افتتاحية قاسيون 1018: الدرس الفلسطيني

افتتاحية قاسيون 1018: الدرس الفلسطيني

بين الدروس العديدة التي يمكن تعلّمها من الانتفاضة الفلسطينية الراهنة، لابد من الوقوف عند ما يلي:

أولاً: إنّ تغيّرات الموازين الدولية، وتراجع المركز الغربي الصهيوني المعادي لكل شعوب الأرض، لن تؤدي وحدها إلى تغيير حاسم في الحقائق السياسية على المستويات الإقليمية والمحلية؛ فانتزاع الشعوب وقواها الوطنية لزمام المبادرة، هو العامل الذي لا غنى عنه في تقصير دروب الآلام التي تعيشها الشعوب المقهورة، لا في فلسطين وحدها، بل وفي سورية وفي كل بقاع العالم.



ثانياً: الانتفاضة الفلسطينية الراهنة هي علامة فارقة لبداية طورٍ جديدٍ ضمن موجات الحراك الشعبي العالمي، وفي منطقتنا ضمناً، والذي تصاعد منذ حوالي العشرة أعوام؛ فخلال العقد الماضي، تمكن الغرب (بمساعدة عمليات القمع الأمني الذي انتهجته الأنظمة)، وباستخدام عملائه وإعلامه، تمكن من اختراق صفوف الحركة الشعبية، ومن الإسهام النشط في تصنيع الإرهاب، ومن تنصيب معارضات هزيلة موالية له، بل وقدمت واشنطن ولندن وباريس وغيرها من مراكز القرار الغربي نفسها كداعمة لشعوب المنطقة ضد أنظمتها، وكانت بذلك تكذب وتدعم كلاً من الأنظمة ومعارضاتها بالقدر الكافي لإدامة الاشتباك وإدامة الاستنزاف وتدمير البلدان. انتفاضة الشعب الفلسطيني والمواقف الوقحة للأمريكي والغربي المعادية لها والمناصرة بلا تردد للكيان الصهيوني المجرم، هي صفعات مدوية على الوجوه الذليلة لكل من يقول إنّ الولايات المتحدة والغرب عموماً، وسياساته وعقوباته، يمكن أن تكون يوماً في مصلحة الشعوب... وهي فوق ذلك إعادة توجيه لبوصلة الحراك الشعبي عبر ضرب أية أوهام متعلقة بالغرب.

ثالثاً: إذا كان قد جرى تأجيل الانتخابات الفلسطينية قبيل الانتفاضة، فإنّ الانتفاضة قد نفذتها على الأرض، وقد انتخب الشعب الفلسطيني الخيار المقاوم ضد الخيار المساوم، ولعل نظام أوسلو سيكون أول نظام عربي تقوم بتغييره الحراكات الشعبية بشكل جذري وفعلي، لأنّ كل ما جرى حتى الآن لم يغيّر في الجوهر أي نظامٍ عربي!

رابعاً: ذهبت أدراج الرياح، كل عمليات التطبيع التي جرت في الفترة الأخيرة، والتي لم تكن الغاية منها سوى استباق ما يجري الآن، وضمان صمت عربي عن المخططات الصهيونية ضمن مرحلة فاصلة من تاريخ المنطقة.

خامساً: الانتفاضة الفلسطينية هي صفعة لتجار الشعارات، وخاصة منهم أولئك الذين حولوا القضية الفلسطينية، إلى ستارٍ يمررون تحته فسادهم الكبير ومصالحهم الأنانية الجشعة. إنّ الانتفاضة تعيد التأكيد على أنّ تنفيذ الشعار الوطني ضد الصهيونية، وإنْ كان يأخذ على أرض فلسطين شكل الاشتباك المباشر مع الصهيوني، فشكله في سورية وفي بقية البلدان العربية هو الاشتباك مع عملاء الصهيوني الواضحين والمخفيين، الذين تتقاطع مصالحهم في نهاية المطاف مع الفاسدين الكبار وتجار الحروب الذين أفقروا شعوبهم ومصوا دماءها وأضعفوها وأضعفوا قدرة بلدانهم على التصدي للصهيوني ومحاربته.

سادساً: بهذا المعنى فإنّ الانتفاضة الراهنة هي نقطة علام للموجة الجديدة من الحراك الشعبي، نقطة علام يندمج فيها النضال الوطني مع الاقتصادي الاجتماعي مع الديمقراطي، دون أي فصل بينها، ودون أي تجارة بأحدها على حساب الأخرى، كما فعلت الأنظمة والمعارضات التي على شاكلتها.

سابعاً: كل تقدم وانتصار تحققه الانتفاضة الفلسطينية، هو انتصار مباشر لسورية وللشعب السوري؛ لأنّ العدو واحدٌ وإن تعددت الأشكال... وكل مخططات إطالة الأزمة ومخططات التقسيم، لا تتوافق مع مصالح الفاسدين الكبار في النظام والمعارضة فحسب، بل وتتوافق بالدرجة الأولى مع المصالح الصهيونية. والضربات التي توجهها الانتفاضة للكيان الصهيوني، هي ضربات تصب في مصلحة الشعب السوري بشكل مباشر، وفي مصلحة قضيته في التغيير الجذري الشامل الذي يعيد تصويب البوصلة السورية نحو القدس ونحو مناصرة كل القضايا العادلة في كل العالم، ابتداءً بالقضية العادلة للشعب السوري نفسه في العيش حراً وكريماً!

(النسخة الإنكليزية)

معلومات إضافية

العدد رقم:
1018
آخر تعديل على الأحد, 16 أيار 2021 23:28