افتتاحية قاسيون1007: مفردات حق  تقرير المصير

افتتاحية قاسيون1007: مفردات حق تقرير المصير

جوهر الطرح السياسي الذي يروّجه المتشددون هو أنّ الصراع الجاري هو مجرد «صراعٍ على السلطة». بهذه الطريقة، يحاولون مسخ حق الشعب السوري في تقرير مصيره- الذي يشكل جوهر القرار 2254- وتحويله إلى «حق» الأطراف السياسية في تقاسم السلطة على الشعب السوري، أو «حق المنتصر» بينها في الاستئثار بتلك السلطة.

القرار 2254 لا يسمح بأيٍ من المقاربتين، لأنّه يحدد بشكل واضح ليس فقط مسألة التوافق ومسألة الحكم الانتقالي الشامل للجميع، والديمقراطي وغير الطائفي، بل وأيضاً طريق الانتقال نحو النظام الجديد، عبر دستور وانتخابات ذات مصداقية فعلية ونزيهة... أهم من ذلك، أنّ عُمق الأزمة السورية وشمولها يفرضان ضرورة التغيير الجذري الشامل، وليس مجرد إيحاءات خادعة وفوقية تتعلق بالسلطة فحسب..


ولأنّ 2254 لا يسمح بالمقاربات الفوقية والسطحية فلا بد إذاً من الالتفاف عليه؛ مثلاً: عبر الوسواس القهري الذي ألمّ بالبعض فجأة والمسمى «مجلساً عسكرياً». يكرر هذا البعض طرحه دون أن يجيب عن أهم سؤالين متعلقين به: من سيشكل هذا المجلس؟ ومن سيعطيه صلاحياته، وعلى أي أساس؟
ليست الإجابة ومدى واقعيتها هي ما يهم أصحاب الطرح، ما يهمهم هو مجرد الحفاظ عليه حيّاً أطول فترة ممكنة... والهدف الواضح هو إبعاد 2254 عن إمكانيات تنفيذه، وهي الإمكانات التي تتصاعد على أساس يوميٍ؛ ليس انطلاقاً فقط من حجم الكارثة الداخلية (التي وصلت مستوىً أكثر خطورة من ذاك الذي استدعى مساعدات عسكرية مباشرة نهاية 2015)، بل وأيضاً بناءً على الأزمة الغربية متسارعة التعمق، والتي تزيد من احتمالات انصياع الغرب لتنفيذ القرار 2254.
عودة إلى «المجلس» فما يثير الريبة حقاً، هو أنّ أصحابه يدّعون أنّهم يدفعون لنقل السوريين من سلطة إلى سلطة، (وللمصادفة لا تختلف لا في مواصفاتها ولا حتى في شخوصها عن السلطة الحالية!). وأهم من ذلك أنهم يتركون جانباً المعنى الشامل لحق الشعب السوري في تقرير مصيره.
يتضمن هذا الحق، ليس فقط اختيار الشعب للسلطة وشخوصها، بل وأيضاً تحديد طبيعة النظام السياسي للبلاد، وطبيعة النموذج الاقتصادي الاجتماعي الذي ينبغي أن يسود، والذي لا يمكن أن يكون النموذج الناهب وغير المنتج المطبق حالياً في مناطق النظام والمعارضة، وليس بالتأكيد نموذج ذلك القسم من المعارضة الذي يختلف مع النظام سياسياً فقط، في حين يشاركه في ولعه بالليبرالية الغربية بكل مفرداتها.
حق تقرير المصير، يعني ضمناً: وحدة البلاد وسيادتها وسيادة شعبها عليها. ويعني: نقل السلطة بشكل فعلي وحقيقي للشعب في المركز والمناطق، عبر آليات دستورية جديدة؛ ما يعني إنهاء كل أنواع «حكم الأمر الواقع» القائم في كل المناطق السورية، لمصلحة حكم شامل للجميع، ووفق القانون والدستور الجديد.
وحق تقرير المصير يعني: خروج كل القوات الأجنبية من سورية على الإطلاق ودون استثناء، وعلى رأسها قوات الاحتلال الصهيوني عبر تحرير الجولان السوري المحتل كجزء من حزمة شاملة لتطبيق القرارات الدولية 2254، و242...
هذه الأبعاد المختلفة المتعلقة بإنهاء كارثة الشعب السوري، التي تراكمت عبر عقود طويلة، وانفجرت خلال العقد الأخير، هي جوهر حقه في تقرير مصيره الذي لا يمكن اختزاله بأي شكل من الأشكال في مجرد تبديل أو تبادل طرابيش، بل وأسوأ من ذلك تبديل وتبادل طرابيش إعلامي ووهمي فحسب...

(النسخة الإنكليزية)

معلومات إضافية

العدد رقم:
1007
آخر تعديل على الأحد, 28 شباط/فبراير 2021 20:41