افتتاحية قاسيون 937: أستانا تقود الحل... واشنطن خارجه
ابتداءً من إعلان تشكيل اللجنة الدستورية السورية على لسان غوتيريش يوم 23 أيلول الماضي، عبر الضغط الشديد الذي فرضه ثلاثي أستانا في قمة أنقرة الثلاثية الأخيرة (16 أيلول)، بات واضحاً أنّ الوضع السوري قد دخل منعطفاً جديداً، وفاصلاً هذه المرة.
وفي التمهيد لهذا المنعطف، وخلاله، وبعده، ظهرت ضآلة الدور الذي تلعبه المجموعة الغربية المصغرة (الولايات المتحدة، المملكة المتحدة، فرنسا، ألمانيا، السعودية، مصر، الأردن)، والذي حاولت الولايات المتحدة إنعاشه عبر افتعال الفوضى في الشمال الشرقي السوري، وعبر السعي إلى ضرب الجميع بالجميع، على أمل أن يترافق انسحابها الكامل من سورية مع فوضى عارمة تؤدي الوظيفة نفسها التي كانت تؤديها بوجودها؛ أي تمديد الاستنزاف ومنع الحل ومنع الاستقرار.
في السياق، أعلن ترامب انسحاباً جزئياً من الحدود الشمالية لسورية لفتح الباب للعدوان التركي، ثم عبر الاتفاق الأمريكي التركي ذي الـ13 بنداً الموقع يوم 17 من الشهر الجاري، وهما الأمران اللذان تم شطبهما وشطب تأثيراتهما السلبية في قمة بوتين أرودغان بعد ذلك بخمسة أيام، وباتفاق من عشر نقاط، ولكن مع الحفاظ على مسألة الانسحاب الأمريكي ودفعها باتجاه الانسحاب الكامل، وهو ما جرى إلى حد بعيد، رغم العودة عنه جزئياً بما يخص منطقة حقول النفط، وهو الأمر الذي لن يطول على حاله هذه.
محصلة الأمر، أنّ المحاولة الأمريكية لضرب ثلاثي أستانا ببعضه البعض، وفي سياق تهيئة أرضية الانسحاب الأمريكي من سورية عسكرياً وسياسياً، لم تكلل بالخيبة فحسب، بل وارتدت على الأمريكي بتعمق تفاهمات ثلاثي أستانا وارتفاع مستواها بشكل غير مسبوق؛ أبسط ما يمكن قوله في هذا السياق من نتائج، أنّ السِّحر الأمريكي ارتد على الساحر، وانتقل القسم الأكبر من الشمال الشرقي لسورية، الذي يشكل ما يزيد عن ربع مساحة سورية، من النفوذ الأمريكي إلى سيطرة الدولة السورية، بما في ذلك انتشار الجيش السوري على القسم الأكبر من الحدود الشمالية لسورية. وأمّا المنطقة التي احتلها التركي، والتي لا تتجاوز 10% من مساحة الشمال الشرقي، فإنّ استعادتها لن تكون بعيدة، وستجري على أساس الدفع الروسي والإيراني باتجاه حوار مباشر بين قوى الشمال الشرقي السوري والحكومة السورية من جهة، وبينها وبين الحكومة التركية من جهة أخرى على أساس احترام القانون الدولي واحترام سيادة سورية، وذلك بالتوازي مع السير قدماً في عملية الحل السياسي على أساس القرار 2254، والتي ستبدأ فعلياً مع الاجتماع الأول للجنة الدستورية.
إنّ أكثر الأدوار تعطيلاً للحل السياسي ولإنهاء الأزمة السورية، كان ولا يزال الدور الأمريكي ومشتقاته الغربية والإقليمية والمحلية. ومع تراجع هذا الدور واقتراب وزنه من الصفر، بالتوازي مع ارتفاع وزن أستانا بشكل كبير، فإنّ الباب غدا مفتوحاً على اتساعه باتجاه تطبيق كامل للقرار 2254، بما في ذلك استعادة السيادة السورية، سيادة الشعب السوري، على كامل الأرض السورية، توازياً مع تفعيل حقّه في تقرير مصيره ومصير دولته بنفسه، وهو الأمر الذي لن يتمكن المتشددون من الأطراف السورية إعاقته بعد الآن بشكل جدي، ما دام دور المعيق الأكبر قد انخفض إلى حدود غير مسبوقة.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 937