ما هو أخطر أنواع العنف في سورية اليوم…؟
ريم عيسى ريم عيسى

ما هو أخطر أنواع العنف في سورية اليوم…؟

رغم مضي عشر سنوات، ما يزال «العنف» بأشكاله المختلفة العنوان الأبرز فيما يتعلق بتوصيف ما يحصل بحق الشعب السوري، حتى وإنْ أخذ ذلك العنف أشكالاً مختلفة خلال السنوات العشر الماضية، وإنْ تعددت الجهات التي تمارسه؛ حيث بات العنف أحد أهم الأدوات التي استخدمتها وما زالت تستخدمها القوى والجهات المختلفة لقمع الشعب السوري ومحاولة تقسيم سورية جغرافياً وبشرياً، وتعزيز وتعميق ذلك التقسيم بهدف إدامته وتثبيته وبالتالي تعميق الأزمة والسعي لجعل الوصول إلى حل سياسي شامل وقابل للتطبيق ضرباً من المستحيل.
ومع تغيّر القوى والجهات والظروف على كافة المستويات، تغيّرت أشكال العنف لضمان قدرة ذوي المصلحة على تحقيق أهدافهم ومصالحهم التي تتعارض مع مصالح الشعب السوري وتقف ضدها.

منذ بدايات الأزمة الراهنة في سورية، عالجت قاسيون أشكال العنف والعنف المضاد الذي تتعرض له سورية والشعب السوري، وتطرقت في معالجتها للموضوع إلى أبرز أنواع العنف وبينها: الاقتصادي والسياسي والفئوي والمدني والمسلح. وكان الهدف الرئيس من هذا التعداد هو التصدي لمحاولات بعض الجهات من هذا الطرف وذاك حصر العنف في نوع واحد وهو المعتاد والتقليدي في هذا النوع من الأزمات على وجه الخصوص في محاولة للتغطية على الأنواع الأخرى من العنف، بل والأهم لاستخدام الحديث عن العنف كمبرر وذريعة لمزيد من العنف المضاد...

مراجعة تاريخية سريعة… 2011

سنتطرق بشكل سريع ومقتضب إلى أشكال العنف المذكورة آنفاً كما عالجتها قاسيون في عام 2011 (يمكن العودة إلى المادة الأصلية بعنوان «العنف.. ومهمة إنقاذ سورية!» والتي نشرتها قاسيون في 29 نيسان 2011):
العنف الاقتصادي: وهو أصل كل الشرور وكل أشكال العنف الأخرى ويتسبب بموت عشرات الملايين حول العالم سنوياً من الجوع والمرض دون قطرة دم واحدة، وأشرنا أنه آنذاك كانت وصلت نسب الفقر المعلنة إلى 30% والبطالة إلى 11% والواقع بالتأكيد كان (وما يزال) أسوأ بكثير، وهذا العنف يمارسه أصحاب السطوة والفاسدون من خلال السياسات الليبرالية المتوحشة على الجزء الأعظم من الشعب والذي يتراكم لديه هذا النوع من العنف ويبقى كامناً وقابلاً للانفجار بكل الاتجاهات، وعلى الطريق يتساقط جزء كبير منهم نتيجة سوء الحال المتزايد.
العنف السياسي: وهذا يتمثل بمصادرة رأي الناس وإغلاق المنافذ الحرة التي تسمح لهم بالتعبير عن آرائهم في ظل قوانين عنيفة سياسياً أو عن طريق الالتفاف على الشرعية الدستورية والقانونية والتضييق على الأحزاب السياسية وتقييد قدرتها على ممارسة العمل السياسي والتي ينتج عنها انتصار قوى الفساد واستمرارها.
العنف الفئوي: ويتمثل هذا النوع من العنف من خلال التحاصص الذي في جوهره هو تحاصص طبقي يأخذ فيه ممثلو رأس المال والتجار الحصة الكبرى، ويتيح المجال لوصول الفاسدين الكبار إلى مواقع مفصلية في الدولة، وفي ذات الوقت يتم اللعب على خصوصية النسيج السوري لتبدو الأمور وكأنها لمصلحة فئات (طائفية أو قومية أو عشائرية أو غيرها) على حساب فئات أخرى، لأخذ الأمور نحو عنف متبادل بين الفئات، بينما في الواقع النسب المتضررة ضمن كل الفئات هي متقاربة جداً، والعنف الناتج عن هذه الممارسات يخدم مصلحة زعماء الفئات كلها والذين هم رساميلها الكبيرة وناهبوها الكبار.
العنف المدني: ويأتي هذا متمثلاً بالتهديد المباشر لمواطنية الإنسان وكرامته الشخصية من خلال كافة الممارسات التي تتجاوز حريات الناس الشخصية سواء في المؤسسات التعليمية وغيرها من مؤسسات الدولة التي تطغى عليها المحسوبيات وقانون الأحوال الشخصية وتطبيقاته، بالإضافة إلى ظواهر أخرى مثل التشبيح، والتي كلها تخدم الفساد الكبير وتتعدى على مواطنية المواطن وفاعليته الاجتماعية.
العنف المسلح: وهو أبسط أنواع العنف من حيث الشكل وأكثرها وضوحاً، وبينما هو عادة الوسيلة الأخيرة التي تستخدمها القوى المتحاربة لتظهر مدى قوتها، في الحالة السورية تم استخدامه منذ البداية ومن كافة الأطراف لتضييع البوصلة وإيقاف الحراك الشعبي الحقيقي لأن تطور ذلك الحراك ونضوجه ضمن الأطر الوطنية كان سيؤدي إلى محاسبة الفساد الكبير ومنع ذوي المصلحة من الطرف الآخر من القدرة على تحقيق هدفهم في الوصول إلى السلطة ليصبحوا هم الناهبين أو اقتسام النهب دون تغيير حقيقي في توزيع الثروة.

العنف خلال عشر سنوات، وأين وصل اليوم؟

استمرت أنواع العنف المذكورة آنفاً خلال السنوات العشر الماضية، وتطورت الوسائل التي استخدمتها قوى الأمر الواقع المتتالية والمتتابعة وفق الظروف والأدوات المتاحة في مناطق سيطرتها، وإن اختلفت الواجهات والخطابات والظروف، ولكن التداعيات السلبية على الغالبية العظمى من الشعب السوري، أي الأغلبية المنهوبة، لم تتغير بل ازدادت سوءاً.
ولتتمكن القوى المختلفة من مواصلة استخدام أنواع العنف المختلفة على الشعب، كان من الضروري لها وبالأخص وجودياً أن تستحدث نوعاً إضافياً من العنف، والذي كان أحد أهدافه أن يكون الأداة الأساسية في ضمان استمرار الأشكال الأخرى من العنف وزيادة حدتها وتعميقها وتوسيع نطاقها، ما يجعله أكثر خطورة وشمولية من أنواع العنف الأخرى.
يمكننا أن نسمي هذا النوع من العنف: «عنف إضاعة الوقت»، ويتمثل في ممارسات تهدف إلى تقويض وهدم أي شيء يمكن أن يصب في الوصول إلى حل للأزمة. ومن بين هذه الممارسات: المراوغات السياسية والمزاودات والخطابات المتشددة بل والعنتريات باسم «الثورة» تارة، وباسم «الوطن» تارة أخرى، وضمناً استخدام كافة الوسائل المتاحة سياسياً وإعلامياً ونفسياً وصولاً إلى محاولة اللعب على التوازنات الإقليمية والدولية لضمان وتبرير عدم تقديم أية تنازلات والتي هي جزء أساسي من التفاوض والحوار في سبيل الوصول إلى حل سياسي.
هذا النوع من العنف بدأ يظهر بوضوح كبير منذ أول انطلاقة رسمية لمسار التفاوض في 2014، ولكن يمكن تمييز ملامحه الأولية حتى في 2012 و2011.
وتطور هذا الشكل من العنف بالتوازي مع التطورات على الأرض، وكان وما يزال أخطر ما فيه أنه كان عاملاً أساسياً في إطالة الأزمة والتي أدت إلى زيادة آثار أنواع العنف الأخرى التي ذكرناها أعلاه، والتي نتج عنها تعميق الكارثة السورية بما في ذلك من زيادة في نسب الفقر والبطالة والجوع وتعمق المآسي الإنسانية الأخرى كالمعتقلين والأسرى والمهجرين (اللاجئين والنازحين)، كما جرى تعميق مختلف أنواع المشاكل الاجتماعية والتعليمية والنفسية، ناهيك عن الآثار الكارثية على سورية كدولة من ناحية دمار وتدهور البنى التحتية والاقتصاد...

متى ينتهي «عنف إضاعة الوقت»؟

إذا أردنا أنْ نقدم صورة رمزية لـ«عنف إضاعة الوقت»، فتلك الصورة هي لتجار الحرب والمتشددين والفاسدين الكبار في النظام والمعارضة، والذين يمسكون بخناق الشعب السوري ويحاولون الإجهاز عليه نهائياً منعاً لنهوضه القادم، لأنهم يعلمون أنّ الظرف متى سمح للشعب بالنهوض مجدداً، فإنّ المعركة القادمة ستكون محسومة النتائج ضدهم، حتى وإن أخذت وقتاً إضافياً...
لن يؤدي تطبيق القرار 2254 إلى الإجهاز على المتشددين والفاسدين الكبار وتجار الحرب، ولكنه سيرغمهم على إرخاء قبضتهم عن رقاب السوريين، وسيؤدي الدم والأوكسجين الجديد الذي سيتدفق في عروق الناس لنهوض قادم، ولاستعداد أفضل وأنضج للمعارك القادمة مع الناهبين...

English version 

معلومات إضافية

العدد رقم:
1026
آخر تعديل على الأربعاء, 14 تموز/يوليو 2021 12:27