كيف ستكون السياسة الأمريكية «الجديدة» اتجاه سورية؟
ريم عيسى ريم عيسى

كيف ستكون السياسة الأمريكية «الجديدة» اتجاه سورية؟

على مدار الشهر الماضي، ومنذ تولى بايدن منصبه، رأينا الولايات المتحدة تلغي العديد من القرارات التي اتخذتها إدارة ترامب، وربما أكثر من أية إدارة جديدة فيما يتعلق بسابقتها.
حتى إن بايدن حطم الرقم القياسي لعدد الأوامر التنفيذية الصادرة في اليوم الأول والأسبوع الأول من استلام المنصب؛ حيث يتعلق جزء كبير من القرارات التي اتخذها إما بإلغاء أو عكس قرارات كان قد اتخذها ترامب وإدارته. ومع ذلك، لا يزال الكثير غير واضح بشأن إدارة بايدن، خاصة فيما يتعلق بالسياسة الخارجية، ولا سيما منطقتنا وسورية...

تكشف نظرة عامة سريعة على الأوامر التنفيذية التي وقّعها بايدن، عن وجود هدفين مباشرين واضحين (على الأقل من وجهة النظر الترويجية والإعلامية) أولاً: إعطاء الانطباع بأن هناك تغييرات، وأن هذه الإدارة مختلفة عن سابقتها؛ وثانياً: هذه الإدارة تأخذ أزمة كوفيد-19 على محمل الجد، وستعمل على معالجتها.

هاتان الرسالتان الأكثر وضوحاً اللتان يجري تقديمهما للأمريكيين أولاً وقبل كل شيء. على الرغم من أنهما موجهتان أيضاً إلى الجمهور الدولي...
بالإضافة إلى ما سبق، اتخذت إدارة بايدن أيضاً بعض الخطوات على المستوى الدولي، بما في ذلك:
- وقف الانسحاب الأمريكي من منظمة الصحة العالمية.
- العودة إلى مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة.
- العودة إلى اتفاقية باريس للمناخ.
- التراجع عن المنع الذي مارسه ترامب بشأن تولي نغوزي أوكونجو إيويالا رئاسة منظمة التجارة العالمية.
- التأكيد على الالتزام الكامل بحلف الناتو.
- النظر في إلغاء العقوبة على مسؤولي المحكمة الجنائية الدولية.
- النظر في العودة إلى خطة العمل الشاملة المشتركة (أي: الاتفاق النووي الإيراني).

مع الأخذ في الاعتبار هذه الإجراءات والتصريحات من جانب بايدن والمسؤولين الآخرين في الإدارة الجديدة، يبدو أنّ الرسالة الأكثر تكراراً مفادها: أن الإدارة الجديدة في الولايات المتحدة تريد اتباع نهج أكثر تعاوناً من سابقتها، وأنها ستعمل على عكس النهج الانعزالي الذي اتبعته إدارة ترامب، النهج الذي أثار عداءً حتى أقرب الحلفاء التاريخيين للولايات المتحدة في الغرب.

هل ستكون سياسات بايدن عكساً لسياسات ترامب؟

في حقيقة الأمر، لا يمكن القول إنّ ما تحاول إدارة بايدن فعله هو عكس ما كانت تفعله إدارة ترامب.
إنّ السياسات التي مارستها الولايات المتحدة الأمريكية في عهد ترامب، سواء الداخلية منها أو الخارجية، ليست في نهاية المطاف «سياسات ترامب»، بل هي سياسة الولايات المتحدة ككل، أو بعبارة أدق: هي السياسة الناتجة كمحصلة قوى للتيارات الموجودة في السلطة الأمريكية. وهنا لا نقصد «صراع الديمقراطيين والجمهوريين»، فهذا الشكل من الصراع هو العرض المسرحي المجاني المستمر منذ عقود طويلة لإمتاع الجمهور الداخلي والخارجي وإلهائه... بل الصراع الفعلي بين مراكز القوى المختلفة في نظرتها الإستراتيجية لما ينبغي فعله اتجاه القضايا المختلفة التي تواجه الولايات المتحدة، وعلى رأسها دور الدولار العالمي وكيفية التعامل مع قضايا كبرى، مثل: الصعود الصيني الروسي...

نقول ذلك لأنّ هنالك سياسات يصعب تفسيرها إذا لم نضع هذا الأمر في خلفية التفكير... مثلاً: لفهم السياسات الأمريكية اتجاه سورية، لا يمكننا أن نغفل تصريحات جيمس جيفري التي قال فيها بشكل واضح: إنه قد تم التلاعب على ترامب بما يخص عدد القوات، وأنّه تم الالتفاف على قراره في الانسحاب من سورية... بكلام آخر، فإنّ أنصار التيار الذي ينتمي إليه بايدن، لم يكونوا خارج السلطة كلياً أيام ترامب، بل على العكس من ذلك فقد كانوا موجودين دائماً، وفي المواقع التنفيذية المختلفة لجهاز الدولة شديد الضخامة والتعقيد... ومن مواقعهم المتعددة تلك، كانوا يقاومون الاتجاه الذي يحاول ترامب فرضه، وربما نجحوا في ذلك إلى حد بعيد في عدد كبير من الملفات... بغض النظر عن أنّ نجاحهم في أي منها كان يعني انتصار تيار أمريكي على تيار أمريكي آخر بالنقاط، وبالتالي، فإنّ الفريقين معاً كانا يواجهان المسائل الخارجية لا بمجموع نقاط كل منهما، بل بالفرق بين نقاط كل منهما... أي: إنهما يواجهان الخارج من موقع أضعف بكثير... وهذا الأمر مستمر الآن وسيتعزز أكثر.

ماذا عن سورية؟

القراءة الأكثر تداولاً في مراكز الأبحاث الأمريكية، وكذا في الإعلام، هي أنّ الإدارة الأمريكية ليست مهتمة حالياً بالشأن السوري. ومن تعبيرات ذلك أنّ بايدن لم يقل بعد أي شيء مهم متعلق بسورية، وكذلك فإنّ المناصب الشاغرة المتعلقة بعمل الأمريكيين في الملف السوري لا تزال شاغرة... (طبعاً عدا وظيفة الرجل الهستيري المدعو جويل ريبورن فهي مستمرة دون انقطاع. ووظيفته تتكثف في أمر واحد، هو متابعة سعر صرف الليرة السورية أمام الدولار، والتعبير عن فرحه كلما تهاوت قيمة الليرة السورية، في مشهد من الشماتة المناسبة تماماً لأخلاق المجرمين الأوائل الذين قتلوا 90 مليون هندي أحمر لتأسيس دولتهم).

عودة إلى موضوع المناصب، فقد أعلنت الخارجية الأمريكية يوم الخميس الماضي عن تعيين إيمي كترونا ممثلاً خاصاً بالإنابة لشؤون سورية. ما يعني أنها ستقوم بوظائف جيفري بشكل مؤقت بانتظار إما التثبيت أو التغيير.
والتغيير هنا قد يطالها هي، وقد يطال المنصب نفسه؛ إذ يجري الحديث عن احتمال العودة إلى الصيغة التي كانت معتمدة ما قبل ترامب، حيث لا يكون للشأن السوري مبعوث خاص، بل مسؤول ملف، ما يعني تخفيضاً لأهمية المسألة ضمن التعامل الأمريكي...
وحول هذه الاحتمالات، يدور كم هائل من التحليلات والتوقعات، ولكن تكاد جميع وسائل الإعلام تتفق في تكرار الكلام الفارغ القائل: «ليست هنالك سياسة واضحة للولايات المتحدة اتجاه سورية حتى الآن».

«عدم وجود سياسة واضحة»، يعني شيئاَ واحداً فقط، هو استمرار السياسة السابقة التي كان معمولاً بها أثناء مرحلة ترامب. أي: الاستمرار بسياسة «الجمود هو الاستقرار» وسياسة «المستنقع»... والتمهيد الذي بدأنا به المادة حول مدى «جدية» تغير السياسات الأمريكية بين الإدارتين هو للتدليل على أنّ الواقع الفعلي في عدد كبير من الملفات الخارجية الأمريكية هو أعقد من التصور المبسط عن انتقال بين إدارتين متناقضتين.
أولئك الذين يرسمون السياسات التفصيلية الخاصة بسورية ضمن مؤسسة السلطة الأمريكية، لم يتغيروا فعلياً بتغير الإدارة، بل وقسم كبير من منفذي تلك السياسات لم يتغير هو الآخر، وهؤلاء وأولئك هم صناع السياسات أنفسهم الذين كانوا منذ وقت أوباما مسؤولين عن الملف السوري، ويملكون اتجاهه الهدف الإستراتيجي نفسه: محاولة استخدام سورية نفسها كصاعق تفجير للمنطقة بأكملها كحد أعلى، وصولاً إلى داخل دول الخصوم الدوليين الصاعدين، أو كمستنقع تغرق فيه تلك القوى كحد أدنى...

وإذاً؟

القراءة السابقة ربما توحي بأمرين، الأول: أنّ الولايات المتحدة لن تغير شيئاً من سياساتها اتجاه سورية، والثاني: أنّ احتمالات التوافق الدولي حول حل في سورية هي احتمالات معدومة.
الحقيقة، هي أنّ الأمرين ربما يكونان فعلاً كذلك، مع أنّ ذلك لا يلغي احتمال تغيير في كليهما، على الأقل اعتماداً على تغيرات التوازنات الدولية... إذ إنّ بين تفسيرات ما يجري وصفه بأنه غموض في السياسة الأمريكية اتجاه سورية، أنها سياسة «غامضة» بشكل مقصود لتكون قابلة للتكيف مع احتمالات تغيير كبيرة في حال جرى الوصول إلى توافقات دولية... وهو احتمال لا يمكن نفيه، ولكن بالتأكيد لا يجوز التعويل على تغيير أمريكي وانتظاره، خاصة في ظل التدهور الهائل الذي تعيشه سورية بالمعنى الاقتصادي والاجتماعي...
ما ينبغي العمل عليه هو الانطلاق نحو الحل، أي: نحو التطبيق الفعلي للقرار 2254، بغض النظر عن رأي الأمريكي بذلك، مع ترك الباب موارباً له للانضمام إلى العملية، إذْ من شأن ذلك أن يقلل من حجم التخريب الذي لا يزال قادراً على ممارسته...

(النسخة الانكليزية)

معلومات إضافية

العدد رقم:
1006
آخر تعديل على الأربعاء, 24 شباط/فبراير 2021 14:59