افتتاحية قاسيون 942: لماذا فشلت الجولة الثانية؟

افتتاحية قاسيون 942: لماذا فشلت الجولة الثانية؟

انتهت يوم الجمعة الفائت، 29 تشرين الثاني، الجولة الثانية للجنة الدستورية المصغرة، دون انعقاد أي اجتماع لأعضائها الخمسة والأربعين. واقتصرت الجولة على سجالات بيزنطية حول جدول الأعمال، بالتوازي مع تبادل الاتهامات، بما يُوحي شكلياً، وشكلياً فقط، بالعودة إلى أجواء جولات جنيف السابقة التي تسيّدها المتشددون من الطرفين، بعقليتهم وطروحاتهم.

وإذا كانت المنابر السياسية والإعلامية قد أجهدت نفسها في التعامل مع الحدث بالطريقة التقليدية الصفراء التي سئمها السوريون، والتي تحاول تفسير الفشل إما عبر إلقاء التهم من طرف على الآخر، أو عبر الإغراق في تفاصيل جداول الأعمال المقترحة وعددها، ومن جاء إلى مبنى الأمم المتحدة أولاً ومن غادره أولاً، وما الذي قيل في الإعلام وإلخ، فإنّ من الضرورة بمكان الوقوف على الأسباب العميقة لهذا الفشل، دون إهمال التفاصيل بشكل كامل، لكن بوضعها ضمن حجمها الطبيعي كتفاصيل...

إنّ الأسباب العميقة لفشل الجولة الثانية، والتي ساهم بإفشالها المتشددون من الطرفين، يداً بيد كعادتهم، تتلخص في الأفكار الأساسية التالية:

أولاً: لا يزال بعض المتشددين يتعامل مع فكرة الحوار بين السوريين، والتوافق فيما بينهم، بوصفها مجرد واجهة لا قيمة لها، لتوافق دولي وإقليمي هو من يقرر مستقبل سورية؛ أي إنهم يتوهمون أنّ توافقاً كهذا كافٍ لوحده للوصول إلى الحل (وهنا، يحلم كل طرف بحل يتوافق مع مصالحه، ويراوغ عبر الحوار معلقاً آماله وأوهامه على تغير ما في التوازن الدولي يصب في مصلحته).

مما لا شك فيه أنّ التوافق الدولي والإقليمي حول حل الأزمة السورية، ولو بالحدود الدنيا، هو شرط لازم للحل، لكنه بالتأكيد ليس شرطاً كافياً، خاصة وأنّ الصراع الدولي يشير وضوحاً إلى أنّ حجم التوافق لن يصل في أي يوم من الأيام إلى التطابق، بل سيبقى ضمن حدود دنيا، وربما متوسطة. أي إنّ الجهد الذي على السوريين بذله للتوافق فيما بينهم، هو جهد لا غنى عنه إطلاقاً للوصول إلى الحل المنشود، ولتطبيق القرار 2254.

ثانياً: الاتجاه المعاكس للسابق بالظاهر، والمطابق بالجوهر، والذي يرفع وزن التوافق السوري الداخلي فوق التوازن الدولي والإقليمي، ولا يكتفي بعدم الاستفادة من التوافقات المنجزة فعلاً، بل ويسعى واهماً إلى اللعب على الثغرات ضمنها، ظناً منه أنّ أفضل طريقة لمنع أي تغيير في سورية، هي الحفاظ على محصلة صفرية ومدمرة للصراع الدولي حول سورية، بحيث يبقى الصراع مستمراً أطول فترة ممكنة، ويبقى التغيير وحل الأزمة بالتالي، معلقاً هو الآخر.

ثالثاً: إنّ طريقتي التفكير السابقتين، تعكسان انتماء أصحابهما إلى وضع دولي سابق، إلى ماضٍ انتهى، ولكنهم لا يعرفون العمل إلا ضمنه، ولذلك تغيب لديهم أية إرادة سياسية في التغيير، وفي المضي قدماً ضمن العملية السياسية.
إنّ الوضع الدولي والإقليمي الجديد، بتوافقاته وصراعاته، هو وضع جديد بالكامل، لا يمكن للمتشددين الاستمرار ضمنه، وعدم قدرتهم على التكيف مع الوضع الجديد تقلل بشكل متسارع فرصهم في أن يكونوا جزءاً من اللوحة السياسية لسورية الجديدة، والتي ستولد عبر التطبيق الكامل للقرار 2254، بما في ذلك اللجنة الدستورية، وصولاً إلى تقرير الشعب السوري مصيره ومصير بلده، بنفسه.

معلومات إضافية

العدد رقم:
942
آخر تعديل على الأحد, 01 كانون1/ديسمبر 2019 20:30