أربعة مستويات في قراءة العدوان الأمريكي الأخير...
ريم عيسى ريم عيسى

أربعة مستويات في قراءة العدوان الأمريكي الأخير...

تزعم الولايات المتحدة أن عدوانها الأخير على سورية كان رداً على «ضربات إيرانية» ضد أهداف أمريكية في العراق قبل 10 أيام. القراءات والتحليلات المتعلقة بهذا العدوان، تشمل طيفاً شديد الاتساع والتنوع، وتكاد لا توجد جهة على وجه الأرض لم تدل بدلوها بما يخص هذا العدوان؛ لا سيما أنه أول عمل عسكري في ظل الإدارة الجديدة، التي من المفترض أن يتصدر قائمة أولوياتها هدفان رئيسان: معالجة الأزمات الداخلية المتراكمة، و«تصحيح الضرر الذي لحق بصورة الولايات المتحدة في الخارج وبموقعها الدولي».

سنحاول فيما يلي قراءة هذا العدوان ضمن أربعة مستويات؛ اثنان محليان أمريكيان، واحد دولي، وواحد متعلق بسورية...

المستوى المحلي 1

على المستوى المحلي، لا يهتم الأمريكي العادي بمعرفة التفاصيل وراء العدوان الأخير. كل ما يعرفه هو أن هناك مشكلة اقتصادية من مستوى الكساد العظيم، وجائحة منتشرة في الولايات المتحدة حصدت أكثر من نصف مليون ضحية في أقل من عام.
بشكل ملموس، لم يشهد الأمريكيون مع الإدارة الجديدة، تغييرات أو مؤشرات نحو تغييرات يمكن أن تكون واعدة بتحسن في المستقبل القريب. في الواقع، بدأ الكثيرون ينتقدون عدم وجود خطوات ملموسة لتحسين الاقتصاد. في الوقت نفسه، يعرف معظم الأمريكيين مدى تكلفة العمليات العسكرية. لذا، فإن المعادلة البسيطة هي أن الأموال التي يتم إنفاقها على عمل عسكري هي أموال يمكن إنفاقها داخلياً لتحسين حياة الأمريكيين من خلال معالجة الوباء والاقتصاد. معادلة بسيطة ورد فعل بسيط وكمية كبيرة من الارتباك والغضب المتصاعد.

عامل إضافي يعزز الاستجابة السلبية العامة اتجاه هذا العدوان، هو أن الأمريكيين بشكل عام باتوا متعبين بشكل متزايد من حروب الولايات المتحدة غير الضرورية. أصبح عدد متزايد من الأمريكيين يدركون أن هذه الحروب ليست لغرض «الدفاع» عن الولايات المتحدة وحدودها، خاصة أنه لم تكن هناك حرب فعلية تقريباً على الأراضي الأمريكية منذ الحرب الأهلية الأمريكية، على الرغم من أن البعض يشير إلى الهجمات في بيرل هاربور، ولكن حتى هذه فإنها تعود إلى ما يقرب من 80 عاماً مضت. ونتيجة لذلك، ينظر الأمريكيون إلى العمليات العسكرية الأمريكية والوجود العسكري الكبير في الخارج بوصفها أفعالاً لا ضرورة لها.
مع ذلك، لا تزال هناك شريحة من الأمريكيين الذين يوافقون على هذه الأنواع من التحركات، ولا سيما مع دول، مثل: إيران التي جرت شيطنتها لعقود من الزمن، وتم لصق طابع «عدو الولايات المتحدة وقيمها» عليها.

المستوى المحلي 2

على الصعيد السياسي داخل الولايات المتحدة، تلقى هذا التحرك ردود فعل متباينة. بشكل عام، انتقد الديمقراطيون الخطوة، بينما أيدها الجمهوريون. هذه المواقف العامة ليست مفاجئة استناداً إلى النهج العام الذي يدفع به كل طرف فيما يتعلق بإيران، ومسألة العودة إلى خطة العمل الشاملة المشتركة (الاتفاق النووي الإيراني).

تتوزع آراء المحللين من مختلف المؤسسات البحثية على كامل الطيف المتوقع للقراءات المتعلقة بهذا العدوان، بما في ذلك ما يلي:
- هذه الخطوة هي محاولة لاستيعاب أصحاب المواقف الأكثر تشدداً في واشنطن فيما يتعلق بإيران، والذين يعارضون بشدة العودة إلى الاتفاق النووي، من خلال إرسال رسالة مفادها أن الولايات المتحدة لا تزال متشددة اتجاه إيران... وهو ما يمكن تفسيره بصورة أوضح بالقول: إنّ العدوان جاء في إطار المعركة المستمرة مع ترامب، وفي محاولة لاستيعاب واحتواء جزء من «جماهيره»...
- إلى جانب ما سبق، فإن الخطوة كافية لتوجيه رسالة إلى إيران، لكنها ليست ضربة قاتلة من شأنها إثارة التصعيد وتقويض أو تهديد فرص التوصل إلى اتفاق بالطرق الدبلوماسية. لكن هذا يتطلب تسريع العمل على الجبهة الدبلوماسية مع إيران بشكل مباشر أو غير مباشر.
- هذه الخطوة هي جزء من محاولة الولايات المتحدة زيادة نفوذها في مفاوضاتها حول إعادة الدخول للاتفاق النووي، لكن هذا قد يأتي بنتائج عكسية، لذلك سيكون من الأفضل عدم ربط الأمرين.
- هذا النوع من العمل هو استمرار للنمط الذي تبنته الإدارة السابقة من حيث الرد على الهجمات الإيرانية على الولايات المتحدة أو حلفائها في المنطقة.
- رسالة الولايات المتحدة هنا هي أنه لن يتم تجاوزها، وسترد. هذا الرد يبعث هذه الرسالة بوضوح، ولكن دون إعطاء عذر للتصعيد.
- إن الفرصة السانحة لإجراء مفاوضات فعالة لإعادة الدخول في خطة العمل المشتركة الشاملة ضيقة للغاية بالفعل، وهذه الخطوة قد تجعلها أضيق، أو حتى تغلقها تماماً.
- قد تكون هذه بداية سلسلة من التحركات الانتقامية من كلا الجانبين.
- سيجعل ذلك من الصعب إقناع المعارضين بفوائد عودة واشنطن للاتفاق النووي، لأن إيران تواصل إظهار أنها لن تتراجع عن المنافسة الإقليمية مع الولايات المتحدة وحلفائها الإقليميين.

هذه مجرد أمثلة قليلة لردود الفعل والقراءات، وتعكس إلى حد ما حقيقة واحدة: العامل الأكثر تأثيراً على صناعة السياسة الخارجية للولايات المتحدة ربما يكون الانقسام الداخلي والأزمة الداخلية قبل أي شيء آخر، و«الغموض» المحيط بنهج إدارة بايدن في المنطقة والسياسات المتعلقة بملفات إقليمية مختلفة، يتمظهر عملياً عبر الاستمرار بالسياسات السابقة نفسها في قسم كبير من الملفات.

على المستوى الدولي

الأسبوع الماضي، أعلن بايدن في مؤتمر ميونيخ للأمن أن «الدبلوماسية عادت!». لاقى ذلك استحساناً لدى بعض أصدقاء الولايات المتحدة في الغرب، بعد أربع سنوات من قيام إدارة ترامب بالخطوات «غير الدبلوماسية» الواحدة بعد الأخرى.
بعد أسبوع، بدأ بايدن بإلقاء القنابل! وهي خطوة ربما تقوّض آفاق نجاح المفاوضات فيما يتعلق بالعودة للاتفاق النووي، وهو الأمر الذي شجعته معظم دول الاتحاد الأوروبي وأرادت حدوثه في أقرب وقت، بقدر الإمكان.

وقد تثير هذه الخطوة أيضاً بعض الدهشة في الغرب، الذي كان متفائلاً إلى حد ما بشأن نهج مختلف للإدارة الجديدة تعيد من خلاله دمج نفسها مرة أخرى في المجتمع الدولي. في هذا السياق، ومع الأخذ في الاعتبار أن «الأفعال تتحدث بصوت أعلى من الكلمات»، قد يبدأ البعض في التساؤل عما إذا كانت هذه هي «الدبلوماسية» التي كان يتحدث عنها بايدن- وهي الدبلوماسية التي تريد الولايات المتحدة من خلالها أن تكون جزءاً من المجتمع الدولي، دبلوماسية تحقيق النفوذ السياسي عبر العمليات العسكرية.
إذا كان هذا هو نهج الولايات المتحدة في «تصحيح» الضرر الذي ألحقته إدارة ترامب بصورتها الدولية ووجودها، فربما تتطلب بعض الأمور إعادة النظر، لا سيما في بعض الملفات التي كان الاتحاد الأوروبي على وجه الخصوص قد «وضعها جانباً» ريثما يتولى بايدن منصبه، بما في ذلك ملف سورية.

ماذا عن سورية؟

ليس خارجاً عن المعتاد بالنسبة لواشنطن، اختراق سيادة الدول. أي: إن الانتقام من شيء حدث في العراق بعمل عسكري في سورية، بينما تكون قوة عسكرية محتلة في كلا البلدين، ليس شيئاً غير عادي بالنسبة للولايات المتحدة. يأتي ذلك في وقت يتضح فيه بشكل متزايد أن الإدارة الأمريكية الجديدة لم تدلِ بعد بأية تصريحات حول سياستها اتجاه سورية.
في الوقت نفسه، فإن مشاركة الولايات المتحدة في الجهود المبذولة لدفع العملية السياسية إلى الأمام نحو التنفيذ الكامل لقرار مجلس الأمن رقم 2254 ستكون بالتأكيد أفضل من استمرار الولايات المتحدة بتخريب العملية وتأخيرها أكثر. ومع ذلك، لكي تمضي العملية السياسية قدماً نحو التنفيذ الكامل، يجب أن يتوقف العمل العسكري على الأرض، وخطوة مثل تلك التي اتخذتها الولايات المتحدة قبل أيام قليلة ربما تكون مؤشراً على استمرار الرغبة الأمريكية في إطالة عمر «المستنقع»... وهذا العدوان لن يضيف إلّا المزيد من التأكيد على ما قلناه مراراً، وهو أنّ أصحاب المصلحة في الحل السياسي داخلياً ودولياً، عليهم المضي نحوه دون انتظار الأمريكان...

(النسخة الانكليزية)

معلومات إضافية

العدد رقم:
1007
آخر تعديل على الجمعة, 12 آذار/مارس 2021 16:31