لماذا لم يظهر حزب الإرادة الشعبية في باكستان؟
تايه الجمعة تايه الجمعة

لماذا لم يظهر حزب الإرادة الشعبية في باكستان؟

يحضر إلى الأذهان سؤال سياسي– فلسفي مهم مرتبط بالأوضاع السياسية الملتهبة في المنطقة والعالم: لماذا ظهر حزب الإرادة الشعبية في سورية؟ ولماذا لم يظهر في لبنان أو العراق أو باكستان مثلاً؟

لمحة تاريخية

الجواب عن هذا السؤال يبدّد عدة روايات أسطورية متداولة حالياً ويضع الأمور على سكتها. وقبل الجواب عن هذا السؤال، يجب الخوض بإيجاز في طريق تطور الماركسية منذ القرن التاسع عشر حتى اليوم.
ظهرت الفلسفة الماركسية منذ أربعينات القرن التاسع عشر في ألمانيا، «وليس في فرنسا أو بريطانيا أو السويد» وتطورت على امتداد عدة عقود، على يدي كارل ماركس وفريدريك أنجلس وزملائهما في الفكر في الأحزاب الاشتراكية الديمقراطية.
كانت ألمانيا حيث عاش ماركس وأنجلس على أبواب الثورة البرجوازية، ورغم أنها كانت متأخرة اقتصادياً بصورة نسبية، إذ إنها سلكت طريق الرأسمالية متأخرة عن إنكلترا وفرنسا، فقد كانت فيها طبقة عاملة متطورة نسبياً. وانتقل مركز الحركة الثورية في ذلك العصر إلى ألمانيا، وهذا ما يفسر كونها هي بالذات موطن الماركسية التي نشأت على تربة ألمانيا الاجتماعية، إلى جانب ذلك، كانت نتيجة تطور تناقضات الرأسمالية العالمية، ونتيجة تطور العلوم وتعميم التجربة التاريخية العالمية لتطور الإنسانية كلها.
لاقت الماركسية نقطة ارتكاز قوية في روسيا «وليست الصين أو الهند أو ألمانيا أو فرنسا» التي انتقل إليها مركز الحركة الثورية منذ نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، في عصر دخول الرأسمالية مرحلتها الإمبريالية، حيث تطورت الماركسية مع تطور العلوم وتواصل الاكتشافات إلى طورها اللينيني في روسيا، التي كانت الحلقة الأضعف للرأسمالية. وكانت اللينينية استمرار وتطويراً مبدعاً للماركسية في الظروف الجديدة على يد فلاديمير لينين، الذي طورها وأسس حزباً ماركسياً من طراز جديد، هو الحزب الشيوعي البلشفي. ولعب الاتحاد السوفييتي دور المركز في تعميم تجربة الحركة الثورية والأحزاب الشيوعية حول العالم.

سورية نقطة مواجهة هامة

حدد تقرير اللجنة التحضيرية المقدم إلى المؤتمر الاستثنائي للحزب الشيوعي السوري 2003 «سورية» كنقطة مواجهة هامة مع الإمبريالية، وجاءت الأحداث بين عامي 2011 – 2019 لتقول ربما تكون سورية أكثر من ذلك. ونستطيع القول إن مركز الحركة الثورية قد انتقل في عصر العولمة الإمبريالية إلى منطقة الشرق التي شكلت سورية نقطة مواجهة هامة فيه.
ترتبط الفكرة الأخيرة «سورية كنقطة مواجهة هامة»، مع شيء آخر، هو الحركة الشعبية التي ضربت منطقتنا، ومنها سورية كجزء من الحركة الشعبية العالمية. وفي هذه الظروف بالضبط ولد حزب الإرادة الشعبية في سورية- البلد الصغير جغرافياً- لإنجاز المهام التاريخية الراهنة.
جاء في التقرير: «تخوض سورية اليوم المعركة الأشرس في تاريخها ضد مخططات الإمبريالية الأمريكية وإسرائيل الصهيونية، ومن كل ما تقدم يتبين أن هذه المخططات تهدف إلى إخضاع وتطويع منطقتنا ضمن إطار مخططاتها العالمية الشمولية، من هذه الزاوية تلعب سورية- تاريخياً من الزاوية الجغرافية السياسية، ومن الزاوية المعنوية- السياسية- أهمية كبرى لإحباط هذه المخططات، ومن ثم إلحاق الهزيمة بها».

انتقال مركز زلزال الحركة الشعبية

تدحرجت الثورة الفرنسية عام 1789 مثل كرة الثلج في أوروبا حتى أواخر النصف الأول من القرن التاسع عشر، وتوقفت الحركة عملياً عام 1848، لتليها حالة سبات مؤقت في الحركة الجماهيرية.
بقيت الحركة خاملة نسبياً حتى انتقال مركز الزلزال إلى روسيا عام 1905، لتبدأ موجة جديدة من الحركة الجماهيرية وصولاً إلى ثورة أكتوبر 1917. ليصبح سدس العالم اشتراكياً، وبعد 1945 أصبح سُدساً العالم اشتراكياً، أي الثلث. وبعد ذلك توقف المد وبدأ ركود الحركة الجماهيرية وصولاً إلى انهيار الاتحاد السوفييتي 1991.
امتدت عملية انغلاق الأفق أمام الحركة الجماهيرية مؤقتاً خلال كامل النصف الثاني من القرن العشرين. وجاء في التقرير المقدّم إلى الاجتماع الوطني الثاني لوحدة الشيوعيين السوريين المنعقد بتاريخ 25 نيسان 2002 في دمشق: «الظروف الموضوعية عالمياً وإقليمياً وداخلياً تنضج أكثر فأكثر، وخاصة بسبب عدوانية الإمبريالية الأمريكية، لعودة الجماهير إلى الشارع، مما يتطلب تسريع خطواتنا بالعودة إلى الجماهير». ولم يأتِ ذلك من فراغ، بل من فهم لحركة التاريخ وتطور السياسة خلال ثلاثمئة سنة ماضية.
وفي عام 2010 انفجر مركز زلزال جديد في الشرق، ونعيش منذ ذلك الانفجار بداية نهوض الحركة الشعبية التي انتقلت إلى طورها الثاني مع بداية الحركة الجزائرية 2018-2019. فالحركة الشعبية ليست ظاهرة سورية أو عربية فقط، بل هي ظاهرة عالمية، شاهدنا ما حدث في السودان والجزائر وبلدان العالم، وقبل أيام قلائل في لبنان والعراق، وفي قادم الأيام في بلدان أخرى.
ولأن عودة الجماهير إلى الشارع هو قانون موضوعي، وعلى أساس استيعاب هذا القانون مبكراً، ظهر حزب الإرادة الشعبية. عشية انتقال مركز زلزال الحركة الشعبية الجماهيرية إلى الشرق، وعشية صعود آسيا ونهاية عصر العولمة الإمبريالية، وفي «سورية» نقطة المواجهة الهامة مع الإمبريالية، ولد وتبلور حزب الإرادة الشعبية في زمن الصعود الجديد، زمن «الشعب يريد».

معلومات إضافية

العدد رقم:
936
آخر تعديل على الإثنين, 21 تشرين1/أكتوير 2019 13:52