أليست سورية جزءاً من الحزام والطريق؟  إذاً لماذا تنسحبُ واشنطن؟
سعد صائب سعد صائب

أليست سورية جزءاً من الحزام والطريق؟ إذاً لماذا تنسحبُ واشنطن؟

تعليقاً على مادة لقاسيون في عددها الماضي، سألني أحد الأصدقاء السؤال التالي: «تربطون الانسحاب الأمريكي من سورية والعراق وأفغانستان ومنطقة الشرق الأوسط عموماً، بالسعي الأمريكي إلى تركيز القوى في مواجهة الصين. ولكن أليست هذه المناطق التي يجري الانسحاب منها، وسورية ضمناً، هي جزء من الدول التي تمر عبرها مبادرة الحزام والطريق الصينية، وهي المبادرة والمشروع الصيني الأكبر على الإطلاق؟ ألا يمكن لانسحاب الولايات المتحدة من هذه المناطق أن يسهّل على الصين استكمال مشروعها وبالتالي استكمال تفوقها الاقتصادي والسياسي؟»

بداية، لسنا الوحيدين الذين نربط بين الانسحابات الأمريكية من منطقتنا وبين مواجهة الصين؛ من الصحيح أننا قلنا هذا الأمر قبل سنوات عديدة على صفحات قاسيون، ولكن لسنا وحدنا الآن من يقول بذلك، بل الأمريكيون أنفسهم يقولونه صراحة ابتداءً من مراكز أبحاثهم وصولاً إلى صحفهم وإلى بايدن نفسه الذي عبّر صراحة خلال الشهر الماضي عن أنّ الانسحاب من أفغانستان هو للتركيز على المهمة الأساسية المتمثلة في مواجهة الصين.
بما يخص وجود سورية ضمن البلدان التي من المخطط أن يمر ضمنها الحزام والطريق، فهذا صحيح بالتأكيد، ولكن ما ينبغي وضعه إلى جانب هذه الحقيقة، هو الحقيقتان التاليتان:
أولاً: الدول التي باتت جزءاً من المشروع بشكل فعلي تجاوزت الـ70 دولة، وهذه متفاوتة الأحجام والأهمية بالمعنى الاقتصادي.
ثانياً: الدول التي تم توقيع عقود معها مرتبطة بمبادرة الحزام والطريق باتت قرابة 126 دولة.
بكلام آخر، فإننا إذا افترضنا أنّ مخطط الولايات المتحدة لإيقاف الحزام والطريق هو عبر الوجود العسكري في الدول التي سيمر عبرها، فهذا يعني تقريباً أنّ على الولايات المتحدة أن توزّع عسكرها على كل بلدان قارات العالم القديم الثلاث. وهذا سيكون خدمة كبرى للصين لأنّ تشتيت القوى المتراجعة أساساً، وتوسيع امتدادها الجغرافي هو بالذات الوصفة التاريخية المجربة مراراً وتكراراً لانهيار الإمبراطوريات الكبرى.

مشاريع الحاضر والمستقبل

جانب آخر ينبغي النظر إليه أيضاً خلال هذه المعالجة، هو أنّ محاولة الولايات المتحدة إيقاف التطور الصيني أو إعاقته، لا تتعلق بالحزام والطريق فحسب؛ فالصين قبل اكتمال هذا المشروع، وانطلاقاً من الواقع القائم، قد تجاوزت الولايات المتحدة بالمعنى الاقتصادي بشكل فعلي.
إذا أخذنا على سبيل المثال أحد المؤشرات الاقتصادية الكبرى المهمة، والتي لا يحلو للإعلام الغربي الحديث عنه، والمقصود هو مؤشرGDP PPP الناتج الإجمالي المحلي بتعادل القوة الشرائية، والذي يعبّر بشكل أدق من مؤشر الناتج المحلي الإجمالي، عن كم يعادل إنتاج بلد بعينه من بضائع ذلك البلد، فإننا سنجد أنّ اقتصاد الصين قد بات يمثل أكثر من مرة وربع من اقتصاد الولايات المتحدة منذ سنتين على الأقل...
كل هذا، يعني في العمق أنّ «المشكلة الصينية» التي تنتصب أمام الولايات المتحدة اليوم، إنما تكمن جذورها داخل الصين نفسها، في عمليات التصنيع المركز والزراعة والتنظيم العام، والمطلوب نسف هذه «المشكلة» من جذورها، لأنّ انتظار المستقبل وانتظار الوصول إلى الأوراق والثمر، يعني الموت المحقق من وجهة النظر الأمريكية.
ولذا فإنّ مشكلة الولايات المتحدة التي تحاول حلّها اليوم، هي مع نتائج الماضي الصيني القريب، والذي نراه اليوم حاضراً... «مصيبة» الولايات المتحدة، والتي لا يمكن لها التعامل معها بأية حال من الأحوال، هي حاضر الصين وتالياً مستقبلها...
لذا فإنّ حرب الولايات المتحدة التي تشنها على الصين اليوم، هي حرب المقصود منها النفاذ إلى جذور «المشكلة الصينية» في الداخل الصيني، وبالتالي مطلوب ضمن التراجع الاقتصادي العام للمنظومة الغربية التي تراجع إنتاج كبارها عبر عشرين عاماً من 65% من الناتج العالمي إلى ما دون 45%، مطلوب أن يتم تركيز القوى المتناقصة هذه على تخوم الصين مباشرة، والنفاذ إلى داخلها إن أمكن...
الملفات التي لا بد سنسمع ونرى ارتفاع حرارتها ضمن الآجال القريبة هي ملفات: هونغ كونغ، تايوان، التيبت، فيتنام، بحر الصين، «ملف حقوق الإنسان في الصين»، اليابان... إلخ.

(النسخة الإنكليزية)

معلومات إضافية

العدد رقم:
1028
آخر تعديل على الخميس, 29 تموز/يوليو 2021 20:20