افتتاحية قاسيون 981: لا للحرب!
تتعزز في الآونة الأخيرة إشارات الخطر حول احتمالات انزلاق منطقة شرق المتوسط نحو نوع جديد من الحروب والصراعات عنوانها العريض هو محاولة القوى الإقليمية إعادة تقاسم النفوذ... والتوتر المشتعل بين تركيا واليونان هو المثال الأبرز هذه الأيام.
ومع أنّ القراءات المتعلقة بهذا النوع من التوترات، تدور بمعظمها حول مصادر الغاز الطبيعي المكتشفة حديثاً في المتوسط، وحول خطوط الطاقة المقامة فعلياً، وتلك التي تحاول بعض الدول العمل على إنشائها، إلا أنّ في عمق المسألة بعداً آخر دولي الطابع.
الثابت اليوم بما يخص التحولات الدولية الجارية، هو أنّ دول المركز الإمبريالي الغربي الكبرى، وعلى رأسها الولايات المتحدة، محكومة ليس بالتراجع على المستوى العالمي فحسب، بل وأيضاً بالانسحاب وإعادة التموضع في مناطق مختلفة في العالم، وفي مقدمتها منطقة شرق المتوسط...
مع عملية الانسحاب هذه، يظهر أنّ هنالك محاولة لإحلال نوع جديد من الفوضى الخلاقة يستند إلى التنافس بين الدول الإقليمية، وإلى التعصب القومي، لإشعال نار حروب بينية طاحنة، تحرف الشعوب عن نضالاتها الداخلية الاقتصادية- الاجتماعية الناضجة للحل، وتُدخل منطقة ربما تكون الأهم في العالم بالمعنى الجيوسياسي في أتون نارٍ مشتعلة تغطي على الانسحاب الغربي، وتمنع تالياً الدول الصاعدة من استكمال مشاريعها الاقتصادية الكبرى (المشروع الأوراسي والحزام والطريق)؛ هذه المشاريع التي ينبغي استكمال إنجازها لاستكمال إظهار التوازن الدولي الجديد بحجمه الكامل... ومن نافل القول إن البيئة المناسبة لاستكمال هذه المشاريع هي بيئة مستقرة أمنياً وسياسياً واقتصادياً... أي بيئة مختلفة كل الاختلاف عن واقع الحال القائم، ولا شك متناقضة كلياً مع احتمالات حروب بينية جديدة.
وإذا كانت القوى التقدمية في النصف الأول من القرن العشرين قد رفعت شعار «فليسقط مشعلو الحروب»، ولم تتمكن من تحقيقه إلا بإسقاط هؤلاء عبر الحرب نفسها، أي عبر الحرب العالمية الثانية والانتصار على الفاشية، فإنّ المهمة اليوم هي إسقاط مشعلي الحروب عبر ردعهم ومنعهم من إشعال الحروب من الأساس.
مهمة كهذه، هي مهمة قابلة للتحقيق، وهي مهمة ضرورية في الوقت نفسه. ولبلدنا سورية دور مهم في هذا الإطار؛ فإنهاء الحرب السورية بشكل كامل، وإنهاء التوتر الحاصل والمأساة الحاصلة بأشكالها المختلفة، من شأنه أن يقدّم أول نموذج عن الحلول السياسية في إطار التوازن الدولي الجديد، الحلول التي تضع في المقام الأول حق الشعوب في تقرير مصيرها بنفسها.
ضمن هذا الفهم، فإنّ إنهاء الأزمة السورية عبر التطبيق الفوري والكامل للقرار 2254، بات مهمة إنسانية على عاتق الوطنيين السوريين، ليس لمصلحة الشعب السوري فحسب، وليس لمصلحة الشعب اللبناني كما أشرنا في افتتاحية سابقة فحسب، بل ولمصلحة مجمل شعوب المنطقة الممتدة من قزوين إلى المتوسط... لأنّ نموذج الحل السوري سيتحول إلى نقطة إشعاع تضيء للمنطقة بأسرها...
الانتصار على الحرب في سورية، هو الفرصة التاريخية الثانية بعد الحرب الأهلية الإسبانية عام 1936... علينا هذه المرة أن ننتصر على الحرب في سورية، لنمنعها في الإقليم بأسره!
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 981