الشمال الشرقي.. لا جديد لدى جيفري
تؤكد التقارير الإعلامية أن الجولة الثانية من التفاوض الكردي– الكردي مستمرة، دون الإعلان عن نتائج ملموسة لهذه الجولة حتى الآن، وذلك استمراراً للجولة الأولى التي انعقدت قبل فترة برعاية أمريكية، كما تمّ الإعلان عنها في حينه، من أجل الوصول إلى تفاهمات كردية، لتشكيل مرجعية سياسية تمثل الكرد السوريين في أطر الحل السياسي للأزمة السورية، وقد كانت قاسيون قد عالجت الموقف من هذه المسألة من خلال العديد من المقالات، والتصريح الذي أصدره حزب الإرادة الشعبية حول هذه المسألة بتاريخ19/6/2020.
مؤتمر صحفي لجيمس جيفري
كون التفاوض يجري برعاية أمريكية، من الضروري الوقوف عند المواقف المستجدة للراعي حول الملف الكردي عموماً، والكردي السوري على وجه الخصوص، فقد كان جيمس جيفري المبعوث الأمريكي الخاص، ومن خلال مؤتمر صحفي قبل ما يقارب الأسبوع قد أكد على جملة قضايا، وأرسل كعادته إشارات في اتجاهات مختلفة، فيما يتعلق بالموقف الأمريكي، وفي معرض رده حول الشركة الأمريكية النفطية التي وقعت عقداً لاستثمار بعض الحقول النفطية في المناطق الخاضعة لسلطة الإدارة الذاتية، قال جيفري: (..لا يمكننا الدخول في تفاصيل ما يسمى بتراخيص مكتب مراقبة الأصول الأجنبية، لأن ذلك يتضمن، مصالح ومعلومات خاصة بشركة ما، بما في ذلك في هذه الحالة)
وأضاف جيفري: (نحن لا نشارك في القرارات التجارية لشركائنا المحليين في شمال شرق سورية، لم نقم بأي شيء آخر يتعلق بهذه الشركة، النفط السوري للشعب السوري، ونحن نبقى ملتزمين بوحدة وسلامة أراضي سورية، لا تملك حكومة الولايات المتحدة أو تتحكم أو تدير موارد النفط في سورية، سمعتم موقف الرئيس من حراسة الحقول النفطية، نحن لا نتجاوز ذلك...)
وردأ على سؤال آخر يتعلق بالتوغل التركي في إقليم كردستان العراق بذريعة ملاحقة العمال الكردستاني، قال جيفري: (سأبقى مع ما قلته عن تركيا وتلك الضربات، نحث تركيا على مواصلة التنسيق مع العراق بشأن حرب تركيا ضد الإرهاب، والتي نراها كفاحاً مشروعاً ضد حزب العمال الكردستاني. لكن مرة أخرى، نعتقد أنه ينبغي إجراؤها بالتنسيق مع السلطات العراقية).
واضح تماماً في ردود ممثل الإدارة الأمريكية، أنه لا جديد فعلياً لدى الرجل سوى إرسال إشارات (اطمئنان) إلى تركيا بإطلاق يدها فيما يتعلق بملف العمال الكردستاني في إقليم كردستان العراق، والإبقاء على حالة اللاحل في الشمال الشرقي.
توازن صفري
في الشمال الشرقي السوري، خمس قوى دولية، عدا عن وجود أجهزة الدولة السورية في المدينتين الرئيستين، فلا أحد يستطيع إلغاء أحد، أي أن توازن القوى عملياً هو توازن صفري، إذا انطلقنا من إحداثيات المكان، الممكن الواقعي الوحيد، والجامع الوحيد المتفق عليه افتراضاً، هو ما يتوافق مع القانون الدولي، والقرارات الدولية، أي التعاطي مع المشهد والموقف، على أن هذه المنطقة هي جزء من الدولة السورية قولاً وفعلاً، وأنه يجب بحث جميع الملفات بما فيها الملف الكردي على طاولة الحل السياسي المنشود، وكل ما عدا ذلك، هو إضاعة وقت، أما إضاعة الوقت والتأخير، فتفتحان الباب على بديل وحيد، وهو احتمال الفوضى، والخاسر الأكبر من الفوضى هم السوريون عموماً، والكرد على وجه الخصوص، خصوصاً في ظل الانقسام الحاد ضمن الإدارة الأمريكية حول الخيارات الأمريكية اللاحقة، مع الإشارة إلى أن الدعوة إلى إعادة المنطقة إلى سيادة الدولة السورية، لا تعني القبول بالنظام كما هو، بل تعني قبل ذلك ضرورة الخروج من دائرة التجاذب الدولي والإقليمي الخطيرة جداً، يعني لجم الهمجية التركية، وإسقاط ذرائعها، ويعني أيضاً الحق المشروع في الصراع السياسي من أجل التغيير الجذري.
بمن نثق؟
يجب عدم ربط إعادة سلطة الدولة السورية إلى جميع مناطق الشمال السوري بموقف النظام، وبالموقف منه، فهي ضرورة موضوعية طالما أن الحديث عن التقسيم- وكما هو معلن- أمر مرفوض.
إن عدم الثقة بالنظام، لا تعني الثقة بالولايات المتحدة، والدعوة إلى عدم الثقة بالولايات المتحدة، لا تعني أنها دعوة للعودة إلى حضن الوطن بالطريقة التي يفسرها النظام، إن الدعوة إلى عدم الثقة بالطرف الأمريكي، لم تعد موقفاً إيديولوجياً، رغم مشروعيته، وليست موقفاً أخلاقياً، رغم وجود ألف اعتبار واعتبار أخلاقي، بل عدم الثقة هنا، وبالإضافة إلى الجانب السياسي والأخلاقي، باتت مسألة براغماتية صرفة، لأن الولايات المتحدة لم تعد قادرة على الاستفراد بالقرار، وترجمة ذلك في الواقع العملي، تعني أن من يراهن عليها سيخسر، لأن هذه الدولة لا تنظر إلى الآخرين، كل الآخرين إلا أتباعاً، وهي في ظل تراجعها، تستخدم كل ما لديها من أوراق وأتباع، في المعركة مع القوى التي تنافسها، تبتز بهم الخصوم تارة، وتساوم عليهم تارة مع خصومها، للحصول على تنازلات، خصوصاً وأن سورية تعتبر أحد خطوط التماس الأساس في الصراع الدولي، والإقليمي، وإشارة ترامب سابقاً وجيمس جيفري في مؤتمره الصحفي الأخير واضحة في هذا السياق (حراس النفط).
التدويل ليس حلاً
إذا كانت محاولات الدفع باتجاه المزيد من تدويل الملف الكردي السوري، تأتي بسبب (عدم الثقة بالنظام ومعارضة الائتلاف) فإن التدويل، لا يحل المشكلة، بل يعقدها أكثر فأكثر، إذ يدخل عامل إضافي يدفع المسألة الكردية إلى مستنقع الصفقات المشبوهة، ويوحد الدول الإقليمية في مواقفها المعروفة من المسألة، مما يكون خللاً جديداً في التوازنات المختلة أصلاً، بحيث يعيدها إلى ما قبل المربع الأول، فالتجربة الكردية عموماً تؤكد– وعلى عكس ما يشاع- بأنه كلما ازداد مستوى التدويل، كلما ازدادت المخاطر على الشعب الكردي وفق تناسب طردي، ففي بداية الاستقطاب الدولي حول المسألة الكردية في سورية كان الاحتلال التركي لعفرين، ومع ارتفاع حدة الاستقطاب كان احتلال رأس العين وتل أبيض، وأية تجربة أخرى من هذا النوع ستعني تصفية المسألة الكردية- كما أكدت قاسيون مراراً- كونها ستؤدي إلى إنهاء حاملها المادي أي الكرد السوريون، الذين تناقص عددهم إلى النصف خلال سنوات الأزمة، حسب أكثر الإحصاءات تفاؤلاً، إن المخرج الواقعي والوحيد، والذي سيخرج المسألة الكردية من المأزق، هو الانخراط مع القوى الوطنية السورية في النضال من أجل الحل السياسي وعملية التغيير الوطني الديمقراطي، لاسيما وأن آفاق الحل السوري لن تكون خاضعة لمواقف النظام وحده، وإن الناظم الأساس لوضع سورية اللاحق هو القرار 2254 الذي يفسح المجال لبحث جميع القضايا بما فيها المسألة الكردية، وكل ما عدا ذلك عبث.
الأكراد ليسوا وحدهم
الثابت الذي يجب ألّا يغيب عن البال أبداً ودائماً فيي أية مقاربة حول المسألة الكردية في سورية، أن الكرد ليسوا وحدهم من يقطن الشمال السوري، وبالتالي فإن مصير المنطقة لا يتعلق برغبة وسياسة الحركة السياسية الكردية فقط، بل هو شأن عام عابر للانتماءات القومية والدينية وحتى السياسية هو شأن شعبي عام، ومن هنا فإن التفاهم بين أبناء تلك المنطقة ضرورة دائمة، مسألة لا يحق لأية جهة تجاوزها وتجاهلها.. وعندما نؤكد على ضرورة التفاهم مع (المكونات) الأخرى لا نقصد بطبيعة الحال إرضاء تلك النخب الإقصائية المرتهنة لأجندات إقليمية ودولية، بل نقصد الإطار الشعبي العام، وترجمة ذلك هي الانطلاق من أن وضع هذه المنطقة في سورية هو جزء من المسألة الوطنية السورية.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 980