مساعي الصهيوني المسعورة للتخريب في سورية... ستزداد سعاراً
رائد سعيد رائد سعيد

مساعي الصهيوني المسعورة للتخريب في سورية... ستزداد سعاراً

يكاد يكون من المستحيل رسم حدود واضحة لآليات وعمق التدخلات الصهيونية في الوضع السوري، فإذا كانت الغارات الجوية هي أوضحها، فإنّ هذه الغارات هي بالتأكيد ليست الأداة الوحيدة، بل وربما ليست الأداة الأهم. ورغم أنّه من الممكن إلى هذه الدرجة أو تلك، تحديد العناوين الأساسية الكبرى لهذه التدخلات، إلا أنّ فهم أبعادها المختلفة ودرجة عمقها تحتاج إلى قدر كبير من المعلومات غير المعلنة.

لا نسعى هنا إلى كشف كل تلك الحدود والأبعاد؛ فهو أمر ليس بمقدورنا. ولكن بالمقابل، فإنّ من الممكن فعلاً أن نقف عند بعض العناوين الرئيسة، وبشكل خاص المستجدة منها.

ملف الحل السياسي

يسعى كيان العدو، وعبر حشد مجموعة من النكرات من عملائه من حاملي الجنسية السورية، وعبر ما ينشرونه من إشاعات حول طبيعة الحل وتوقيتاته، إلى الإيحاء بجملة أمور:
سيكون لـ«إسرائيل» حصة من الحل السوري، بل وستكون لها الحصة الكبرى!
الاتفاق الدولي المفترض حول الحل يمر عبر تل أبيب، ويمر بالضبط عبر اتفاق ثلاثي (افتراضي هو الآخر)، بين روسيا والولايات المتحدة و«إسرائيل».
الاتفاق (المفترض)، هو اتفاق ضد إيران بشكل كامل، وضد تركيا جزئياً، ولمصلحة «إسرائيل» بالكامل.
الاستهداف الواضح من وراء هذه الأكاذيب يتلخص بما يلي:
أولاً: بما أنّ المجموعة المعنية بفتح باب الحل السوري بشكل فعلي، وصاحبة المصلحة الإستراتيجية في ذلك، وكما بات يعلم الجميع، هي بالضبط مجموعة أستانا، فإنّ منع الحل بات يمر أيضاً عبر محاولات تخريب أستانا، على مستوى العلاقات الثلاثية والثنائية. ومن نافل القول: إنّ تكرار أكاذيب من النمط المشار إليه أعلاه، إنما يستهدف إحداث خلل في العلاقات بين روسيا وإيران من جهة وروسيا، وتركيا من جهة، وحتى إيران وتركيا.
ثانياً: في حال عجزت أكاذيب الصهاينة عن منع الحل، الذي سيكون بالضرورة ضد الرغبات الصهيونية، فإنّ من مصلحة الكيان المحتل أن يوحي بأنّه صاحبه أو مساهم أساس فيه؛ فمن شأن ذلك (برأيه) أن يخفف (إعلامياً وسياسياً على الأقل) من وطأة الهزيمة التي يعنيها ذهاب سورية باتجاه الاستقرار.

تقاطعات سامة

كي يكون المرء منصفاً في قراءته لما يجري، لا يمكن له أن يغفل الأدوار التي يلعبها متشددون سوريون من الأطراف المختلفة، والتي تصب في نهاية المطاف في الطاحون نفسه؛ فليس خافياً على أحد عداء متشددي الطرفين لصيغة أستانا، ومحاولاتهم المستمرة العمل على زرع الشقاق بين أطرافها؛ وهو الأمر الذي يتقاطع بطبيعة الحال مع عموم الدعاية الغربية، وخاصة البريطانية والأمريكية. حجم الضجيج الهائل الوارد من «مصادر متعددة»، من شأنه أن يترك أثراً في نهاية المطاف... أو أنّ هذا ما تعوّل عليه هذه «المصادر».

ملف الشمال الشرقي

بالطريقة نفسها، يسعى الصهاينة إلى الإساءة للكرد السوريين، وتقديم إيحاءات كاذبة بأنها تدعم «مشروعهم»، وبأنهم بالمقابل لا يرون ضيراً في مشاريعها. وإذا كان من غير الممكن أن ننفي بشكل قاطع ارتباط شخص هنا أو شخص هناك، بوعي أو عن جهالة، بالصهيوني، فإنّ المؤكد هو أنّ عموم الكرد السوريين هم كبقية السوريين بما يتعلق بالمسألة الوطنية، وطنيون في الصميم. ما يسعى الصهيوني لفعله عبر إيحاءاته هذه، هو خلق وتكريس عزلة إضافية تقود إلى استمرار الحرب والاستنزاف، بل وإلى التقسيم والتمزيق إن أمكن.
في هذا الإطار، فإنّ مندوب روسيا في مجلس الأمن، وفي جلسة الخميس الماضي 23 من الجاري، كان واضحاً تماماً فيما قاله، بل وأرسل رسالة واضحة بأنّ روسيا تفهم ما الذي تسعى وراءه «إسرائيل» ولن تسمح بمروره. ضمن ما قاله المندوب في هذه المسألة: «ندعو إسرائيل مرة أخرى إلى وقف الضربات الجوية على الأراضي السورية، ووقف الاحتلال الأجنبي لسورية، وكذلك وقف محاولاتها تمزيق سورية إرباً، ومحاولاتها تثبيت خطوط تقسيم اصطناعية».

ملف الجنوب

في الجنوب أيضاً، لا يكف الكيان عن محاولاته اختراق أوساط السكان بشتى السبل، وعبر إيحاءات طائفية تارة وعشائرية تارة أخرى. ويأتي ذلك كلّه محمولاً على الدعاية الإعلامية الخاصة بـ«محاربة الوجود الإيراني»، بل ووصولاً إلى إلقاء أكوام من الأكاذيب حول «حكم ذاتي» و«جيوش مستقلة» وإلى ما هنالك... والحق أنّ القوة الفعلية لأدوات للصهيوني في الجنوب يمكن قياسها ببساطة بوصفها ترتبط بتناسب عكسي مع حجم الصراخ والأكاذيب التي يلقيها؛ فالحالة المسعورة السائدة في الأكاذيب التي يتم إلقاؤها حول الجنوب السوري، تدل بالضبط على ضعف القدرة الفعلية المباشرة للصهيوني في تنفيذ ما تقوله تلك الأكاذيب.

المسعور سيزداد سعاراً

الأمر الذي ينبغي أن يكون واضحاً في الأذهان، هو أنّ حالة السعار التي يعيشها الكيان، والتي ترتبط بالدرجة الأولى بالتراجع الأمريكي الغربي المزمن في المنطقة، (وهو الأمر الذي يشكل خطراً وجودياً ماحقاً لا تخطئه عيون مراكز الأبحاث الصهيونية)، لن تتراجع بل ستتعاظم أضعافاً خلال الفترة القريبة القادمة. وربما كان أحد أهم العوامل التي أشعلت هيستيريا الكيان مؤخراً، هو ما جاء في البيان المشترك الصادر عن القمة السادسة لثلاثي أستانا، التي عقدت مطلع تموز الماضي، وتحديداً في البند الحادي عشر الذي جاء فيه: «أكدوا (الرؤساء الثلاثة) على ضرورة احترام القرارات القانونية الدولية المعترف بها عالمياً، بما في ذلك أحكام قرارات الأمم المتحدة ذات الصلة الرافض لاحتلال الجولان السوري، وأولاً وقبل كل شيء: قرار مجلس الأمن رقم 497 وبالتالي إدانة قرار الإدارة الأمريكية حول الجولان السوري المحتل، والذي يشكل انتهاكاً خطيراً للقانون الدولي ويهدد السلام والأمن الإقليميين. واعتبروا الهجمات العسكرية الإسرائيلية في سورية مزعزعة للاستقرار وتنتهك سيادة ووحدة أراضي هذا البلد وتزيد من حدة التوتر في المنطقة».
إنهاء الأزمة السورية، وإنهاؤها وفقاً للقرار 2254، أي: بما يحفظ وحدتها ويفتح الطريق لاستعادة سيادتها كاملة بجانبيها: سيادة الشعب على دولته، وسيادة الدولة على أرضها، سيعني انتهاء توازن دولي سمح للكيان بالنشوء والتوسع والعدوان، وابتداء عصر تاريخي جديد يسود فيه توازن دولي جديد، يعاكس مصالح الصهيوني والصهيونية بشكل جوهري... لذا لن يكون مفاجئاً ارتفاع مستوى الهستيريا والسعار الصهيوني بشكل غير مسبوق.
والحال كذلك، فإنّه من غير المستغرب إطلاقاً، أن يشكل إنهاء الأزمة السورية كابوساً مستمراً للصهيوني، وليس مستغرباً بالتالي أن يُفعّل كلّ ما في خزائن ألاعيبه القذرة، تلك الخزائن الملأى بالإرث العنصري، وتحديداً النازي بأساليبه وطرائق عمله وتفكيره...

معلومات إضافية

العدد رقم:
976
آخر تعديل على الإثنين, 27 تموز/يوليو 2020 15:24