الرؤية في مشروع برنامج حزب الإرادة الشعبية بين الثابت والمتغير

الرؤية في مشروع برنامج حزب الإرادة الشعبية بين الثابت والمتغير

في إطار استمرار التحضير للمؤتمر العام لحزب الإرادة الشعبية، طرح الحزب أيضاً مشروع برنامجه للنقاش العام، ولعل عدم معرفة الحدود بين(الثابت) و(المتغير) أحد الأسباب المهمة التي أدت إلى الجمود والعدمية، فهناك من اقتصر تفكيره على النظرية، بعيداً عن الواقع المتغير فوقع في الجمود والنصوصية، وهناك من تخلى عن النظرية الماركسية، واختصرها في المنهج فقط فوقع في التحريفية والضياع والعدمية، وكلا الموقفين أديا إلى أخطاء كبيرة في التفسير، وبالتالي لم تحقق التغيير، وحتى لو كان التفسير صحيحاً، فإن الخطاب والممارسة لم يتطابقا معه في الواقع، وهو ما أدى إلى هُوّة في العلاقة مع الجماهير وفقدان دورهما الوظيفي.

ملاحظة عامة: هنا لابد من سوق ملاحظة عامة على مجمل أقسام البرنامج: المقدمة، والرؤية، والمرحلة ومهامنا، والحزب، وهي: أنه بالرغم من التسلسل في البرنامج والرؤية والمرحلة والمهام تحتاج إلى (تبويب) آخر دقيق لذلك، والتبويب يسمح بسهولة الفهم والإدراك والربط، ويسهل العمل والمتابعة.

الرؤية:

الحلقة المفقودة سابقاً بين النظرية والتطبيق، لدى غالبية القوى الثورية، وهي صلة الوصل بين النظرية والواقع الملموس، ورغم أن الرؤية شاملة عالمياً وإقليمياً وداخلياً ومتسلسلة ومترابطة في المضمون إلاّ أنها تحتاج للتبويب كما الشكل المقترح، كما أن هناك العديد من النقاط في الرؤية تحتاج إلى تطوير، وهناك العديد من الأفكار بحاجة للإضافة.

أ - الرأسمالية والحركة الثورية

1 – الانطلاق من المنصة المعرفية الماركسية اللينينية كأعلى منصة وصلت لها البشرية معرفياً، وينتصر أخيراً من ينتصر معرفياً، وهذه الفكرة هي ضمن الثابت في الرؤية.

2 – تقدم الحركة الثورية العالمية في النصف الأول من القرن الماضي، وتراجعها في النصف الثاني منه، وتقدم الرأسمالية، وذروة التراجع انهيار الاتحاد السوفييتي، وبدء انغلاق الأفق أمامها نتيجة أزمتها، وانفتاحه مجدداً أمام الحركة الثورية بداية القرن 21، وهي المتغير في الرؤية.

3 – طبيعة النظام الرأسمالي منتجٌ للأزمات ببنيته (الثابت وعامل موضوعي) ودور الحركة الثورية بالتنظيم والوعي (المتغير وعاملٍ ذاتي) وهذا يعني أنه دون ذلك فتح الطريق أمام الرأسمالية إلى البربرية. وهنا يمكن الإشارة أن الوقائع وممارساتها الوحشية الحالية اتجاه الإنسان والطبيعة تؤكد صحة الرؤية التي تمت صياغتها عام 2013.

والأزمة الرأسمالية الحالية عمّقت الانقسام بين المركز الإمبريالي الأمريكي والأوروبي (المتراجعان) من جهة، ومن جهة أخرى بينهما وبين القوى (الرأسمالية الصاعدة) كمجموعة بريكس في استقطابٍ ثنائي مؤقت سينزاح باتجاه الثنائية الحقيقية الرأسمالية وقطب الشعوب، وهذا يصب في مصلحة شعوب العالم الثالث في نضالها ضد الغرب الإمبريالي والصهيوني.

وهنا الحزب يميز بين الدول (الرأسمالية الصاعدة) كروسيا التي ليست إمبريالية كما يدعي البعض، وبهذا الخصوص أصدر الحزب وثيقة فكرية حول ذلك بعنوان (روسيا شبح الإمبريالية) يمكن الرجوع إليها، وأرى إضافة ذلك كتتمة للفكرة في البرنامج، وكذلك أن الأزمة الرأسمالية عمّقت الانقسام داخل المركز الأمريكي نفسه، وهو ما يحدث الآن، وداخل الأوروبي نفسه كخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي بما يسمى بريكست، وأيضاً داخل كل الدول الرأسمالية، وسيستمر هذا الانقسام في التعمق خلال السنوات القادمة، وذلك ورد لاحقاً في تحليلات الحزب.

4 – الأزمة الرأسمالية الحالية تدفع إلى العدوانية وتوسيع رقعة الحرب في العالم، وخاصة في منطقتنا قوس التوتر (من قزوين إلى المتوسط) عبر حروب بينية وانقسامات ثانوية قومية وعرقية ودينية وطائفية، وإضافة: وعبر دعم التنظيمات الفاشية القومية الشوفينية والتكفيرية.

5 – الأزمة الرأسمالية دفعت (المركز الإمبريالي) إلى تسريع إدخال حصان طروادة (النيو ليبرالية) المتوحشة إلى العالم، وإلى دول الأطراف دول العالم الثالث، لتنفيس أزمتها، بحل مركب داخلي عبر الليبرالية، وخارجي بعدوان عسكري بدرجات مختلفة، لتحطيم الجزء العسكري من جهاز الدولة.

وهنا أقترح أيضاً إضافة: إلى العالم في توسيع رقعة الحرب، وإدخال النيوليبرالية واستبدال المركز الإمبريالي بالمراكز الإمبريالية. وإضافة فكرة أن موازين القوى الدولية تغيرت، فروسيا تسبق الولايات المتحدة عسكرياً، والصين تضاهيها وتكاد تسبقها اقتصادياً، وهذا سيكون له تبعاته وتأثيراته السياسية والاقتصادية عالمياً، على الأقل في فرض الحلول التسووية، التي تفتح أبواب التغيير لاحقاً.

ب – الأزمة ومنطقتنا

1 - لتفعيل النموذج الليبرالي التابع وغير المنتج في منطقتنا، كان لابد من قطيعة نهائية مع أية حريات سياسية وليبرالية كالنموذج القديم التقليدي، عبر النيو ليبرالية، وبتعميق سيادة الدكتاتوريات العسكرية القمعية لفرض توزيع جديد جائر للثروة وقاتل على الشعوب، وخاصةً في قوس التوتر من قزوين إلى المتوسط، وهو ما حدث في الواقع في أفغانستان والعراق وليبيا وسورية واليمن.

الفقرات 2 و3 و4 تناولت إدخال عباءة إيديولوجية جديدة للدكتاتوريات العسكرية، المتمثلة بالإسلام السياسي، بدل العباءتين القومية والتقدمية، تحت اسم الإسلام (المعتدل) كالإخوان المسلمين، صنيعة رأس المال المالي، و(المتطرف) باسم القاعدة ثم النصرة ثم داعش، فكلاهما وجهان لعملة واحدة.

وهذا التوصيف في مشروع البرنامج للإسلام السياسي بشقيه المعتدل والمتطرف بالفاشية خاصٌّ بالحزب، يترافق مع التمييز والفصل بينه وبين التيار الديني الشعبي بخلاف بعض من يدعون التقدمية والعلمانية.

الفقرات 5 و6 و7 و 8 تناولت تفاعلات الأزمة الرأسمالية في المراكز واشتقاقاتها في الأطراف، وهي ضمن (الثابت) التي خلقت حالة عدم رضا اجتماعي وطنياً واقتصادياً اجتماعياً وديمقراطياً، ونتج عن عدم الرضا حراك شعبي عالمي بدرجات متعددة، كما حدث بداية القرن العشرين، وما حققته الشعوب من انتصارات بتثبيت الاتحاد السوفييتي والمنظومة الاشتراكية، ونموذج دولة الرفاه والرعاية الاجتماعية في أوروبا وانتصارات حركة التحرر في العالم الثالث، وما نتج عن سكون الحراك الشعبي في النصف الثاني من القرن العشرين، وخسارة الإنجازات والهزائم.

ورؤية انفجار الأزمة الرأسمالية، وانفجار الحراك الجماهيري مجدداً في القرن 21 أكدها الحزب قبل حدوثهما بسنوات في تقرير القيادة المؤقتة للمؤتمر الاستثنائي عام 2003 وأضاف في المشروع: أن الحراك الشعبي لن يكون مؤقتاً ولن يتوقف حتى يأخذ مداه ويحقق أهدافه، وهنا يؤكد البرنامج أيضاً أنه على الأحزاب الثورية أن تناضل لتوجيه الحركة الشعبية في الاتجاهات الأكثر عمقاً، انطلاقاً من أعلى وآخر منصة معرفية وصلت إليها التجربة السابقة مع نهاية الحرب العالمية الثانية، وهذا الاستنتاج وهذا الموقف من ضمن الجديد والمتغير في الرؤية.

الفقرات 9 و10 و11 تناولت أن الحراك الشعبي سيفتح الباب واسعاً أمام إعادة الاعتبار لفكرة الوحدة العربية وفق مصالح الشعوب العربية في وجه الإمبريالية والصهيونية وأدواتها، وليس كما سابقاً وفق مصالح الأنظمة والقوى البرجوازية. وأضاف المشروع فكرة اتحاد شعوب الشرق من قزوين إلى المتوسط في مواجهة العدو ذاته الإمبريالي الصهيوني. والحراك الشعبي مؤشر لبدء موت الفضاء السياسي القديم المتشكل منذ الأربعينات والخمسينات وبدء الفضاء السياسي الجديد، وستكون برامج القوى هي العامل الحاسم في استقطاب الجماهير، وفق فكرة المهام الثلاث المترابطة التي ينفرد بها الحزب (الوطنية والاقتصادية الاجتماعية والديمقراطية) وجسدها بشعار حقيقي (السلطة للشعب والثروة للجميع والكرامة للوطن). وستكون هي ورقة عباد الشمس التي تميز الجماهير فيها بين يسار فعلي ويسار اسمي، ويمين فعلي ويمين اسمي، وليس الشعارات الإيديولوجية.

الفقرات 12 و13 و14 تناولت دور قوى الثورة المضادة في حرف الصراع الطبقي عن جوهره والحراك الشعبي عن أهدافه، بصراعات قومية شوفينية ودينية طائفية، وخاصةً بين التيارات الشعبية الفقيرة الثلاثة الإسلامي واليساري والقومي، بعكس مصالحها، وفق ثنائيات وهمية، منها: علماني ومتدين- ليبرالي وإسلامي- معارض وموالي- نظام ومعارضة- يساري وقومي- يساري وإسلامي- قومي وإسلامي، بينما الخندقان الأساسيان والطبقيات: شعوب وإمبريالية، وناهبين ومنهوبين.

ثنائيات مشوّهة

إنّ ما عمل الحزب من أجله للخروج من (الثنائيات الوهمية) التي وقف ضدها علناً، وهو ما عرضه للهجوم من الطرفين. وإذا نظرنا إلى هذه الثنائيات (كظاهرة) تبدو متناقضة في الظاهر، لكن من حيث (جوهرها) الاقتصادي الاجتماعي واحد وهو الليبرالية قديمها وجديدها، وإذا نظرنا لها من حيث مقولة الشكل والمضمون كذلك، وأقترح تسميتها (ثنائيات مشوّهة) لأنها ناتجة عن وعي مشوه سواء كان عمداً لدى العديد من القوى السياسية، أو عن غير عمد لدى بعض القوى الشعبية، ومضمونها واحد وهو مصلحة القوى الطبقية والسياسية الحاملة لها، وليس مصلحة الشعب والوطن.

الفقرات من 15 إلى 22 في مواجهة قوى الثورة المضادة المدعومة خارجياً إمبريالياً، إقليمياً وداخلياً رجعياً، واستغلالها لتصورات مبسطة من القرن التاسع عشر عن العملية الثورية بإنهاء دور الدولة مهما كان صغيراً، وبالتالي إحداث الفوضى الخلاقة في المجتمع أيضاً، بعداء وهمي صراعات عبر العنف والثورات الملونة.

ولمواجهة ذلك طرح فيها الحزب الحل وموقفه، وذلك عبر إحداث عملية فرز ضرورية، وهي الطريق الوحيد لإنجاز مهام الثورة الوطنية الديمقراطية الوطنية والاقتصادية الاجتماعية والديمقراطية، وهي استكمال للتحرر الوطني وتحرير الأراضي المحتلة وعلى رأسها الجولان وفلسطين، وحل القضايا القومية في منطقتنا كالقضية الكردية، بإحداث فرز طبقي في جهاز الدولة والمجتمع بين (ناهبين ومنهوبين) بينما مهمة القوى الثورية في الدول الإمبريالية العمل لتحقيق الثورة الاشتراكية الجديدة، وعملية الفرز تعيد الاعتبار للثنائيات الحقيقية فكرياً وطبقياً وسياسياً، على أساس رأسمالي واشتراكي، ووطني ولا وطني.

إن هذه الأفكار والحلول لمختلف القضايا في المنطقة في الرؤية تستند فكرياً إلى (الثابت) الماركسي اللينيني، ومن ضمن (المتغير) في الواقع وهي تدل على عُمق الرؤية التي صاغها الحزب في مشروع برنامجه.

معلومات إضافية

العدد رقم:
997