراكة «تتجاوز هذا الشكل من أشكال التفاعل بين الدول». وتعهد وزيرا الخارجية الصيني، وانغ يي، والروسي، سيرغي لافروف، بأن تواصل الدولتان «تعزيز التنسيق الاستراتيجي لتعزيز دعامة قوية للحفاظ على السلام والأمن العالميين».
يجري ذلك في وقتٍ تضطر فيه واشنطن للانسحاب من مناطق مختلفة حول العالم، من أجل التركيز على منطقة شرق آسيا. وأيضاً، في وقتٍ لم تعد قادرة فيه على الإنفاق دون حساب كما كان سائداً خلال الأعوام الماضية، حيث يمثل طلب بايدن لميزانية الدفاع لعام 2022 بمبلغ 715 مليار دولار أمريكي انخفاضاً غير معلن عن الميزانية السابقة، فـ«الزيادة» الشكلية التي تبلغ 11 مليار دولار لا تواكب عملية التضخم التي تصيب الاقتصاد الأمريكي. حيث خفض بايدن فعلياً 8 مليارات دولار من المشتريات، وعزز في المقابل البحث والتطوير على نطاق أوسع بمقدار 5,5 مليار دولار، في محاولة للحاق بالفجوة المتعاظمة التي باتت تفصل الولايات المتحدة في هذا المجال عن الخصمين الروسي والصيني.

رفع تكلفة التدخل

اليوم، غدت الصين وروسيا أقرب إلى بعضهما من أي وقت مضى، وتتطلعان إلى إظهار هذا القرب بنشاط في الوقت الذي يعالجان فيه القضايا الدولية معاً، بما في ذلك التهديدات التي يفرضها الوضع غير المستقر في أفغانستان على عموم آسيا الوسطى، وذلك نتيجة الطريقة التي تنسحب فيها الولايات المتحدة من المنطقة.
وفوق ذلك، ستتدرب القوات المسلحة الروسية وجيش التحرير الشعبي الصيني جنباً إلى جنب أيضاً خلال الشهر المقبل كجزء من مناورات بعثة السلام القادمة لعام 2021 تحت رعاية منظمة «شانغهاي» للتعاون، حيث سينصب تركيز هذه التدريبات على مكافحة الإرهاب، وستشمل أعضاء آخرين في منظمة شنغهاي للتعاون كالهند وكازاخستان وقرغيزستان وباكستان وطاجيكستان وأوزبكستان.
وهذا كله يساهم في رفع تكلفة التدخل الأمريكي في شرق آسيا بشكل كبير، حيث بات يتطلب تخصيص قوات ومعدات إضافية من أجل تنفيذ العمليات المطلوبة لتجاوز عقدة التعاون الروسي الصيني ومعهما منظمة شنغهاي، وهي مسألة حساسة بالنسبة لبلد يعيش في دَيْنٍ، ولا توجد لديه على الإطلاق أي آفاق لتخفيف عبء هذا الدَّين. وفي الوقت نفسه، فإن نقل العلاقات بين روسيا والصين إلى المستوى الجديد نوعياً الذي نراه اليوم لا يتطلب نفقات كبيرة إضافية من الجانبين، حيث أن التخطيط للتعاون العسكري كان قد بدأ منذ سنوات عديدة.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1030
آخر تعديل على الإثنين, 09 آب/أغسطس 2021 23:01