افتتاحية قاسيون 979: اللهاث الأمريكي وراء الفوضى

افتتاحية قاسيون 979: اللهاث الأمريكي وراء الفوضى

يقدم المشهد الهزلي الذي وجدت واشنطن نفسها فيه في مجلس الأمن الدولي منذ أيام، مع حليف واحد هو جمهورية الدومينكان (المجهرية حجماً ووزناً)، وفي وجه الدول الأخرى جميعها، نموذجاً أولياً من مسرحيات كاملة سنشهدها خلال الأشهر والسنوات القادمة؛ فذلك هو حال الإمبراطوريات المتهاوية عبر التاريخ، تتحول في أيامها الأخيرة إلى أنموذج مثالي للسخرية.

رغم ذلك، وريثما تتم عملية التراجع والتهاوي، فإنها ستمر، ومرت فعلاً، عبر مصائب وفجائع ودماء مهمتنا أن نقلصها إلى الحدود الدنيا أو نمنعها حيث نستطيع. ومن سوء طالعنا أنّ منطقتنا كانت في طليعة دافعي ضريبة التحول العالمي.

في سياق التراجع الأمريكي العام، فإنّ عملية الانسحاب وإعادة التموضع العسكري، باتت واضحة وجليّة، ولعل تصريحات بولتون التي أكد فيها الاتجاه العام للانسحاب الأمريكي الشامل، حتى من الناتو، مجرد مؤشر (على أهميته)، يضاف إلى الوقائع الكثيرة.

ضمن عملية الانسحاب، التي ستشمل سورية، فإنّ الأمريكي يسعى جاهداً، وفي سباق محموم مع الزمن، إلى إحلال الفوضى وزرع الألغام في كل مكان سينسحب منه، كما كان شأنه خلال وجوده. وظيفة الفوضى والمستنقعات هي إطالة استنزاف الخصوم، ومنع استقرار المناطق التي يتركها. وكمحصلة عامة، تأخير إظهار التوازن الدولي الجديد بحجمه الكامل؛ فمن شأن الفوضى، كما هو الحال خلال الحروب، أن تترك الاحتمالات مفتوحة، ولو إلى حين.

بالملموس السوري، فإنّ العمل الأمريكي يتركز على مجموعة ملفات يمكننا إجمال الأكثر أساسية بينها بما يلي:

أولاً: في الشمال الشرقي، السعي إلى إضعاف كل القوى، وفي الوقت نفسه إدخالها في اقتتال بيني. بشكل خاص، السعي لاستخدام ورقة الصراع القومي بين عرب وكرد. ولهذا الغرض، يجري استخدام المتشددين من كل الأطراف السورية، والاستفادة منهم إلى الحد الأقصى.

ثانياً: في الشمال الغربي، العمل على تسريع عملية «سورنة» النصرة التي تسعى لها واشنطن منذ أشهر عديدة إن لم نقل سنوات. وذلك بالتوازي مع تحركات الجولاني الأخيرة، والزخم الإعلامي الذي تحيطه به مراكز الأبحاث الأمريكية.

ثالثاً: في بقية المناطق السورية، تكريس العقوبات أكثر فأكثر، وعبر قيصر بصورة خاصة، والاستفادة حتى من كورونا، وبطبيعة الحال من المتشددين ضمن النظام وفسادهم الكبير، لتحويل هذه المناطق إلى برميل بارود وتفجيره إنْ أمكن.

رابعاً: بالمعنى العام، وعبر الخيوط السابقة كلّها، الاستمرار في محاولات الفتنة بين ثلاثي أستانا، لعل وعسى تجري إعاقة تنفيذ سوتشي الذي حقق خلال الأسابيع الماضية تقدماً ملحوظاً على طريق تنفيذه الكامل، ولإعاقة الحل وإعاقة تطبيق 2254 على العموم.

النقاط السابقة ليست كل الخطوط التي يعمل عليها الأمريكي، ولكنها أبرزها في ما نعتقد، بالإضافة طبعاً إلى الدعم المستمر للكيان الصهيوني ومحاولة فرضه بشكل أو بآخر بوصفه «جزءاً من الحل»!

بالمقابل فإنّ المهمة الملقاة على عاتق كل من له مصلحة في إنهاء الأزمة السورية، يتلخص بالنقاط الأساسية التالية:

  1. تعميق التفاهم والتنسيق بين ثلاثي أستانا.
  2. رفع درجة المقاومة ضد الوجود الأمريكي في سورية.
  3. رفع درجات الحوار البيني بين القوى والمكونات السورية وصولاً إلى التفاهم والتعاون.
  4. السير الجدي والفوري نحو التنفيذ الكامل للقرار 2254، ابتداءً في هذه المرحلة من العمل المخلص لإنجاح جولة الدستورية القادمة.

لتحميل العدد 979 بصيغة pdf

معلومات إضافية

العدد رقم:
979
آخر تعديل على الإثنين, 17 آب/أغسطس 2020 13:07