السيادة السورية... والرئاسة
كفّ الغرب خلال ثلاث سنوات مضت، عن تكرار عبارات استخدمها طوال خمس سنوات وأكثر؛ عبارات من قبيل: «على الأسد الرحيل»، وأبدلوها بعبارة: «لا نريد تغيير النظام، بل تغيير سلوكه». أكثر من ذلك، فقد حدث أنْ استخدم ترامب تعبير «الحكومة السورية» مشفوعاً بودٍ عالٍ، يوم 19 آذار الماضي، معلناً أنه بعث برسالة لها!
الأسبوع الماضي، عادت الأسطوانة الأولى للعمل بنشاطٍ على لسان جيمس جيفري وغيره من المسؤولين الغربيين، والذين ربطوا تصريحاتهم الجديدة بشكل مقصود بمجموعة مقالات انتقادية ظهرت في وسائل إعلام روسية خلال الشهرين الماضيين.
إنّ فهماً حقيقياً للغايات الغربية ينبغي أن يأخذ بالاعتبار:
أولاً، العملُ الغربي لاختزال الحركة الشعبية منذ انطلاقها، عبر تضييق مطالبها باستخدام الشخصنة، كان عملاً مقصوداً. الغاية هي دفع سورية لاحتمالين لا ثالث لهما؛ فإما النموذج الليبي/العراقي، حيث تجري الإطاحة بالدولة بأكملها باسم الإطاحة بالسلطة، أو النموذج التونسي/المصري، حيث تجري الإطاحة بالسلطة ولكن يبقى النظام على حاله، أي يبقى الفساد الكبير المتغول وتستمر التبعية الاقتصادية للغرب.
ثانياً، الدخول الروسي الصيني الصارم على خط الأحداث، بالشكل الدبلوماسي بداية، ومن ثمّ بالدخول العسكري الروسي المباشر، اضطر الغربَ شيئاً فشيئاً إلى تغيير مخططاته؛ بات المطلوب من وجهة نظره الحفاظ على حالة الاستنزاف لأطول فترة ممكنة، بما في ذلك تبديل الشعارات والانتقال إلى محاولة «شرعنة أمر واقع»: سورية مقسمة على ثلاث مناطق ومستنزفة إنسانياً واقتصادياً وقابلة للانفجار في أية لحظة. المحاولات الأمريكية لشرعنة النصرة، رسالة ترامب للحكومة السورية، والعمل لتكريس عزلة الشمال الشرقي، تندرج كلها في الإطار نفسه.
ثالثاً: مع اقتراب إنهاء النصرة بشكل كامل، وكذلك مع اقتراب حلحلة ملف الشمال الشرقي في إطار وحدة سورية أرضاً وشعباً، وما يظهر من مؤشرات الاقتراب الكبير من بدء تطبيق القرار 2254، وجد الغربيون أنفسهم في وضعٍ يضطرهم مجدداً لتغيير التكتيك؛ عادوا إلى موّال الشخصنة.
إنّ ما ينبغي تثبيته بشكل واضح، هو أنّ مسألة الرئاسة في سورية هي مسألة سورية بحتة، وليس لأحد من غير السوريين حق التدخل فيها، لا إيجاباً ولا سلباً، لا مع ولا ضد، وكل تدخل من هذا النوع هو انتهاك إضافي للسيادة السورية المنتهكة أصلاً، ويندرج في إطار العقلية الاستعمارية الاستعلائية البائدة.
إنّ التدخل الخارجي في هذه المسألة، وبكل أشكاله، سواء من يقول بالرحيل، أو من يظن أنه يتصدى للأول عبر القول بالبقاء، إنما يصبّان في الخانة نفسها: فكما كانت الشخصنة طوال سنواتٍ من عمر الأزمة، أداة لإطالتها، استفاد منها إلى الحدود القصوى المتشددون في الطرفين السوريين، الرافضون للتغيير وللحل، كذلك الأمر مع استخدامها الآن؛ فهو إنما يصب في خانة تطويل عمر الأزمة وتعميق الاستنزاف وتأخير الحل.
الشعب السوري وحده هو من يقرر ويحسم موضوع الرئاسة وغيره من المواضيع. ولكن كي يتمكن من ذلك، وكي تظهر إرادته الحرة، فإنّ التطبيق الفوري والكامل للقرار 2254 هو الطريق الوحيد. وهو أيضاً الطريق الوحيد للإنهاء السريع للمعاناة التي تجسد الانتهاك الأكبر لسيادة الشعب السوري، والتي بين تمظهراتها القاهرة عجز الأمهات عن إطعام أطفالهن بما يهدد حياتهم بشكل يومي، في ظل عدم توفر الحد الأدنى من مقومات الحياة...
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 966