أوراسيا وتشبيك المنطقتين الحضاريتين
سعد خطار سعد خطار

أوراسيا وتشبيك المنطقتين الحضاريتين

لطالما أعطت روسيا والصين الأولوية القصوى لعملية الإنشاء المشترك للمشروع الأوراسي، الذي يعطي فرصة للتعاون متبادل المنفعة. وفي سياق تثبيت أركان هذا المشروع، يعمل الجانبان بنشاط على الربط بين الاتحاد الاقتصادي الأوراسي ومبادرة الحزام والطريق، بوصفه الطريقة الأساس لدفع المشروع خطوات واسعة نحو الأمام.

يعتمد التطوير المشترك لمبادرات التكامل الموجودة اليوم على المتطلبات الاقتصادية العميقة للدول المشاركة، حيث أن مهمة عملية الربط هذه هي «تشبيك منطقتين حضاريتين معاً» وفقاً لتعبير وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، الذي أكد مراراً على أن الربط بين الاتحاد الاقتصادي الأوراسي «EAEU» ومبادرة الطريق والحزام «BRI» سيضع الأسس لتشكيل فضاء جيوسياسي أوراسي جديد مفتوح لجميع الدول وتحالفات التكامل دون استثناء.

التعاون العملي بين «BRI» و«EAEU»

أدى التعاون في هذا المجال بين الصين وروسيا إلى عدد من النتائج العملية، ومنها مثلاً مبادرة الشراكة الأوراسية الخارجية، التي أكد الرئيسان الروسي والصيني على أنها تتناغم مع فكرتهما في إقامة شراكة أوراسية أكبر. وفي أواخر العام 2019، وقعت روسيا والصين اتفاقية جديدة بشأن تبادل المعلومات حول السلع والمركبات المشاركة في النقل الدولي عبر الحدود الجمركية للاتحاد الاقتصادي الأوراسي وجمهورية الصين الشعبية في منتدى سانت بطرسبرغ الاقتصادي الدولي، وسيسمح تبادل المعلومات هذا بتسريع إجراءات التخليص الجمركي للسلع المستوردة إلى المناطق الجمركية في الاتحاد الاقتصادي الأوراسي والصين، وبالتالي زيادة جاذبية العبور عبر أراضي الموقعين على الاتفاقية.
وخلال هذا العام، دخلت اتفاقية التعاون التجاري والاقتصادي بين الاتحاد الاقتصادي الأوراسي والصين حيز التنفيذ، إذ تخلق الاتفاقية إطاراً قانونياً لمزيد من التفاعل حول مجموعة واسعة من القضايا. وتتمثل أهدافها في زيادة فعالية القوانين التنظيمية، وتبسيط الإجراءات التجارية، وتقليل الحواجز، وتطوير التعاون في مجموعة واسعة من القضايا، ما يعني فعلياً وضع الأساس لترسيخ منظومة تبادل تجاري مستقلة عن الهيمنة الأمريكية التقليدية.
وزادت التجارة المتبادلة في السنوات الأخيرة، فاعتباراً من نهاية العام 2018، نمت التجارة بين دول الاتحاد الاقتصادي الأوراسي للصين بنسبة 23%، لتصل إلى 126,3 مليار دولار، مع نمو صادرات الاتحاد إلى الصين بنسبة 39% وفي الوقت نفسه، شكلت الصين 16,8% من حجم التجارة الخارجية لدول الاتحاد. وتشير البيانات الأولية إلى أنه على الرغم من أن إجمالي حجم التداول التجاري لدول الاتحاد الاقتصادي الأوراسي قد تقلص في عام 2019، إلا أنه نمت تجارته المتبادلة مع الصين بنسبة 5% إلى 132,5 مليار دولار، مع نمو الصادرات بنسبة 4% ونمو الواردات بنسبة 5,7%. وتمثل الصين الآن 18,1% من التجارة الخارجية للاتحاد. ولا تزال هنالك إمكانية كبيرة لزيادة تنمية التجارة المتبادلة. كما تهتم دول الاتحاد بتطوير تعاون استثماري واسع النطاق مع الصين، وتنفيذ مبادرات مشتركة في مجال مشاريع التعاون الصناعي، وكذلك مجال الربط بين البحوث والتكنولوجيات والابتكارات.

آفاق التعاون في القطب الشمالي

كرست روسيا والصين الكثير من الاهتمام في السنوات الأخيرة لتعاونهما المشترك في القطب الشمالي. وتشمل مجالات التفاعل ذات الأولوية استخدام طرق الشحن، وتنمية الموارد، والسياحة، والبحوث القطبية، وحماية البيئة. وينضوي التعاون المشترك بين روسيا والصين في مسألة القطب الشمالي على الكثير من الأهمية، نظراً لما يشكله من سلاح فعّال في مواجهة التعنت الأمريكي على الصعيد الاقتصادي عالمياً، ذلك أنه في حال نجاح المشروع الروسي الصيني في منطقة القطب الشمالي، من شأن ذلك أن يسرع مشاريع الربط الاقتصادي التي يعمل الجانبان على بنائها، كما أنه سيسرع من وتيرة انضواء الدول الأخرى في إطار هذه المشاريع التي لا تقف عند حدود المنفعة الاقتصادية المباشرة فحسب، بل والإستراتيجية كذلك.
وتجري حالياً مناقشة تطوير الشحن على طول طريق البحر الشمالي (NSR) بوتيرة متزايدة بين الجانبين. وأكد الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، مؤخراً: إن روسيا تُؤمن بآفاق إنشاء طريق تنافسي عالمي يربط بين أوروبا وآسيا، مشدداً على أنه يمكن إنشاء هذا الطريق «من خلال ربط طريق البحر الشمالي والقسم البحري من مبادرة طريق الحرير الصيني الجديد»، وأشار كذلك إلى الأهمية الخاصة لطريق «القطب الشمالي، سيبيريا، آسيا» المحتمل، والذي تأمل روسيا أنه سيربط موانئ طريق البحر الشمالي والمحيط الهادئ والمحيط الهندي، وهو الطريق الذي لا يحظى بالكثير من التغطية الإعلامية، بالرغم من أنه يشكل صفعة قوية لطريق التجارة الجنوبي الذي تهيمن عليه واشنطن (من خلال التحالفات المشتركة مع دول المنطقة في مواجهة الصين، وكذلك من خلال مجموعة من بؤر التوتر الموجودة في الدول المطلة على المحيطين الهادئ والهندي).
تنظر روسيا إلى الصين كشريك حاسم في استخدام طرق القطب الشمالي. فمن جهة، يمكن للشركات الصينية الاستثمار في مشاريع كبيرة وتوريد الحلول التكنولوجية والقيام بأعمال الهندسة والبناء، ومن جهةٍ أخرى، تهتم الشركات الصينية بشكل كبير في الملاحة على طول «طريق البحر الشمالي» على امتداد الطريق بين الصين وأوروبا، على افتراض أن البنية التحتية اللازمة والظروف المواتية موجودة، وهنالك فرص كبيرة من أجل التأسيس لتدفق الشحن. وتعمل الصين بنشاط على بناء كاسحات الجليد والسفن المواتية للعمل في ظروف القطب الشمالي. ووفقاً لتقارير إعلامية، تخطط الصين للبدء في بناء كاسحات الجليد الخاصة بها والتي تعمل بالطاقة النووية.

معلومات إضافية

العدد رقم:
981
آخر تعديل على الإثنين, 31 آب/أغسطس 2020 13:05