جرائم الحرب لا تنتهي إلّا بانتهائها
جريمة الحرب التي فرضت المأساة على أهالي محافظة الحسكة والمتمثلة بقطع المياه عنهم لمدة تجاوزت الأسابيع الثلاثة من قبل قوات الاحتلال التركي، يبدو أنها في طريقها للحل الجزئي، بحسب ما رشح عبر بعض وسائل الإعلام، بالرغم من عدم استكماله حتى الآن.
فالاستثمار بالمأساة ما زال مستمراً على قدم وساق على ما يبدو من قبل الكثير من القوى الفاعلة والمؤثرة، وكل بحسب أجندته ومقتضيات مصالحه ووزنه، على حساب استمرار معاناة مليون مواطن، لتضاف هذه الجريمة الجديدة إلى أصلها المكرر، مع تداعياتها غير المنتهية.
جرائم متراكبة
الاحتلال جريمة، وقطع المياه جريمة، وتكرارها جريمة أكبر، والابتزاز والاستثمار بالمأساة جريمة إضافية، والمساومات على حساب المعاناة جريمة مضاعفة، وكل ذلك جرى ويجري وما زال مستمراً حتى الآن، ولا يوجد ما يشير إلى عدم استخدام هذه الورقة أو سواها من احتياجات وضرورات إنسانية في عمليات الضغط والابتزاز اللاحقة، سواء من قبل الاحتلال التركي بشكل مباشر، أو من قبل الاحتلال الأمريكي من خلف ذلك بشكل غير مباشر، وعبر أدوات هذا وذاك المباشرة وغير المباشرة أيضاً، بحكم السيطرة والنفوذ على المنطقة.
مع الأخذ بعين الاعتبار أن هذه الجرائم المتراكبة والمركبة تفعل فعلها، مؤثرة ليس على الاحتياجات الإنسانية للمواطنين بهذه الرقعة الجغرافية من أرض الوطن فقط، بل يطال أثرها عموم المواطنين وعلى كامل الجغرافيا السورية، ولعل حملات التعاطف الكبيرة والواسعة مع أهلنا في محافظة الحسكة مؤشر صغير جداً على ذلك.
خلط الأوراق ووسائل الضغط
لن نقلل من أهمية حملات التعاطف الإنساني الواسعة مع أهلنا في محافظة الحسكة، التي طغت وتزايدت خلال الأيام الماضية، ولا من اعتبارها وسيلة ضغط من أجل إيجاد الحلول لمأساتهم الحالية المتعاظمة من خلال تزايد مواقف الإدانة لهذه الجريمة، سواء على المستوى الشعبي، المحلي والإقليمي والدولي، أو على مستوى بعض الدول والمنظمات الإنسانية، رغم قلتها، لكن ذلك، وعلى الرغم من ضرورته وأهميته، إلا أنه غير كافٍ على مستوى الوصول للحلول النهائية لكل الكارثة الإنسانية التي يعاني منها جميع السوريين على كامل أرضهم.
فلا يجب أن يساور أحد الشك في أن الجريمة الحالية، مع ما تراكب عليها أو ما سبقها من جرائم إضافية، لن تكون مختلفة عما سبقها من جرائم من حيث النتيجة، فهي قابلة للتكرار طالما لم تنزع أوراق الضغط والابتزاز بشكل نهائي من أيدي التركي والأمريكي، أو أية قوة غازية أخرى.
ولعل أولى وأهم أوراق الضغط بيد التركي والأمريكي، هي التواجد العسكري على الأرض كقوة احتلال مباشر، لتضاف إليها الكثير من الأوراق الأخرى التي لا تقل عنها أهمية، بما في ذلك وضع المواطنين كرهائن للابتزاز والمساومة، مع عدم تغييب أوجه الاستثمار الأخرى الأكثر قذارة ربما والمتمثلة بإعادة خلط هذه الأوراق مراراً وتكراراً، وكلما أتيحت لهؤلاء الفرصة لذلك.
السيادة وتقرير المصير
لعلنا لا نبالغ في القول ربطاً مع بعض مجريات الأمور على الساحة السياسية والعسكرية: أن جريمة الحرب الأخيرة، والبازارات التي فتحت على أرضية المأساة الإنسانية لأهلنا في الحسكة، يجري استخدامها تماماً بغاية إعادة خلط الأوراق، ليس في منطقة الشمال الشرقي فقط، بل وفي عموم المنطقة بامتداداتها وتداخلاتها الإقليمية والدولية.
وفي هذا الصدد، لا بد من التذكير ببعض العناوين الأخيرة البارزة بما يخص الأزمة السورية:
- الحل السياسي وجولة المباحثات للجنة الدستورية.
- الإعلان عن الانسحاب الأمريكي والموقف الأخير من مسألة النفط السوري.
- التورط التركي في العراق وسورية.
- تزايد حدة الاستقطاب الدولي في المنطقة، وتزايد قوة وفاعلية التوازن الدولي الجديد فيها...
وبعيداً عن الخوض في الكثير من التفاصيل والمتاهات التي يسعى البعض إلى تحقيقها من خلال ممارسات خلط الأوراق، وإعادة خلطها بين الحين والآخر، فإن ما يعنينا من الأمر هو: التأكيد على أن جرائم الحرب، بمختلف أنواعها وتوصيفاتها ومن يكون خلفها، لا يمكن لها أن تنتهي إلّا عبر إنهاء الحرب نفسها في البداية، ثم العمل على التخلص من نتائجها وآثارها وتداعياتها.
وفي هذا السياق، ربما يجب التركيز على نقطتين محوريتين لا بد من إنجازهما:
استعادة حق الدولة السورية في بسط سلطتها وسيطرتها على جميع أراضيها، وبالتالي فإن مسألة خروج كافة قوات الاحتلال قضية وطنية جامعة لا بد من إنجازها كمهمة، وبكافة الوسائل المتاحة والمشروعة، أي سحب الورقة الأهم من أيدي قوى الاحتلال وسواها.
تكاتف وانخراط جميع القوى الوطنية للوصول إلى الحل السياسي وفقاً للقرار 2254، الذي يعتبر البوابة الوحيدة للخروج من الأزمة الوطنية العميقة، وصولاً لتنفيذه كاملاً، بما يُحقق ويُعيد للشعب السوري حق تقرير مصيره، فارضاً سيادته موحداً على كامل ترابه الوطني.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 980