من خسر حرب أوكرانيا يشدّ عزمه ضد الصين!

من خسر حرب أوكرانيا يشدّ عزمه ضد الصين!

في الخامس من الشهر الجاري، وصل وزير خارجية الولايات المتحدة، أنتوني بلينكن، إلى أوكرانيا لعقد اجتماعات مع القيادة الأوكرانية. ونقلت وسائل إعلام عدّة عن مسؤولين أوكرانيين، أن بلينكن أوصل رسالة لطالما خشيت قيادة البلاد أن تسمعها، وهي أن عليها وقف الحرب غير المعلنة ضد جمهوريتي دونيتسك ولوغانسك، ولا سيما أن الخيارات الجيوسياسية الأمريكية لتهديد الجبهة الغربية الروسية قد نفدت دون تحقيق أي مكسب.

زيارة بلينكن إلى أوكرانيا هي جزء من إعادة تقييم أمريكية أوسع لأولوياتها في المنطقة. وفي مقدمة هذه الأولويات: تليين الموقف التصادمي الذي اتخذه الأمريكيون ضد روسيا في السنوات الأخيرة، والذي بلغ ذروته في التجميد الفعلي للعلاقات بين البلدين، وكانت إحدى تجليات ذلك سحب روسيا سفيرها في واشنطن، و«النصيحة» الروسية لسفير الولايات المتحدة لدى روسيا بالعودة إلى بلاده «للتشاور» مع رؤسائه في واشنطن. ورافق ذلك تحركات روسية جوابية أخرى اتجاه سفارة الولايات المتحدة، كحظر توظيف السكان المحليين للعمل في السفارة، والقيود على مدى قدرة الدبلوماسيين الأمريكيين على الانتقال إلى خارج موسكو.

تخفيف الأحمال تحضيراً لضغط آخر

لرحلة بلينكن دوافع عدة. الأول: ثني الأوكرانيين عن أي هجوم غير منسّق على منطقتي دونيتسك ولوغانسك. حيث تفكر القيادة الأوكرانية- مدفوعة بأزماتها الداخلية- بجدية في مثل هذا الهجوم. ويتضح ذلك جزئياً من خلال حشد القوات العسكرية الأوكرانية على حدود الجمهوريتين. وقد أدى هذا الحشد إلى تحركات روسية أدانتها القيادة الأوكرانية بشكل هستيري لأنها أوضحت أنه إذا قررت روسيا الرد على أوكرانيا، فهنالك حقيقتان واضحتان، الأولى: هي أن هذا الرد سيكون دفاعاً عن الجمهوريتين والأغلبية الساحقة منهما ناطقة بالروسية. والحقيقة الثانية: هي أن الرد الروسي من شأنه أن يحسم المعركة في غضون أيام، إن لم نقل بضع ساعات.
وهذه ليست نتيجة يرغب الأمريكيون في حدوثها، ليس فقط لأنها ستهدد بزوال إحدى نقاط ارتكازهم شرق أوروبا، بل لأن لديهم مصلحة أوسع في علاقة جيدة مع روسيا، فالهدف الأوسع للإدارة الأمريكية هو إيجاد نوع من تطبيع العلاقات بين الولايات المتحدة وروسيا، ليس لأنهم ينظرون إلى روسيا كصديقة ولا حليفة، بل لأنهم يلعبون لعبة جيوسياسية أكبر تنطوي على محاولة تقليص الولايات المتحدة لمشاكلها في أوروبا، لتركيز جهودها بشكل أفضل على مواجهة الدولة التي ترى أنها تشكل أكبر تهديد لما تبقى من هيمنة أمريكية: الصين.
وخلال السنوات الماضية، كانت إحدى التغيرات الجيوسياسية الأساسية هي العلاقات الإستراتيجية المتنامية بين روسيا والصين. حيث إن لهذا التقارب المتزايد عدداً من العوامل المسرِّعة، ومن بينها عداء الولايات المتحدة الصارم لطموحات البلدين. ما دفع بالجانبين الروسي والصيني إلى محاولة دفع الأمور عالمياً نحو إعادة التنظيم بشكلٍ سلمي، وتضمنت عملية إعادة التنظيم هذه مروحة من الإجراءات، مثل: تصاعد آليات التبادل التجاري المنفصل عن أنماط الهيمنة الغربية التي سادت على مدى السنوات الماضية. وقد أدى ذلك إلى نمو الأنماط الاقتصادية البديلة، التي تعتبر منظمة شنغهاي للتعاون مثالاً بارزاً عليها.

الأمريكي خاسر على كل الجبهات

تنظر الولايات المتحدة إلى الصين باعتبارها تهديداً كبيراً للموقع المهيمن الذي تتمتع به الولايات المتحدة في العالم، وهي مصمّمة على بذل كل ما في وسعها للحد من التنامي المستمر لتلك القوة الصينية، أو إبطائه إن أمكن. على هذه الأرضية يمكن فهم الحملة الحالية التي تُشن ضد الصين، ابتداءً من مسألة الأيغور، وليس انتهاء عند حدّ المبالغات حول مصير الصاروخ الصيني «التائه»، وبشكل خاص الحملة الدعائية ضد إعادة دمج هونغ كونغ مرة أخرى في الصين، حيث من الواضح أن الغرب يريد أن يُنسي العالم أن هونج كونج كانت جزءاً من الصين لآلاف السنين قبل أن يجلب الاستعمار البريطاني الفوضى للبلاد.
من هنا، فإن خطة الولايات المتحدة لاستعادة العلاقات مع روسيا مثال واضح على توجهها نحو اعتماد حيلة تمكنها من تركيز قوتها النارية ضد الصين. ومن الواضح كذلك أن اختلاق ذريعة للحرب بشأن وضع تايوان هو جزء من تلك الخطة.
في هذا الصدد، تدرك روسيا محاولة الولايات المتحدة الفصل بينها وبين الصين حتى تتمكن من تركيز عدائها نحو الأخيرة، والنهج الروسي الواضح في هذه المسألة هو محاولة الاستفادة القصوى من التراجع الأمريكي في أوروبا وشرق المتوسط، دون تقديم أي تنازل يمكن أن تستغله واشنطن في تصعيدها ضد الصين. لهذا فإن الاستفادة القصوى من اللقاء المرتقب بين بوتين وبايدن، وأي تخفيض في التوتر بين البلدين سيكون موضع ترحيب روسي بالطبع، لكن على الولايات المتحدة أن تدرك أن خططها للفصل بين الصين وروسيا لن تنجح، نظراً لإدراك الجانب الروسي أن نهج الاستفراد في الدول هو واحد من الخيارات الحاضرة دوماً على أجندة العمل الأمريكية، وروسيا ذاتها عرضة لهذا الاستهداف.
بهذا المعنى، يذهب الجانب الأمريكي إلى القمة المرتقبة بين رئيسي البلدين وهو على علم بأن الضرورات الإستراتيجية تحكمه بتقديم تنازلات، في الغالب هي تنازلات مؤلمة، لم تكن الولايات المتحدة لتقدمها في ظروفٍ أخرى. بينما يبدو الجانب الروسي مرتاحاً لموقعه الجديد في التفاوض بعد فشل التصعيد الأمريكي على امتداد ميادين المواجهة المفتوحة بين الجانبين. والمفارقة الملفتة، أن الطرف الذي خسر فعلياً المواجهة في أوكرانيا يشدّ عزمه الآن ضد الصين!

معلومات إضافية

العدد رقم:
1017