افتتاحية قاسيون 984: المركزية واللامركزية... وحق تقرير المصير

افتتاحية قاسيون 984: المركزية واللامركزية... وحق تقرير المصير

يرتفع مستوى التركيز هذه الأيام على النقاشات المتعلقة بشكل سورية المستقبل، بما في ذلك طبيعة نظامها السياسي، والعلاقة بين السلطات، وآليات توزيع الصلاحيات بينها، وبين المركز والأطراف، وغير ذلك من القضايا ذات الطابع الدستوري من حيث المبدأ.

لا ينجم هذا التركيز عن عمل اللجنة الدستورية نفسها، وهو العمل الذي ما يزال متعثراً، بقدر ما ينجم عن فهم مختلف الأطراف أنّ استحقاقات إنجاز الحل قد باتت على طاولة التنفيذ العملي، أو هي على وشك ذلك.

وفي هذا الإطار، واستكمالاً لما ناقشته قاسيون في افتتاحيتها الماضية، نقف هنا عند إحدى النقاط التي تجتذب أكبر قدر من الآراء والنقاشات في المرحلة الراهنة، ونقصد موضوع العلاقة بين المركزية واللامركزية.

أول ما ينبغي تثبيته، هو أنّ هذه المسألة، وغيرها من المسائل المتعلقة بشكل سورية المستقبل، هي مسألة سورية بحتة، ولا يحق لأيٍ كان من الخارج أن يتدخل فيها، بأي شكل من الأشكال، سواء كان بأدوات ناعمة أو فجة ومباشرة... فهذه المسائل هي جزء جوهري من حق الشعب السوري في تقرير مصيره بنفسه، وكل تدخل في هذه القضية هو استمرار للعقلية الاستعمارية البائدة، وهو مرفوض رفضاً قاطعاً من أي جهة جاء.

وضمن النقاش بين السوريين، فإنّ المبدأ الحاكم للعملية بأسرها ينبغي أن يكون مبدأ التوافق؛ بحيث يطرح كل طرف قناعاته ويبررها ويدافع عنها بالحجة والمنطق، لينتج عن احتكاك هذه القناعات، قناعات جامعة وحدود مشتركة جامعة الأساسي فيها هو الحفاظ على وحدة سورية أرضاً وشعباً وفتح آفاق النمو والعدالة الاجتماعية والديمقراطية.

يتلخص رأينا في المسألة بالخطوط العامة التالية:

أولاً: الطرح الفيدرالي، وإنْ كان بتطبيقه العملي في دول مثل روسيا أو سويسرا، قد أثبت نجاحاً كبيراً، إلا أنه جزء من سياق تطوري طويل خاص بتلك الدول. في الخصوصية السورية، ومع حجم التنوع الهائل في المجتمع السوري، ومع الحالة المنهكة للدولة والمجتمع، فإنّ الفيدرالية ستكون مضرة ضرراً كبيراً يصل حد تهديد وحدة البلاد.

ثانياً: الطروحات التي تقول بـ«حكم ذاتي»، والتي تطرح أحياناً بالربط مع أقليات قومية، مشكلتها الأساسية أنّ طبيعة التوزع في سورية هي طبيعة شديدة التداخل، والدفع بهذا الاتجاه يعني الدفع باتجاه إعادة تشكيل التركيب السكاني السوري بشكل خطير يفتح الأبواب على نماذج من مثل النموذج اليوغلاسافي... ولذا فرأينا أنّ هذا أيضاً لا مكان له في سورية.

ثالثاً: الحديث عن اللامركزية بشكل أحادي الجانب ودون تحديد طبيعة علاقتها بالمركزية، يعبر في بعض الأحيان عن ارتداد يعيد طرح المفهومين السابقين بقالب جديد... في حين إنّ اللامركزية مطلوبة وضرورية بوصفها سلطة الشعب في المناطق عبر مجالسه المنتخبة على كل الجهاز التنفيذي للدولة... فلا سبيل لمحاربة الفساد ومنعه بشكل فعلي دون هذه الرقابة، كما لا مجال لفتح آفاق النمو والتنمية والعدالة دون سلطة حقيقية ومباشرة للناس في المناطق، تأخذ بعين الاعتبار توزيعاً عادلاً للموارد والفرص والإمكانات على مستوى البلاد ككل.

بالتوازي مع هذه اللامركزية، فالبلاد بحاجة لمركز قوي يحفظ وحدتها في الشؤون السيادية الأساسية، ويدير الخطوط العامة للمشاريع الوطنية الكبرى المطلوبة خلال عملية إعادة الإعمار القادمة، وذلك كله في إطار التنفيذ الكامل للقرار 2254 بيد السوريين و لمصلحتهم.

لتحميل العدد 984 كاملاً بصيغة pdf

معلومات إضافية

العدد رقم:
984
آخر تعديل على الإثنين, 21 أيلول/سبتمبر 2020 14:25