افتتاحية قاسيون 985: 2254 والتغيير الجذري الشامل
تناولت افتتاحية العدد الماضي من قاسيون أحد الجوانب الأساسية في حق السوريين، والسوريين فقط، في تقرير مصيرهم ومصير دولتهم السياسي بأنفسهم؛ وبالذات الجانب المتعلق بشكل الدولة وطبيعة العلاقة بين المركزية واللامركزية.
وفي الإطار العام نفسه، ولأنّ مجمل التغيرات السريعة التي تختمر حتى الآن، وإنْ لم تطف على السطح بوضوح كامل بعد، تقود نحو اقتراب التطبيق الكامل للقرار 2254، فإنّ من الضرورة بمكان إلقاء ضوء إضافي على جوهر هذا القرار ليس كمخرج وحيد من الكارثة الإنسانية فحسب، بل وكمدخل نحو سورية الجديدة؛ أي كمدخل نحو عملية التغيير الجذري الشامل.
إنّ الأزمة السورية التي انفجرت عام 2011 تعود في جذورها العميقة إلى ما قبل ذلك بعقود عديدة. وإنّ تبني السياسات الليبرالية بشكل علني عام 2005، ورغم أنه أسهم في تسريع انفجار الأزمة عبر مراكمة الفقر والبطالة وغيرها من الأزمات، إلا أنه كان جزءاً من مسار متكامل مرّ قبل ذلك بعدة محطات مفصلية بينها اتفاقيات التجارة الحرة العربية وقبلها قانون الاسثمار رقم 10 مطلع التسعينيات.
إنّ مجمل هذه السياسات الاقتصادية-الاجتماعية المنحازة كلياً لمصالح النخب الاقتصادية المحلية والدولية، وإلى نخب ومافيات الفساد الكبير، وضد مصالح الأغلبية الساحقة من السوريين، ترافقت مع أدواتها التنفيذية «الضرورية» بالمعنى السياسي؛ أي أنها ترافقت مع تخفيض مستمر لمستوى الحريات السياسية بحيث يجري إخضاع المجتمع بالقوة لسياسات ضد مصالحه.
التراكب بين نوعية السياسات الاقتصادية-الاجتماعية، وأدواتها التنفيذية، لم ينشأ في يوم وليلة، بل بشكل تدريجي وطويل الأمد، وبالاستناد إلى ميزان قوى دولي كان السائد فيه هو قوى الغرب الاستعماري، ووصولاً إلى حالة عامة باتت أقرب إلى التعفن في كل الاتجاهات.
اليوم، وبعد كل ما جرى، وعلى عتبة الدخول في مرحلة نوعية جديدة، فإنّ الأهمية الحاسمة لتنفيذ القرار 2254، وعلى أساس العرض السابق، إنما تتلخص في قضيتين محوريتين:
أولاً: تصفير التدخلات الدولية بحيث يتم وضع الأساس المادي الكافي ليتمكن الشعب السوري من تقرير مصيره بنفسه.
ثانياً: فتح الباب السياسي بشكل عملي، للتخلص من حالة العفونة القائمة، عبر إطلاق الحريات السياسية بشكل حقيقي ليتمكن الشعب السوري من قول كلمته.
إنّ العالم الذي نعيش فيه هو عالم شديد الترابط، إلى ذلك الحد الذي يصبح معه الفصل بين قوى الفساد الكبير الداخلي، وقوى الغرب الاستعماري، فصلاً خاطئاً بالكامل بالمعنى النظري والعملي، وليس أدل على ذلك من الربح الذي يحققه الطرفان من العقوبات...
أي أنّ قدرة قوى الفساد الكبير الداخلي على التحكم بمصائر السوريين، هي في الجوهر خضوع لميزان قوى دولي قديم كان السائد فيه هو الغرب...
بالمقابل، فإنّ ميزان القوى الدولي الجديد، والذي يصب في مصلحة الشعب السوري في نهاية المطاف، وعبر القرار 2254 بشكل ملموس، يفتح الباب بشكل عملي، لإخراج سورية من تحت مطرقة الغرب لا بالشعارات والمتاجرة بها، بل بفتح الباب لتأمين اصطفاف شعبي يفرض سياسات ديمقراطية واقتصادية اجتماعية منحازة لمصلحة عموم السوريين.
ولذا بالضبط، فإنّ تنفيذ هذا القرار، هو في آن معاً: تأمين للخروج من الأزمة، وفتح للباب أمام السوريين ليقرروا ما يشاؤوا... وما نراه كجهة سياسية هو أنّ مصلحة الشعب السوري هي في تغيير جذري شعبي شامل، وبكل الاتجاهات.
لتحميل العدد 985 كاملاً بصيغة PDF
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 985