بايدن يكثّف إرث ترامب في الصين

بايدن يكثّف إرث ترامب في الصين

سحبت إدارة الرئيس الأمريكي، جو بايدن، ولا تزال تسحب قواتها وأنظمة الدفاع الصاروخي وأسراب الطائرات المقاتلة من منطقة شرق المتوسط خلال الأشهر القليلة الماضية، وذلك للتركيز بشكل أكبر على منطقة جنوب شرق آسيا بهدف التعامل مع ما يسميه البنتاغون «العدو الأول» للولايات المتحدة الأمريكية، أي الصين.

رغم وعد إدارة بايدن ببدء عهدٍ جديد من العلاقات مع الصين، وإنهاء «الحرب التجارية» التي خاضتها إدارة ترامب، إلا أنها لم تتبنَّ منطق الإدارة السابقة فحسب، بل كثّفته بأشكالٍ عدّة. حيث بدا أن الولايات المتحدة ليست أكثر استعداداً لتقديم المزيد من الأسلحة إلى دول جنوب شرق آسيا لمساعدتها على التعامل مع «التهديد الصيني» فحسب، بل إنها تقوم أيضاً بتجديد قدرات البنتاغون وإعادة تنظيمه لتجهيزه بشكل أفضل في وجه أكبر تهديد للهيمنة الأمريكية. وقبل ثلاثة أسابيع تقريباً، أكملت فريق عمل البنتاغون المختص بالصين «مراجعته لسياسة الولايات المتحدة في الصين». وقال لويد أوستن، الرئيس الحالي لوزارة الدفاع الأمريكية: إن الغرض من هذه «المراجعة» هو السماح لهم «بمعالجة التحديات الأمنية التي تمثلها الصين بشكل أفضل، باعتبارها التحدي رقم واحد في وجه الولايات المتحدة». وفي حين أن معظم التوصيات تتضمن تبسيط وتعزيز «التعاون مع حلفاء الولايات المتحدة وشركائها، وخاصة في منطقة المحيطين الهندي والهادئ»، فإن وزارة التنمية تضع في الاعتبار إمكانية تعزيز بعض جوانب التعاون العسكري، فضلاً عن التعليم العسكري المهني للتركيز على مواجهة الصين، وقد اتخذ البنتاغون قراراً بمراجعة المفاهيم العمليّاتية التقليدية للولايات المتحدة في ضوء بعض النتائج الخاصة التي توصل إليها فريق العمل فيما يتعلق بكيفية عمل الصين على مستوى العالم.

الضرورات الأمريكية تحكم التصعيد

تشير الخطوات التي اتخذتها إدارة جو بايدن إلى أن الإدارة الحالية ليست فقط أكثر التزاماً بالتعامل مع «التهديد الصيني»، ما يشير إلى تصاعد «رهاب الصين» على مستوى نخبة الحكم في الولايات المتحدة، بل إنها أكثر استعداداً لتوسيع «الحرب التجارية» لتشمل الميادين الجيوسياسية والجيوستراتيجية.
وكشفت وزارة الخارجية الأمريكية مؤخراً عن صفقة أسلحة تبلغ قيمتها 2,43 مليار دولار مع الفلبين. وفي حال تمت الموافقة عليها، ستكون الأكبر من نوعها في تاريخ الحليفين، ما يمثل ارتفاعاً كبيراً في التعاون الدفاعي الثنائي، وربما يثير غضب الصين في منطقة بحر الصين الجنوبي على وجه الخصوص.
في الوقت نفسه، أعادت إدارة بايدن بدء محادثات التجارة والاستثمار مع تايوان التي تم تعليقها خلال إدارة ترامب، حيث تأمل تايوان في التوصل إلى اتفاق للتجارة الحرة مع الولايات المتحدة. وفي حين دعا المسؤولون الصينيون الولايات المتحدة إلى عدم انتهاك شروط الاشتباك المتفق عليها بما يتعلق بتايوان، يرى الكثيرون في الولايات المتحدة أن ذلك ضرورة إستراتيجية لا غنى عنها في ضوء التدهور المستمر للعلاقات الأمريكية الصينية، وأن إحياء إدارة جو بايدن المحادثات التي علقتها الإدارة السابقة يظهر أن الحكومة الجديدة حريصة ليس فقط على البناء على إرث ترامب الصدامي مع الصين، ولكن على تكثيفه كوسيلة لتوسيع الإطار الأساسي للصراع مع الصين.

عقلية الحرب...
وعقلية المصير المشترك

يتجلى مسار التصعيد الأمريكي أيضاً في الإضافات الأخيرة التي قامت بها إدارة جو بايدن إلى قائمة الشركات الصينية التي يزعم أن لها صلات بالجيش الصيني. وبذلك، يصل العدد الإجمالي للشركات الصينية الممنوعة من تلقي الاستثمارات الأمريكية إلى 59 شركة، بموجب أمر تنفيذي وقعه بايدن في حزيران الماضي، تحت ذريعة ما أسماه بايدن «التهديد الذي يشكله المجمَّع العسكري الصناعي لجمهورية الصين الشعبية ومشاركته في برامج البحث والتطوير العسكرية والاستخباراتية والأمنية، وإنتاج الأسلحة والمعدات ذات الصلة في إطار إستراتيجية الاندماج العسكري والمدني التي وضعها المركز في الصين. وبالإضافة إلى ذلك، أجد أن استخدام تكنولوجيا المراقبة الصينية خارج جمهورية الصين الشعبية وتطوير أو استخدام تكنولوجيا المراقبة الصينية لتسهيل القمع أو الانتهاكات الخطيرة لحقوق الإنسان يشكلان تهديداً خارجياً غير عاديٍّ للأمن القومي والسياسة الخارجية والاقتصاد في الولايات المتحدة».
تقييم بايدن للتهديد الصيني يكشف مرة أخرى أن «الديمقراطيين» يواصلون بشكل أساسي الحرب التي بدأها «الجمهوريون». والواقع أن مواجهة الصين، كما أظهرت التقارير في وسائل الإعلام الغربية، هي واحدة من القضايا التي تحظى بدعم الحزبين في الولايات المتحدة، ومن المرجح أن تستمر في تلقي هذا الدعم، وخاصة من الجمهوريين الذين ما زالوا يعتقدون أن جهود الإدارة الحالية غير كافية.
ومع ذلك، من الواضح أن إدارة بايدن لديها ما هو أكثر من سياسات إدارة ترامب، حيث إن سياسة الإدارة «الجديدة» أكثر تنوعاً ومتعددة الأوجه. وبهذا الصدد، قال مسؤول أمريكي للصحافيين في البيت الأبيض: «نرى أن حظر المزيد من الشركات الصينية هو إجراء من نوع الخطوات الأوسع التي نتخذها لتعزيز نهجنا في التنافس مع الصين ومواجهة أعمالها التي تتعارض مع مصالحنا وقيمنا».
تحدّت إدارة بايدن، التي ادعت أنها مختلفة عن إدارة ترامب «غير المنتظمة وغير المتوقعة»، جميع التوقعات التي أدلى بها الكثيرون فيما يتعلق بـ«عهد جديد» محتمل من التعاون بين الولايات المتحدة والصين في مرحلة ما بعد ترامب. ومن خلال الاستمرار في مسار الحرب الذي أرساه سلفه، تكشف سياسات بايدن كيف أن «رهاب الصين» أصبح الآن أهم سمة بنيوية جيوسياسية لدى نخبة الولايات المتحدة. والتغييرات التي تجري في ضوء مراجعة السياسة التي أنجزها فريق العمل المختص بالصين تشير إلى الكيفية التي تكيّف بها الدولة الأمريكية نفسها ضد دولة لم تؤكد سوى على مصير مشترك للبشرية بعيداً عن منطق المواجهة، الأمر الذي يبين كيف أن الولايات المتحدة تتبع مساراً تعتقد أنه سيساعدها على ضمان بقائها كقوة مهيمنة.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1026