افتتاحية قاسيون 1014: نحو استقلال ناجز!

افتتاحية قاسيون 1014: نحو استقلال ناجز!

تمرّ الذكرى الخامسة والسبعين لجلاء آخر جنود المستعمر الفرنسي عن الأرض السورية في وقت تعيش فيه البلاد حالة شديدة الصعوبة والكارثية على مختلف الصعد.


إنّ صعوبة الظروف التي تعيشها سورية وشعبها، هي بالذات ما تجعل من استحضار ذكرى الجلاء ودروسه الكبرى حاجة ملحة وآنية وراهنة، وبخاصة تلك الدروس التي كرّسها وعمّدها بالنضال والدم آباء الجمهورية الأوائل، ابتداء من الشهيد يوسف العظمة ومروراً بقادة الثورة السورية الكبرى وعلى رأسهم قائدها العام سلطان باشا الأطرش.



في مقدمة الدروس المستخلصة أنّ الجلاء واستقلال سورية قد تحقق بالتضافر بين عاملين أساسيين:

أولاً: بفعل التوازن الدولي الناشئ بعد الحرب العالمية الثانية، والذي أمّن الظرف الدولي الملائم لكي تصل نضالات شعوب العالم الثالث الساعية إلى التحرر من الاستعمار نحو تحقيق ذلك التحرر بمستواه السياسي. ولعل بين أول التعبيرات السياسية عن التوازن الدولي الجديد هو الفيتو الذي رفعه الاتحاد السوفياتي بتاريخ 16 شباط 1946 لمصلحة سورية وضد مقترحات الاستعمار الفرنسي الذي كان يسعى للماطلة في الخروج من الأرض السورية. وهذا الفيتو كان أول فيتو في تاريخ مجلس الأمن!

ثانياً: يخطئ كثيراً من يعتبر أنّ العامل السابق، أي التوازن الدولي الناشئ في حينه، هو المسؤول الأول والأخير عن الاستقلال والجلاء؛ حقيقة الأمر هي أنّ التوازن الناشئ كان تأميناً للشرط الخارجي للجلاء، ولكنّ الشرط الداخلي عبر مقاومة المستعمر ورفع تكاليف وجوده إلى الحد الأقصى كان مؤمّناً في سورية بأفضل وأعمق شكل ممكن على يد الشعب السوري وبقيادة الآباء المؤسسين. ولعل أهم الأدلة على ذلك هو أنّ تأمين الشرط الخارجي كان مشتركاً بالنسبة لكل الدول المستعمرة ولكن مع ذلك فإنّ سورية كانت أول دولة في العالم بأسره تنال استقلالها، وذلك بالضبط لأنّ سورية استقبلت المحتل في معركة ميسلون وما سبقها من معارك باتجاه الساحل وما تلاها خلال الثورة السورية الكبرى وما بعدها.

الظروف التي نعيشها اليوم، تشابه بطريقة ما الظروف التي عاشها السوريون في النصف الأول من القرن الماضي؛ إذ تعود مهمة توحيد البلاد وإنجاز استقلالها عن الأجنبي بالمعنى السياسي لتقف على قمة جدول الأعمال، ولكن بشكل أكثر عمقاً وتعقيداً؛ فما أثبته التاريخ هو أنّ الاستقلال الأول كان استقلالاً بالمعنى السياسي العام، ولم يتحول إلى استقلال كامل بالأبعاد المختلفة وعلى رأسها الاقتصادي- الاجتماعي.

ما جرى في سورية، وفي معظم بلدان العالم الثالث، هو أنّ الاستعمار خرج من الباب، ليعود من شباك الاقتصاد عبر الاستعمار الحديث الذي تهادنت معه بالتدريج أنظمة النهب والقمع وعبر الخضوع لوصفات «المؤسسات الدولية». وبذلك باتت شعوب العالم الثالث تُنهب من الناهبين الدوليين الغربيين أنفسهم، ولكن ليس عبر السطو المباشر كما كان الحال خلال الاستعمار القديم، بل عبر منظومات متنفذة تحكم تلك الشعوب وتقمعها وتسرقها لحسابها وحساب الناهبين الدوليين الكبار.

إنّ إنجاز الاستقلال الثاني يتطلب كما الأول شرطين معاً، خارجي وداخلي؛ الخارجي متعلق بتوازن دولي يحجم قدرة الناهبين الدوليين على التدخل في الشأن السوري، وهذا التوازن يجد تعبيره الواضح في القرار 2254 بالذات، والذي يشبه إلى حد بعيد أول فيتو في مجلس الأمن. أما الداخلي فيحتاج إلى تضافر القوى الوطنية من جميع الأطراف، وتعاونها ليس في المجال السياسي فحسب، بل وفي مجال البرامج الوطنية الاقتصادية الاجتماعية المتكاملة التي تنهي مرة وإلى الأبد التجارة بالشعارات الوطنية على حساب لقمة الناس وكرامتها، وتوحد النضال الاقتصادي الاجتماعي مع النضال الوطني والنضال الديمقراطي في كلٍّ واحد، لأنّ هذه الجوانب لا انفصال بينها إطلاقاً، ومن يحاول الفصل بينها إنما يفعل ذلك منافقاً بغرض التلاعب بالناس والعمل ضد مصالحها...

(النسخة الإنكليزية)

معلومات إضافية

العدد رقم:
1014
آخر تعديل على الأربعاء, 21 نيسان/أبريل 2021 19:35