قراءة في كتاب د: قدري جميل بعنوان «الأزمة السورية- الجذور والآفاق»
من المعروف أنّ لكل حزب دوراً وظيفياً يقوم به، يقوم الحزب من خلاله بالدفاع عن مصالح طبقة اجتماعية محددة. وفي حال فقد الحزب دوره الوظيفي يفقد ثقة قاعدته الطبقية به، ويتحول إلى حزب يعمل بكل شيء ما عدا السياسة، والقضية هنا يمكن توضيحها كما يلي: نعتبر الدولة، والمجتمع وضمير المجتمع «الأحزاب» هي رؤوس لمثلث متساوي الأضلاع، وباعتبار أن الدولة كجهاز مكلف بمهمة معينة من قبل المجتمع فلديها ميل دائماً للإفلات من رقابة المجتمع، كونها أرضية خصبة للفساد والإفساد فتعمل على شراء ضمير المجتمع عبر الامتيازات المادية والمعنوية، وهنا يفقد الحزب دوره المعنوي الهامّ جداً، وبنفس الوقت تفقد الدولة جهاز الرقابة عليها من قبل الأحزاب والمجتمع.
لكن من المعروف أن المجتمع مثل الطبيعة لا يحب الفراغ، ونتيجة التناقضات الكبيرة التي يعيشها المجتمع، والتي يصعب حلُّها تنفجر الحركات الشعبية لضرورات موضوعية وضمن مفهوم النظرية الجيبية التي أثبتت الحياة صحتها.
ففي سورية نتيجة انخراطها بالمزالق الليبرالية المختلفة، حيث ارتفع الفقر 40% وارتفع مستوى البطالة، وانخفضت نسب النمو، وشعارهم كان: دع الأغنياء يغتنون فهم قاطرة النمو، أي دع الفقراء يزدادون فقراً فهم معيقون للنمو وهذا التطور الذي حدث عملياً خلق الأرضية المادية الاجتماعية للانفجار.
فالحركة الشعبية في سورية حصلت ضمن مفهوم المد العالمي التاريخي وضمن انتقال هذا المد إلى منطقتنا، فالانفجار في نسخته الأولى هو الثورة الفرنسية عام 1789، والنسخة الثانية لهذا المد في روسيا 1905 و1917. حيث استمر لعام 1945 مجتاحاً أوروبا وآسيا وإفريقيا والموجة الثانية للحراك امتدت على ثلث الكرة الأرضية.
وإذا كان مركز ثقل انفجار الحركة الشعبية هو في الشرق الأوسط فهذا ينبئنا بأن المراكز السابقة جميعها داخلةٌ حكماً في إطار هذه الموجة عاجلاً أم أجلاً. والجديد في هذه الموجة أنها ستستكمل تغطية العالم كله مؤكدةً أن الرأسمالية دخلت حقبةً خطيرة ومهمة، ويمكن أن تكون أزمتها نهائية إذا توفر الظرف الذاتي.
إن إحدى خصائص تطور الوضع السوري هي تنوعها الثقافي الغني جداً وهو عامل قوة لها بمقدار ما هو عامل ضعف أيضاً، لأنه اليوم يريد البعض تحويل هذا العنصر إلى عامل ضعف وتفتيت وتقسيم، ولذلك من يريد أخذ الحركة الشعبية بيده يجب أن يكون عابراً للطوائف والأديان والقوميات، لأن الثقافة عند الشعوب تتراكم تاريخياً وتشكِّل منظومة القيم والتقاليد التي تلعب دور نظام المناعة عبر الذاكرة الوطنية، فالبعض يعمل على إحلال محلها منظومة قيمٍ تستند إلى الفردية والأنانية، وبذلك يتم تحطيم جهاز المناعة الوطنية ويستخدم الإعلام الغربي لتحقيق هدفه «الأفلام- الموسيقا- المجلات- الألعاب وأشياء أخرى كثيرة متنوعة». ومن الناحية الاقتصادية نرى أن حجم الرساميل المتراكمة في دول الشمال الغني تتطلب مساحات جديدة للحركة، وإذا لم يتوفر ذلك فهي مهددة بالاختناق، ولذلك المؤسسات الدولية المختلفة، مثل منظمة التجارة العالمية، وصندوق النقد والبنك الدوليين تعمل على تنفيذ هذا التوجه عبر تحطيم أية حدود كانت اقتصادية أو سياسية أمام حركة الرساميل، وهدفها إلغاء مفهوم السيادة الوطنية في الممارسة، لأن السيادة الوطنية تعني وجود حدود اقتصادية أو سياسية ووجود قرار سياسي مستقل.
فعندما طرح- خلال الأزمة السورية- شعار التوجه شرقاً لم يستطع هذا الطرح أن يشق طريقه لأن 70% من التجارة الخارجية مرتبطة بوكلاء استيراد وتصدير محليين ومرتبط بخطوط استيراد وتصدير أوروبية وبموظفين من جهاز الدولة مرتبطين بالوكلاء، ولذلك عندما فرضت الأزمة التوجُّه شرقاً إلى الناحية السياسية، ولكن على المستوى الاقتصادي لم ينجح وجرت مقاومة التوجه شرقاً ممن هم قائمون على السوق ومن موظفي جهاز الدولة مرتبطين منذ عشرات السنين.
وعند التصدي للهجوم الاقتصادي الأوروبي قلنا يوجد طريقان، الأول طريق يوسف العظمة الذي اتخذ القرار في معركة ميسلون حيث خسرها عسكرياً وربحها سياسياً. والطريق الثاني، طريق التجار الذين جروا عربة غورو والذي فيما بعد قدم التحية ليوسف العظمة وأكياس، التبن لمن جر عربته.
هل الرأسمالية الاحتكارية اليوم تعيش حالة احتضارية؟ أعتقد للجواب عن هذا السؤال نحتاج لمستوى معرفي كبير جداً، وهنا لا بدَّ من الاستعانة بما كتبه ماركس ولينين.
يقول ماركس: «البشرية لا تطرح على نفسها إلا تلك المسائل التي تقدر على حلها» إلا تلك المسألة التي باتت شروط حلها متوافرة لأنه إذا دققنا النظر لوجدنا أن المشكلة نفسها لا تظهر إلا عندما توجد أو تبدأ في الوجود الظروف المادية الكفيلة بحلها.
أما لينين فجوابه كان من خلال كتابه. (الإمبريالية هي الاحتكارية) أعلى مراحل الرأسمالية حيث حدد ملامح الرأسمالية الاحتكارية بـ :
1ـ تكوّن الاحتكار على السوق وعلى الإنتاج وانتهاء التنافس الحرّ.
2ـ تكوّن الرأس مال المالي نتيجة اندماج الرأسمال الصناعي والتجاري والمصرفي وتديره طغمة مالية قليلة العدد وتتحكم بالاقتصاد والسياسة.
3ـ الانتقال إلى مرحلة تصدير الرساميل كناشط أساس يحل محل تصدير البضائع، وتقوم هذه الرساميل عبر تصديرها بنهب ثروات البلدان التي صُدّرت لها.
4- تقوم الاحتكارات الإمبريالية بتقاسم مناطق النفوذ بناء على قاعدة التناسب بين حجم الرأسمال والتطور.
5- تقوم البلدان الإمبريالية بتقاسم وإعادة تقسيم النفوذ بينها على أساس القاعدة السابقة نفسها، مما يسبب حروباً كبيرةً أحياناً تؤدي إلى تثبيت موازين القوى الاقتصادية.
أهم مراحل تطوُّر الرأسمالية الاحتكارية ووصولها إلى مرحلة الاحتضار:
جرى تمركز هائل للإنتاج والثروة، وبالتالي تمركز للمال وهذا التطور يؤدي إلى انخفاض معدل الربح (الربح هو الهدف الأساس للرأسماليين) بسبب تعقد التركيب العضوي لرأس المال، والمقصود بالتركيب العضوي بأبسط توصيف له: الرأسمال حتى يحافظ على الربح الذي تحقق في الدورة الأولى يلزمه وضع رأس مال أكبر في الدورة الثانية. مما خلق حاجة عند الاحتكاريين لتحطيم المنافسين من منتجين صغار ومتوسطين، ومرة أخرى ينخفض معدل الربح لنفس السبب مما يدفعهم إلى تصدير رؤوس أموالهم إلى الخارج، حيث معدَّل الربح أعلى، وهذا أوصل الاحتكارات إلى اقتسام العالم بين اتحاداته وصولاً إلى منظومة واحدة لها مركز إمبريالي ناهب لثروات العالم وأطراف تابعة له ومنهوبة، فيصل الاحتكار إلى وضع تنتهي عنده عملية التوسع الأفقي والانتقال نحو التوسع العمودي، وعدم وجود مركز إمبريالي بديل، وبالتالي أي نمو لاحق على المستوى العالمي يصبح محكوماً بإعادة توزيع الثروة وهذا يفاقم وضعها أكثر.
وكما نعلم، أن التناقض ضمن المنظومة الرأسمالية نفسها لا يسمح بانهيارها إلا إذا وجهت لها ضربة خلال أزمتها نفسها، وإذا نظرنا إلى الأفق في حركة الشعوب اللاحقة سنرى أنَّ ميزان القوى سيتغير باتجاهها وصولاً للانهيار الكامل والنهائي للإمبريالية.
على ضوء ما تقدم يمكن الجزم بأنَّ هذه المرحلة هي آخر أيام البلطجة الأمريكية وأن الشعب السوري وبالتعاون مع حلفائه وبتنفيذ القرار 2254 والالتزام بمخرجات سوتشي، سيجد الطريق المناسب لإخراج الأمريكي من سورية، كونه مركز النهب العالمي الأساس، وذلك عبر التفاهم بين السوريين أنفسهم من جهة، وبين ثلاثي أستانا من جهة أخرى، مع تخفيض وزن الأمريكي إلى الصفر، وهذا ما سيجري وضمن آجال غير بعيدة حيث إن بعض مؤشراتها ستأتي من الداخل الأمريكي على أبواب الكساد العظيم القادم.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 942